ارشيف من :آراء وتحليلات
أوروبا بدأت إدارة ظهرها لحقوق الإنسان
صوفيا ـ جورج حداد*
يلحظ التقرير السنوي عن حقوق الانسان لسنة 2011، الذي تصدره منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تدهور الوضع بالنسبة لحقوق الانسان في أوروبا. ويحدد التقرير اربعة اتجاهات تجد المنظمة أنها تثير القلق:
ـ تقليص الحريات المدنية في البلدان التي تبنت اجراءات مضادة للارهاب؛
ـ المناقشات حول موقع الاقليات واللاجئين في اوروبا، التي غالبا ما تكون مبطّنة بالتعصب ضد الاجانب؛
ـ صعود الاحزاب الشعبوية المتطرفة ونمو تأثيرها على الحياة السياسية؛
ـ وتضاؤل فعالية المؤسسات والآليات التقليدية الخاصة بحقوق الانسان.
وحذرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" من انه اذا لم يتم ادراك هذه الخطورة، فإن الاجيال القادمة من الأوروبيين يمكن أن تنظر الى حقوق الانسان بوصفها شيئا ما كماليا، وليس كقيمة اصلية. وبمقتضى التقرير فإن التعصب حيال اللاجئين والأقليات في أوروبا هو واسع الانتشار. إن مخاطر الإرهاب، الجريمة والتنافس على المنافع الاقتصادية، وكذلك محو الهوية الثقافية، تفسر هذا التعصب، الذي يتوقع أن يتعمق بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية، المترافقة مع إجراءات التقشف، كما يؤكد التقرير.
وتؤكد المنظمة أن الموقف من المسلمين والغجر هو موقف عدائي وتمييزي بشكل خاص. وكمثال على ذلك يشير التقرير الى الطرد العنفي للغجر من بلدان أوروبا الشرقية، التي هي أعضاء في الإتحاد الأوروبي، كما جرى في فرنسا وايطاليا. ويستطرد التقرير "وأبعد نحو الشرق، في هنغاريا، رومانيا، بلغاريا، تشيخيا وسلوفاكيا، فإن الوضع هو أكثر اثارة للقلق، لجهة الهجمات العنفية واللهجة المعادية للغجر، وكذلك لجهة التقدم البطيء في تصفية الفصل السكاني والمدارسي، بالرغم من الصناديق التي يرصدها الاتحاد الأوروبي لهذا الغرض، وبالرغم من الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية الخاصة بحقوق الانسان. وهذا خبر سيئ للغجر، ولكنه خبر سيئ ايضا لحقوق الانسان ككل".
وفي الختام يؤكد التقرير أن حقوق الانسان هي ذات أهمية قبل كل شيء لأوروبا ذاتها. وتحذر المنظمة من أن الأفكار الخطرة أن البعض يستحقون الحصول على حقوق أكبر من الآخرين وأن الارادة الديمقراطية للأكثرية يمكن ان تؤدي الى التقليل من شأن حقوق الأقليات، ـ اذا استمرت هذه الأفكار في الوجود، فإن الاضرار ستصبح لا تعد ولا تحصى.
ومن جهة اخرى تتصاعد في أوروبا موجة الاحتجاجات على تدابير التقشف التي تلقي بثقلها على كاهل الجماهير العمالية والشعبية الأخرى. وفي رومانيا اصدرت الشرطة بلاغا جاء فيه انه في محيط "ساحة الوحدة" و"الوسط التاريخي" تم تحطيم الزجاج للفروع البنكية، وتحطيم جهازين للصرف الآلي، وتعطيل 5 سيارات منها 2 للشرطة، وتحطيم الحواجز المعدنية على امتداد بوليفارد "براتيانو". وهذا جزء من نتائج الاحتجاجات التي جرت في العاصمة الرومانية في الايام القليلة الماضية. وقال محافظ بوخارست سورين اوبريسكو ان الاضرار هي أكثر من ذلك بكثير. ولم تشهد بوخارست مثل هذه الاحداث طوال المرحلة التي اعقبت سقوط حكم تشاوشيسكو.
