ارشيف من :آراء وتحليلات
هل يبدأ انفراط عقد المؤامرة على سوريا من الحلقة التركية؟
"من لا يعرف إلا الجانب الخاص به من القضية يعرف القليل عن هذه القضية" ـ (جون ستيوارت ميل)
لؤي توفيق حسن(*)
لماذا، وبأي منطق خرج وزراء الخارجية العرب فيما أسموها "مبادرة" حاملةً طابع الإدانة للسلطات السورية بما يتناقض ومحتوى تقرير بعثة المراقبين العرب التي انتدبوها إلى سوريا لتقصي الحقائق؟!.
إنه لأمر يبدو أشبه بقاضٍ باع ضميره ليحكم في قضية من غير الأخذ بأقوال الشهود او مثلاً بتقرير الخبير الذي عينته محكمته!!. لكن لا مكان للمنطق في تعامل الجامعة العربية مع الأزمة السورية. فكل قراراتها حيالها بما فيها تجميد عضوية سوريا مخالفة قانونية صريحة لميثاق الجامعة ـ (المادتان 8 و 18) ـ أما ما جاء في المبادرة عن تنحي الرئيس الأسد لنائبه فهو (بلطجة قانونية) غير مسبوقة.
نعم لا مكان للمنطق لأن "ما كتب قد كتب" على حد قول السيد المسيح (ع). و"الكاتب" هنا أمريكا و"المكتوب له" هم العرب المغلوبون على أمرهم إلا من بعضهم ممن يملك ـ بحكم العشرة! ـ حقد الجِمال على شخص بشار الأسد بالذات ما يجعله يؤدي مهمته برضى تام.
غير ان هذا الفشل الموصوف في (إخراج) ما كُتب يعود بالأساس إلى أن سوريا قد خيبت كل توقعاتهم، فقد تصرفت بثقة، وأعصاب باردة حيال التهديد بالاجتياح؛ فإقامة المنطقة العازلة؛ ثم لعبة التدويل؛ إلى المرونة بقبول بعثة المراقبين العرب.
أما ذروة الإحباط فقد جاءت في تقرير هذه الأخيرة المخيب لحسابات "الحقل الأمريكي". بل هو صفعة عندما وقف رئيسها الفريق الدابي ليقول ساخطاً: "أنا لا أسمح أن أكون مطية لأحد" !. رددها ثلاث مرات لتبلغ مدارك من نصب نفسه هذه الأيام (قائماً بأعمال الخارجية الأمريكية) لدى الجامعة العربية!.
كان المقصود وما زال من كل هذا الضغط تفكيك عصب السلطة، والمستهدف بالمقام الأول هنا هو الجيش السوري. لكن هذا الأخير فوّت عليهم الفرص إذ بقي متماسكا. ونحن هنا ننقل للقارئ ما افصحت عنه معلومات مصادر حيادية تراقب الوضع السوري عن كثب من أن ظاهرة الانشقاقات محدودة النسبة وفي نطاق بعض المجندين للخدمة الإلزامية. ولم تطل أياً من فعاليات الجيش الميدانية، أو اللوجستية، فضلاً عن القيادية منها. لذلك جاء التصعيد الأخير وفق أسلوب الأرض المحروقة التي تستهدف قتل أكبر عدد من عناصره كردّ عقابي على تماسكه وعلى ولأئه لقيادته.
إن المطلوب استنزاف الجيش وصولاً لإضعافه وبعدها فليكن ما يكون من فوضى لا سيما في ظل هذا الانتشار الواسع للسلاح واستفحال ظاهرة المجموعات المسلحة على الأرض تحت مسمى: "الجيش الحر!"، فيما هو بواقع الحال تشكيلات ميليشياوية محلية كالتي تشهدها ليبيا هذه الأيام حيث باتت مدنها في قبضة عصابات مسلحة. بلغت في العاصمة طرابلس 140 بحسب تقرير لصحيفة بريطانية. بينما يقف "المجلس الانتقالي" عاجزا عن الدفاع عن مقراته.
لكن يبدو أن مجلس اسطنبول لم يستوعب الدرس. ولم يلجأ أحدٌ من أعضائه الى محاكمةٍ منطقية للمآلات الممكنة ذلك (لو!) قدر له أن يكون بديلاً عن النظام الحالي، وهذا فقط على سبيل الجدل!. مع أن المجلس المذكور يدرك تمام الإدراك بأن ما يسمى بـ"الجيش الحر" كيان ـ أو بالأحرى كيانات ـ تغرد لوحدها!. وليس له أدنى مونة عليه. بالرغم من كل المساعي للتجسير بينهما!. هذا بالأساس لو توافر هذا التجسير لرياض الأسعد نفسه! باستثناء دوره كمحطة لاستقبال المال وتوزيعه على الميليشيات المتفرقة من هنا أو من هناك!.
بعض العرب يدركون مخاطر مآلات هذه الفوضى مثل الأردن، الكويت، وربما البعض في السعودية. لكن هؤلاء لا حول لهم أمام الإرادة الأمريكية.
أما في لبنان فقد يكون النائب وليد جنبلاط من بين القلائل من السياسين اللبنانيين الذين استفادوا من تجربتهم السابقة فسعى لإيجاد مسافة بين ما يغدقه الأمريكيون من أمانٍ على جماعة 14 آذار ـ (عدة عوكر للشغل)!ـ، وبين الركون إليها جاعلاً بين الأمرين قدرا من الانتظار والحذر حريصا على استطلاع الخبايا من أكثر من مصدر، كان آخرها زيارته لموسكو.
ربما تركيا خلافاً لغيرها أخذت تعيد حساباتها التي كانت في بادئ الأمر تبسيطية للغاية. والأرجح أن دافعها معطيات عدة منها أنها ستكون الخاسر الأكبر فيما لو سقط النظام بالظروف الحالية!، ليس وحسب على اعتبارها تدرك مآلات استنساخ فوضى على حدودها شبيهة بما هو قائم في ليبيا. بل لأن هناك نقزة تركية من احتمالات التوسع الجغرافي لإقليم كردستان العراقي شاملاً الجزء السوري لتكرَّ من بعدها السبحة. وهذا بعد أن تيقنت تركيا من أدوار اسرائيلية في هذه الغاية. حتى تحولت "أربيل" التي تعتبر قاعدة لـ"الموساد" وكيلاً حصرياً للحجز يقصده الطامحون لموقع لهم في "الشرق الأوسط الجديد"، كان آخرهم منذ أيام سمير جعجع!. وحاليا مؤتمر لأكرادٍ سوريين مطالبين بإقليم مستقل لهم "فيما لو سقط النظام السوري"!.
ترى هل يبدأ انفراط عقد المؤامرة على سوريا من الحلقة التركية؟
... لهذا حديث آخر.
(*) كاتب من لبنان