ارشيف من :آراء وتحليلات

مصر: لكي لا تَنْضمَّ كرة القدم إلى عوامل الزعزعة!

مصر: لكي لا تَنْضمَّ كرة القدم إلى عوامل الزعزعة!
عقيل الشيخ حسين

هنالك الكثير من الوقائع والشبهات وربما الإشاعات التي تشير الى احتمال أن تكون المجزرة التي شهدها ستاد بور سعيد مدبّرة من قبل النظام العسكري وجهات معروفة، داخلية وخارجية، تعمل في الخفاء ويهمها أن تدفع مصر، والثورة المصرية خصوصاً، نحو الفوضى والاحتراب.

ففي غمار الذهول والأسى اللذين تعيشهما مصر في أجواء المجزرة، لم نعدم أصواتاً جاءت، كصدى في ما يبدو، لتصريحات مسؤولين حكوميين مصريين طالبوا قبل أيام من وقوع المجزرة بالعودة إلى قانون الطوارئ الذي تم إلغاؤه مؤخراً بشكل جزئي.

كما لم نعدم أصواتاً وصلت إلى حد الترحم على أيام حسني مبارك على أساس أنها تظل أفضل من الفوضى والاضطراب اللذين يهددان مستقبل مصر في حال تواصل المسيرة الثورية أو عدمه.

وإذا صح أن التراس الأهلي قد قام بدور فاعل في إطلاق الثورة المصرية، وأنه قد تعرض لهجمات وأعمال عنف منذ لحظة انطلاقه من القاهرة باتجاه بور سعيد، وهي أعمال العنف التي تواصلت أثناء المباراة وبلغت أوجها عند نهايتها، فإن فرضية المؤامرة تفرض نفسها بقوة. وهنالك العديد من الشواهد التي تشير الى صحة هذه الفرضية.

مصر: لكي لا تَنْضمَّ كرة القدم إلى عوامل الزعزعة!

منها أنه خلال الأيام القليلة التي سبقت المباراة/ المجزرة، تم إطلاق حملات إعلامية شابها الكثير من التحريض على نادي الأهلي.

ومنها السماح بدخول مشجعين للنادي المصري (بور سعيد) مع إدخال أسلحة منها المسدسات والسيوف والسكاكين والعصي وأجهزة إطلاق المقذوفات النارية إلى منصات المتفرجين، علماً بأنه ممنوع دخول مثل هذه الأسلحة، أو حتى اللافتات التي من شأنها إثارة النزاعات هي محظورة تماماً.

ومنها عدم توفير أعداد كافية من رجال الأمن للفصل بين المتعاركين، وتوجيه تهم إلى رجال الأمن أنفسهم بتسهيل القيام بالمجزرة عبر فتح أو إغلاق بوابات معينة، أو حتى عبر تحريض مشجعي النادي المصري على مهاجمة الأهلاويين.

ومنها أخيراً، ما يحكى عن رسائل وجهت إلى الأهلاويين تدعوهم إلى أن يكتب كل منهم وصيته قبل الحضور إلى بورسعيد، إضافة إلى عدم وجود مبرر لأن يقوم مناصرو الفريق الفائز في المباراة، أو مندسون بينهم، بمهاجمة الفريق الخاسر ومناصريه، لأن الخاسرين هم من تستولي عليهم عادة مشاعر الإحباط التي قد تدفعهم إلى الانتقام.

على هذا، تكون المجزرة التي سقط فيها أكثر من 70 قتيلاً وألف جريح، حلقة من أبرز حلقات الثورة المضادة التي ظهرت تعابيرها بأشكال متعددة منذ واقعة الجمل وما قبلها، والتي تهدف إلى وأد الثورة ومنعها من المضي قدماً نحو تحقيق الطموحات الفعلية للشعب المصري.

وفي الوقت نفسه، وفي الوقت الذي خرجت فيه تظاهرات احتجاجية شهدت هجمات على مقار أمنية في العديد من المدن المصرية، يمكن أيضاً للمجزرة أن تشكل حافزاً أقوى نحو المضي في معركة المطالبة بإنهاء الحكم العسكري كخطوة على طريق مواصلة العمل الثوري.

لكن كل ذلك لا يعفي في ما يتجاوز التشابكات الممكنة بين الرياضة والسياسية من إبداء بعض الملاحظات حول كرة القدم بذاتها، وبمعزل عن تلك التشابكات.
مصر: لكي لا تَنْضمَّ كرة القدم إلى عوامل الزعزعة!

فالمعروف أن كرة القدم المفترض بها أن تكون تسلية مفيدة أو نشاطاً راقياً ينمي عند الرياضيين والمناصرين على السواء روح التنافس والرياضية المنفتحة على توثيق عرى الاحترام والصداقة بين المعنيين، قد تحولت إلى "صناعة" كبرى تحرك مبالغ مالية كبرى في مصلحة أرباب هذه المؤسسة والدول الراعية للمهرجانات الرياضية وما لا يحصى من شركات تجد في النشاط الرياضي مادة للتوظيف المالي والأرباح الطائلة.

كما أن للرياضة حصة هامة من الفساد المالي والغش والتزوير الذي بات يضرب جميع مؤسسات عالم اليوم. ولا ريب في أن جمهور عشاق كرة القدم، من الذين يحتشدون لمشاهدة المباريات هم أكبر المتضررين. وليس المقصود بالضرر ما يدفعونه من أموال تذهب إلى جيوب المستثمرين، بل الخسائر التي يمنون بها على مستوى حياتهم. وفي هذا المجال، قد يكون من المفيد لبعض مراكز الأبحاث أن تقدم جردة بأعداد من يقتلون في المباريات الرياضية أسوة بما يفعلونه بالنسبة لضحايا السيارات.

وإذا كنا لا نعلم عدد من سقطوا في حرب كرة القدم التي اندلعت بين مصر والجزائر قبل عامين تحديدا، فإن من المعروف أن أعداداً من المباريات تشهد سقوط عشرات أو مئات القتلى، بمعارك فعلية أو نتيجة لانهيار مدرج أو حدوث حالة من حالات الهلع.

كما أنه من المعروف أن الحرب التي تفجرت في العام 1970 بسبب كرة القدم بين دولتي هندوراس وسلفادور قد أوقعت 4000 قتيل من دون حساب الجرحى والمشردين والخسائر المادية الأخرى.

والأهم من ذلك، بالنسبة لمصر، أن لا تتحول كرة القدم، حتى ولو كان ذلك تحت طائل تحريمها، إلى عامل ينضم إلى عوامل الفرقة والاقتتال بين شرائع واسعة من الجمهور المصري، في وقت تحتاج فيه مصر إلى تجنب الاضطرابات الاقتصادية والطائفية والاجتماعية المتفاقمة.
2012-02-03