وجرت تظاهرات الاحتجاج في غيرها من المدن الكبرى في البلاد. وفي مدينة كرايوفا عبّرت المظاهرة عن الغضب حيال الادارة الحاكمة في البلاد. وهتف المتظاهرون انه انتهى وقت الصبر، وانهم لم يعودوا يحتملون الفساد وتدهور مستوى المعيشة. وفي مدينة ياش جرى تجمع احتجاجي، نظمه نشطاء الاتحاد الاشتراكي الليبيرالي، وحضره انصار احزاب اخرى ايضا.
في بوخارست كانت الاحتجاجات قد بدأت بتظاهرة سلمية، شارك فيها شيوخ وشبان رفعوا شعارات معادية للحكام. وفيما بعد انضمت الى المظاهرات مجموعات من الشبان المندفعين، الذين بدأوا بتحطيم المحلات، والسيارات، واخيراً اشتبكواً مع فصائل من الدرك. ووصفت جريدة "رومانيا ليبيرا" الاحداث كما يلي: "في بلد انخفض فيه مستوى المعيشة بشكل محسوس، نتيجة التدابير التقشفية القاسية، فإنه يمكن اعتبار مثل هذه المظاهرات متطرفة". ولكن اعمال الاحتجاج لها ايضا تفسير.
وتتهم الصحافة قبل كل شيء رئيس الجمهورية بوسيسكو. وتقول "رومانيا ليبيرا": "في السنوات الأخيرة عبّر الرئيس عن موقف عدائي ليس فقط حيال أخصامه السياسيين،بل، وللمفارقة، حيال قسم كبير من السكان. خصوصا حينما كان يتعلق الامر بالمعاشات التقاعدية والأجور". وقد وجه الرئيس الاتهامات تقريبا ضد جميع الفئات الاجتماعية والصحافة. وقد طفح كيل الصبر في "حالة عرفات". فـ رائد عرفات هو نائب سكرتير الدولة في وزارة الصحة، وقد عبّر عن عدم موافقته على قرار اللجنة الخاصة بإعداد مشروع قانون لاصلاح الضمان الصحي، وهذا ما استدعى غضب رئيس الجمهورية. وحسبما أذاعت وسائل الاعلام، فإن مشروع القانون كان يتضمن خصخصة المؤسسات الصحية، ورفع الرسوم على المرضى وغير ذلك.
وتحت عنوان "جاء لعند الباشا واحد عربي" كتبت جريدة "اديفورول" تقول: "حتى لو لم تصل الى النقطة الحرجة، فإن المظاهرات ضد بوسيسكو استثارت طفرات في افكار بعض اللاعبين السياسيين. لا يمكن ان يتم حكم بلاد، وكأنه لا يوجد فيها ناس. والناس ينبغي اقناعهم، وليس اهمالهم".
وقد ادى ردّ الفعل العفويّ للرأي العام الى اجبار رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء على تشكيل لجنة جديدة يدخل فيها عرفات وممثلو عدد من المنظمات الاجتماعية، لصياغة مشروع قانون جديد للشؤون الصحية.
وعقد رئيس الوزراء اميل بوك مؤتمرا صحافيا اعلن فيه انه بموجب مشروع القانون الجديد ستسحب من نظام الصحة مسألة الخصخصة ورفع الرسوم على المرضى. واكد في الوقت نفسه ان المظاهرات السلمية ضمن الاطر القانونية هي مشروعة. ولكنه شجب اعمال العنف. واكد بوك انه سيقترح عقد دورة استثنائية للبرلمان، من اجل تشجيع الحوار في المجتمع.
وكانت الصحافة قد لاحظت صدور بعض الشعارات في المظاهرات تدعو الى الثورة. وتساءلت جريدة "اديفورول": "ما هو مغزى ثورات جديدة؟"، "أن نحل الاحزاب، ونستبدلها بزعيم كاريزمي؟". ثم استنتجت ان المظاهرات عبّرت عن الاستياء العام من الحياة الصعبة. وتوقعت مختلف الصحف زيادة فعالية النقابات والاحزاب، خصوصا مع اقتراب الانتخابات المحلية والبرلمانية.
