ارشيف من :آراء وتحليلات

سوريا الأسد: دور حاسم في قيام تعددية قطبية

سوريا الأسد: دور حاسم في قيام تعددية قطبية
عقيل الشيخ حسين

محلل عربي من أولئك الذين أفسدهم البترودولار السعودي والقطري حشد كل ذكائه ليصل، على أجنحة الخيبة والأسى، إلى الاستنتاج التالي بخصوص الأزمة السورية: العرب لم يبذلوا ما يكفي من الجهد لإقناع روسيا بعدم استخدام حق الفيتو في مواجهة مشروع القرار العربي ـ الغربي الذي طرح في مجلس الأمن بهدف توجيه إدانة إضافية إلى النظام السوري.

ظنه، فيما يبدو، أن العرب الذين قصدهم كان عليهم أن يلجأوا إلى وسيلتهم المعتادة في شراء ذمم بعض الصحافيين والمحللين أو حتى بعض قادة الدول ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية.

وظنه، فيما يبدو، أن روسيا ما تزال تحت حكم ميخائيل غورباتشوف أو بوريس يلتسين اللذين لم يكن لهما من هم غير أن يذلوا روسيا ويبيعوها بالمزاد لمصلحة القوى الامبريالية.

فالمعروف منذ سنوات أن روسيا بوتين تلتزم خطاباً وصف بالـ "سوفياتي" من قبل العديد من المراقبين، وتتصرف بطريقة متناسبة إلى هذا الحد أو ذاك مع ذلك الخطاب. ومن البديهي أن بلدين كبيرين بحجم روسيا والصين لا يمكنهما إلقاء السلاح في اللحظة التي ينهار فيها الغرب تحت ثقل هزائمه العسكرية وأزماته الاقتصادية والاجتماعية.

وعلى هذا الأساس، فإن الفيتو المزدوج لم يأت لمجرد أن روسيا والصين تريدان عدم الوقوع في الفخ الذي وقعتا فيه عندما صوتتا لمصلحة التدخل المحدود في ليبيا، أو عدم السماح بتدخل مشابه في سوريا لأسباب تكتيكية، بل أتى بالدرجة الأولى كتعبير عن إطلاق هجوم مضاد يقوم به هذان البلدان، بعد عشرين عاماً من انهيار الاتحاد السوفياتي، رداً على التوسع المتعدد الأشكال للناتو وللولايات المتحدة في أوروبا الشرقية والقفقاس وآسيا الوسطى والمحيط الهادئ.

فالموقف الذي اتخذه كل من روسيا والصين في مجلس الأمن هو مؤشر على عودة هذين البلدين بقوة إلى مسرح السياسة الدولية. وهذه العودة تعني نهاية فترة طويلة تميزت بالهيمنة المفروضة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها على العالم وعلى مؤسسات الأمم المتحدة بدءاً بمجلس الأمن الدولي.

مع الفيتو المزدوج، ولت تلك الأيام الخوالي التي كان من الممكن فيها، عن طريق الكذب والتهويل، تسويغ حرب عالمية ثالثة تهدف إلى تطويع العالم كله انطلاقاً من أفغانستان والعراق. مجلس الأمن لم يعد مغارة لصوص ومنافقين وانتهازيين يعملون في خدمة المشروع الإمبراطوري الأميركي.

صحيح أن ثلاث عشرة دولة من أصل خمس عشرة صوتت لمصلحة مشروع القرار. ولكن موقف روسيا والصين جاء متناسباً مع طموحات بلدان وازنة كالهند والبرازيل والأرجنتين وجنوب إفريقيا وحتى اليابان وألمانيا، حيث إن جميع هذه البلدان تطالب منذ مدة طويلة بإصلاح الأمم المتحدة بشكل يأخذ في الاعتبار موازين القوى المستجدة على المسرح الدولي.

وعلى هذا، يكون الموقف الروسي والصيني قد شكل خطوة كبيرة نحو عالم متعدد الأقطاب وأكثر ديموقراطية يقوم على أنقاض القطبية الأحادية التي تخضع العالم للإملاءات الأميركية.

وغني عن القول إن هذا التطور الكبير لم يكن ليحدث لو أن الشرق الأوسط لم يكن مسرحاً لسلسلة أحداث فعلت وتفعل فعلها في تغيير مسار التاريخ على المستوى العالمي: انتصار الثورة الإسلامية في إير ان وتداعيات ذلك على المستويين الإقليمي والدولي، هزيمة الجيش الإسرائيلي في لبنان، وإخفاق الأميركيين وحلفائهم في أفغانستان والعراق، والثورات العربية التي زعزعت عدداً من البلدان العربية الكاملة الخضوع للوصاية الأميركية.

هل يمكن، في سياق دينامية التراجع التي تضرب مشاريع أميركا وحلفائها في المنطقة، إطلاق دينامية معاكسة عن طريق التهويلات العقيمة ضد إيران، أو عن طريق المحاولات الهادفة إلى تخريب سوريا ولبنان؟

لا بد لمن يراوده مثل هذا الأمل أن يكون مغامراً ويائساً بما فيه الكفاية، خصوصاً عندما تكون وسائل متعارفة كالتدخل العسكري المباشر، عديمة الجدوى وبالغة التكلفة في مواجهة بلدان لا تتردد، بعكس ما كان عليه الأمر مع صدام أو القذافي، في الرد القوي والموجع.

البديل عن التدخل العسكري المباشر معروف سلفاً. وهو مستوحى من مثل عربي قديم "أركب عبدك على الفرس، فإن هلك هلك، وإن ملك فلك".

ولكن هنالك بعض السوريين والعرب الذين لا يملكون ما يكفي من الذاكرة أو المعرفة بمثل هذه الأشياء التي، بظنّهم، عفا عليها الزمن. لذا، فإنهم يحلمون الآن بتدخل عسكري من دون المرور بمجلس الأمن، كما في كوريا وكوسوفو.

وهم لا يعلمون أيضاً أن الاغتسال مرتين في نهر جار غير ممكن. فالذين تدخلوا في كوريا وكوسوفو يقولون بالفم الملآن إنهم لا ينوون التدخل عسكرياً في سوريا. يريدون تشكيل جماعة تحت اسم "أصدقاء الشعب السوري".

بكلام آخر، يريدون مساعدة الجماعات الإرهابية الناشطة في سوريا بوسائل الحرب الناعمة: بروباغندا بلا حدود، حتى آخر فلس في صناديق السعودية وقطر، وبالتأكيد حتى آخر إرهابي وسوري مغرر به ومدفوع إلى الفتنة.

وبعدها يأتون إلى سوريا، كما فعلوا مراراً في الماضي القريب والبعيد، لطلب الصفح والسعي لفتح صفحة جديدة مع النظام السوري.
2012-02-06