ارشيف من :آراء وتحليلات

ايران ... بين قراءات الداخل وقراءات الخارج

ايران ... بين قراءات الداخل وقراءات الخارج
طهران ـ عادل الجبوري

بالنسبة لمن يتابع الحدث الإيراني وتفاعلاته من خارج إطاره ومن بعيد، لا بد أن يخرج بانطباع عام مفاده أن طهران تواجه أزمة حقيقية على كل المستويات، وأنها أمام عدة خيارات كل واحد منها أسوأ وأخطر من الآخر.

في الباص الصغير الذي أقلني مع أشخاص آخرين من مطار الإمام الخميني الدولي جنوبي العاصمة طهران حتى شارع شريعتي وسطها، تجاذبت أطراف الحديث مع أكاديمي إيراني يجيد العربية بمقدار قليل مثل معرفتي المتواضعة باللغة الفارسية، وقد سألته "كيف ستخرج ايران من المأزق الذي تواجهه حاليا؟" فرد علي مستوضحا "تقصد العقوبات الجديدة؟".
فقلت له "نعم العقوبات الجديدة ، وربما غيرها من الأمور التي تعنيها في المنطقة".

قال "لا جديد فيما يُطرح ويثار حالياً ضد بلدنا سواء من قبل الولايات المتحدة الأميركية ام الاتحاد الأوربي أم دول إقليمية تسير في ركابها، فطيلة ثلاثة عقود من الزمن صدرت قرارات وفرضت عقوبات واتخذت إجراءات محاصرة أُريد منها ان ترغم ايران على الخضوع والاستسلام إلا أن جميع هذه الاجراءات لم تفلح، وفي النهاية باءت بالفشل، وبدلاً من ذلك مثلت لنا اختبارات مهمة نجحنا في اجتيازها وتجاوزها، وقبل حوالي خمسة عشر عاماً ظهر قانون "داماتو" وقبله وبعده محاولات محمومة، لم تثبت سوى حقيقة أن واشنطن وحلفاءها عاجزون عن اخضاع طهران ناهيك عن إضعافها، ويتذكر الكثيرون أن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلنتون اعتبر أن ايران وكوريا الشمالية والعراق، تشكل محور الشر، بينما الشر الحقيقي يأتي من تل أبيب وواشنطن وعواصم الغرب الأخرى".

لا شك أن ما أشار اليه الأكاديمي الإيراني قد يبدو لبعض من يقرأه أنه عبارة عن شعارات يعج بها الاعلام الايراني والمنابر السياسية والدينية الايرانية، لكن النظرة الواقعية والموضوعية تؤكد أن ذلك الكلام اذا لم يكن صحيحاً ودقيقاً بالكامل فهو بنسبة كبيرة كذلك.

ايران ... بين قراءات الداخل وقراءات الخارج

وقبل أيام قلائل أقدم الاتحاد الإوربي على خطوة جديدة حيال طهران، ولم تكن واشنطن بعيدة عن ذلك، إذ قرر فرض حصار على الصادرات النفطية الإيرانية الى أوروبا، على ان يتم الشروع بتطبيق هذا القرار بعد ستة أشهر من صدوره، ومعروف ان ستمائة الف برميل من مجموع أكثر من مليونين ونصف المليون برميل من النفط الايراني المصدر يومياً يتدفق الى الاسواق الاوربية.

وهذا يعني ان القرار في حال طبق على أرض الواقع، فإن تأثيراته على الاقتصاد الايراني بحسابات الأرقام والنسب سوف يكون قليلاً، هذا اذا لم تتوفر البدائل، ولعل فرص توفر البدائل غير قليلة، ناهيك عن أن مجرد عدم العمل بالقرار إلا بعد ستة شهور كاف للاشارة والتدليل على أن صعوبات وعراقيل جمة تواجه تطبيقه، منها أن عدداً كبيراً من الدول الاوروبية يدرك التبعات والآثار السلبية التي يخلفها قرار من هذا القبيل عليها، سياسياً واقتصادياً على حد سواء.

إعلان الإتحاد الأوربي أحدث ارباكاً في أوضاع السوق الايراني، تمثل في جانب كبير منه بانخفاض سعر العملة الايرانية (التومان) مقابل الدولار الاميركي والعملات الأخرى، وارتفاع اسعار المسكوكات الذهبية بمستويات عالية، بيد أنه سرعان ما تم احتواء الموقف حينما أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد رفع اسعار الفائدة في المصارف من 12% الى 21% وهو ما أعاد التوازن والاستقرار الى السوق بمقدار معقول، ولأن الاقتصاد الايراني اقتصاد متحرك باتجاهات متعددة، فإن مواجهة الصدمات أمر ممكن باعتبار ان هامش المناورة كبير.

ويرى المعنيون بالشؤون السياسية والاقتصادية في ايران أن قرار الإتحاد الأوربي جاء بفعل ضغوطات أميركية، وارتبط بتلويح طهران بإغلاق مضيق هرمز الذي يتدفق منه الجزء الأكبر من نفط المنطقة إلى الأسواق العالمية. وهذا أمر طبيعي جداً، بيد أن ما هو غير طبيعي، الخطوات المتسرعة والارتجالية لدول الإتحاد الأوروبي، لا سيما الكبيرة منها، وعدم قراءتها الواقع قراءة دقيقة وموضوعية وهادئة وفقاً لمصالحها وبعيداً عن ضغوطات واشنطن، واستناداً الى التجارب السابقة.

واذا كان الاعلام الغربي اهتم بقراءة وتحليل أبعاد ومعطيات قرار الاتحاد الأوربي وتأثيراته الآنية والمستقبلية على طهران، وكذلك قراءة وتحليل أحداث المنطقة، وخصوصاً ما يجري في سوريا وتأثيراتها هي الأخرى على طهران، على اعتبار أن نظام الرئيس بشار الأسد سوف يسقط لا محالة، فإن الشارع الإيراني بكل تفصيلاته يبدو بعيداً الى حد كبير ـ او بعبارة أخرى غير معني بتلك القراءات، لأن الواقع الداخلي بإطاره العام الشامل لاينسجم معها ـ أي قراءات الإعلام الغربي ـ وليس فيه مصاديق تعززها.

ومثلما يقول مواطن ايراني عادي "حرب الثمانية أعوام التي شنها صدام على الجمهورية الاسلامية ومعه العالم بأجمعه تقريباً لم تسقط النظام ولا الحكومة، بل على العكس اصبحت الدولة بعد الحرب أقوى مما كانت عليه خلالها، لذا من البديهي أن لا يصدق أي عاقل أن قراراً بفرض عقوبات اقتصادية ليس الأول من نوعه يمكن أن يهز الدولة ويزعزع أركانها،إنه أشبه بمزحة تدعو الى الضحك وتبعث على السخرية".

ويبدو الانشغال والاهتمام في هذه الأيام بإيران منصباً على احياء الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين التي تصادف في الحادي عشر من شهر فبراير المقبل، الموافق الثاني والعشرين من شهر بهمن (الحادي عشر)، اي ستحل الذكرى بعد اسبوعين، وكما هو الحال في كل عام فإن الاحتفالات تأخذ طابعاً جماهيرياً واسعاً ولا تقتصر على المراسيم الرسمية. اذاً ـ باختصار ـ قراءات الداخل الايراني الأكثر واقعية، لا تلتقي مع القراءات الخارجية البعيدة عن الواقع الى حد كبير.
2012-01-30