*كاتب لبناني مستقل
يلحظ التقرير السنوي عن حقوق الانسان لسنة 2011، الذي تصدره منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تدهور الوضع بالنسبة لحقوق الانسان في أوروبا. ويحدد التقرير اربعة اتجاهات تجد المنظمة أنها تثير القلق:
ـ تقليص الحريات المدنية في البلدان التي تبنت اجراءات مضادة للارهاب؛
ـ المناقشات حول موقع الاقليات واللاجئين في اوروبا، التي غالبا ما تكون مبطّنة بالتعصب ضد الاجانب؛
ـ صعود الاحزاب الشعبوية المتطرفة ونمو تأثيرها على الحياة السياسية؛
ـ وتضاؤل فعالية المؤسسات والآليات التقليدية الخاصة بحقوق الانسان.
وحذرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" من انه اذا لم يتم ادراك هذه الخطورة، فإن الاجيال القادمة من الأوروبيين يمكن أن تنظر الى حقوق الانسان بوصفها شيئا ما كماليا، وليس كقيمة اصلية. وبمقتضى التقرير فإن التعصب حيال اللاجئين والأقليات في أوروبا هو واسع الانتشار. إن مخاطر الإرهاب، الجريمة والتنافس على المنافع الاقتصادية، وكذلك محو الهوية الثقافية، تفسر هذا التعصب، الذي يتوقع أن يتعمق بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية، المترافقة مع إجراءات التقشف، كما يؤكد التقرير.
وتؤكد المنظمة أن الموقف من المسلمين والغجر هو موقف عدائي وتمييزي بشكل خاص. وكمثال على ذلك يشير التقرير الى الطرد العنفي للغجر من بلدان أوروبا الشرقية، التي هي أعضاء في الإتحاد الأوروبي، كما جرى في فرنسا وايطاليا. ويستطرد التقرير "وأبعد نحو الشرق، في هنغاريا، رومانيا، بلغاريا، تشيخيا وسلوفاكيا، فإن الوضع هو أكثر اثارة للقلق، لجهة الهجمات العنفية واللهجة المعادية للغجر، وكذلك لجهة التقدم البطيء في تصفية الفصل السكاني والمدارسي، بالرغم من الصناديق التي يرصدها الاتحاد الأوروبي لهذا الغرض، وبالرغم من الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية الخاصة بحقوق الانسان. وهذا خبر سيئ للغجر، ولكنه خبر سيئ ايضا لحقوق الانسان ككل".
وفي الختام يؤكد التقرير أن حقوق الانسان هي ذات أهمية قبل كل شيء لأوروبا ذاتها. وتحذر المنظمة من أن الأفكار الخطرة أن البعض يستحقون الحصول على حقوق أكبر من الآخرين وأن الارادة الديمقراطية للأكثرية يمكن ان تؤدي الى التقليل من شأن حقوق الأقليات، ـ اذا استمرت هذه الأفكار في الوجود، فإن الاضرار ستصبح لا تعد ولا تحصى.
ومن جهة اخرى تتصاعد في أوروبا موجة الاحتجاجات على تدابير التقشف التي تلقي بثقلها على كاهل الجماهير العمالية والشعبية الأخرى. وفي رومانيا اصدرت الشرطة بلاغا جاء فيه انه في محيط "ساحة الوحدة" و"الوسط التاريخي" تم تحطيم الزجاج للفروع البنكية، وتحطيم جهازين للصرف الآلي، وتعطيل 5 سيارات منها 2 للشرطة، وتحطيم الحواجز المعدنية على امتداد بوليفارد "براتيانو". وهذا جزء من نتائج الاحتجاجات التي جرت في العاصمة الرومانية في الايام القليلة الماضية. وقال محافظ بوخارست سورين اوبريسكو ان الاضرار هي أكثر من ذلك بكثير. ولم تشهد بوخارست مثل هذه الاحداث طوال المرحلة التي اعقبت سقوط حكم تشاوشيسكو.
وجرت تظاهرات الاحتجاج في غيرها من المدن الكبرى في البلاد. وفي مدينة كرايوفا عبّرت المظاهرة عن الغضب حيال الادارة الحاكمة في البلاد. وهتف المتظاهرون انه انتهى وقت الصبر، وانهم لم يعودوا يحتملون الفساد وتدهور مستوى المعيشة. وفي مدينة ياش جرى تجمع احتجاجي، نظمه نشطاء الاتحاد الاشتراكي الليبيرالي، وحضره انصار احزاب اخرى ايضا.
في بوخارست كانت الاحتجاجات قد بدأت بتظاهرة سلمية، شارك فيها شيوخ وشبان رفعوا شعارات معادية للحكام. وفيما بعد انضمت الى المظاهرات مجموعات من الشبان المندفعين، الذين بدأوا بتحطيم المحلات، والسيارات، واخيراً اشتبكواً مع فصائل من الدرك. ووصفت جريدة "رومانيا ليبيرا" الاحداث كما يلي: "في بلد انخفض فيه مستوى المعيشة بشكل محسوس، نتيجة التدابير التقشفية القاسية، فإنه يمكن اعتبار مثل هذه المظاهرات متطرفة". ولكن اعمال الاحتجاج لها ايضا تفسير.
وتتهم الصحافة قبل كل شيء رئيس الجمهورية بوسيسكو. وتقول "رومانيا ليبيرا": "في السنوات الأخيرة عبّر الرئيس عن موقف عدائي ليس فقط حيال أخصامه السياسيين،بل، وللمفارقة، حيال قسم كبير من السكان. خصوصا حينما كان يتعلق الامر بالمعاشات التقاعدية والأجور". وقد وجه الرئيس الاتهامات تقريبا ضد جميع الفئات الاجتماعية والصحافة. وقد طفح كيل الصبر في "حالة عرفات". فـ رائد عرفات هو نائب سكرتير الدولة في وزارة الصحة، وقد عبّر عن عدم موافقته على قرار اللجنة الخاصة بإعداد مشروع قانون لاصلاح الضمان الصحي، وهذا ما استدعى غضب رئيس الجمهورية. وحسبما أذاعت وسائل الاعلام، فإن مشروع القانون كان يتضمن خصخصة المؤسسات الصحية، ورفع الرسوم على المرضى وغير ذلك.
وتحت عنوان "جاء لعند الباشا واحد عربي" كتبت جريدة "اديفورول" تقول: "حتى لو لم تصل الى النقطة الحرجة، فإن المظاهرات ضد بوسيسكو استثارت طفرات في افكار بعض اللاعبين السياسيين. لا يمكن ان يتم حكم بلاد، وكأنه لا يوجد فيها ناس. والناس ينبغي اقناعهم، وليس اهمالهم".
وقد ادى ردّ الفعل العفويّ للرأي العام الى اجبار رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء على تشكيل لجنة جديدة يدخل فيها عرفات وممثلو عدد من المنظمات الاجتماعية، لصياغة مشروع قانون جديد للشؤون الصحية.
وعقد رئيس الوزراء اميل بوك مؤتمرا صحافيا اعلن فيه انه بموجب مشروع القانون الجديد ستسحب من نظام الصحة مسألة الخصخصة ورفع الرسوم على المرضى. واكد في الوقت نفسه ان المظاهرات السلمية ضمن الاطر القانونية هي مشروعة. ولكنه شجب اعمال العنف. واكد بوك انه سيقترح عقد دورة استثنائية للبرلمان، من اجل تشجيع الحوار في المجتمع.
وكانت الصحافة قد لاحظت صدور بعض الشعارات في المظاهرات تدعو الى الثورة. وتساءلت جريدة "اديفورول": "ما هو مغزى ثورات جديدة؟"، "أن نحل الاحزاب، ونستبدلها بزعيم كاريزمي؟". ثم استنتجت ان المظاهرات عبّرت عن الاستياء العام من الحياة الصعبة. وتوقعت مختلف الصحف زيادة فعالية النقابات والاحزاب، خصوصا مع اقتراب الانتخابات المحلية والبرلمانية.
*كاتب لبناني مستقل