ارشيف من :آراء وتحليلات

روسيا تمسك بزمام الأزمة وزوابع أميركية لإزالة آثار صفعة الفيتو

روسيا تمسك بزمام الأزمة وزوابع أميركية لإزالة آثار صفعة الفيتو
محمد الحسيني
لم تستطع واشنطن استيعاب آثار الصفعة القوية التي تلقتها من موسكو وبكين، وهي التي كانت مع تابعَيْها الفرنسي والبريطاني تراهن على تراجع دراماتيكي عن الفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني على وقع المجازر الدعائية في حمص وريف دمشق والزبداني وغيرها. وبدوره كان وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم يراهن على نجاح الضغوط الدولية الهائلة في ثني موسكو وبكين عن قرارهما بدعم دمشق، حتى ما قبل طلب الرئيس الدوري لمجلس الأمن التوغولي رفع الأيدي تصويتاً على القرار الدولي بشن الحرب على سوريا.

وبعد أن جرى ما جرى من اصطفاف دولي حاد كرّس هزالة المنظومة الدولية وما يسمى الأمم المتحدة، وانقسام ما يسمّى المجتمع الدولي في معسكرين متناقضي الاتجاه والمصالح، أفرزت المواجهة الدبلوماسية معادلة جديدة تشبه في تجلّياتها الأجواء التي سادت قبيل الحرب العالمية الثانية وانفراط عقد "عصبة الأمم" منتصف القرن العشرين، وتمترس معظم العالم اليوم متمثلاً بشكل أساس في روسيا والصين والهند وإيران وسوريا في معسكر يقابل معسكر معظم العالم الآخر المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ودول ما يسمى "الاعتدال" العربي.

ولكن هل يشي هذا الواقع بإرهاصات حرب عالمية جديدة؟ قد ينذر تصاعد المواقف التي يبدو أن لا سقف محدّداً لها بأن المنطقة ستشهد مواجهة حامية الوطيس لن يقتصر أوارها على ارتفاع حرارة التصريحات النارية التي بدأت أميركية وأوروبية في قاعة مجلس الأمن رداً على الفيتو الروسي ـ الصيني، وتبعتها إجراءات عمياء لدول الاعتدال العربية بسحب سفرائها من دمشق وطرد سفراء سوريا من عواصمها والمسارعة إلى إعلان حصار شامل على دمشق وكأن المعركة قد حُسمت من بدايتها، دون الأخذ بعين الاعتبار العواقب المترتبة على ذلك.

روسيا تمسك بزمام الأزمة وزوابع أميركية لإزالة آثار صفعة الفيتو

في المقابل، ضربت موسكو ومعها بكين كل الصخب الغربي عرض الحائط واندفعت لتأخذ الأزمة على عاتقها على خطين متوازيين، الأول: بعثت برسالة شديدة اللهجة إلى واشنطن ومن يدور في فلكها من العرب والترك وعجائز الدول الأوروبية بأن اللعبة لم تعد محلية أو إقليمية، وأن المواجهة أصبحت تعنيها بشكل مباشر، ولن تسمح بالمزيد من التمييع والمزايدات في بازار الابتزاز الدولي، وأبرز ترجمات هذا الموقف زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق وبرفقته طاقم من الخبراء الروس يتقدّمه رئيس الاستخبارات الروسية ميخائيل باردكوف، واتصال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف برئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، وإعلان الخارجية الروسية رفضها خطوة واشنطن غير القانونية لإنشاء ما يسمى "تجمع أصدقاء سوريا".

أما الخط الثاني فهو العمل بشكل فاعل على تكريس الحوار والحل السياسي كخيار وحيد لحل الأزمة في سوريا، ورفض أي طرح عربي أو غربي يتضمن تنحية الرئيس بشار الأسد عن الحكم، وهو ما يؤكد القناعة الروسية والصينية بأن الحرب على سوريا لا تهدف إلى إصلاح النظام ووقف القتل المزعوم، وإعلان موسكو أن أبوابها مفتوحة لاستضافة أي مؤتمر يجمع بين ممثلين عن الحكومة السورية ومعارضيها. وبهذا المعنى فإن روسيا أسقطت كل احتمال للتدخل العسكري الخراجي الذي يبدو حتى الآن بعيداً عن التحقّق، لا سيما مع المعلومات التي كشفت عن قيام قوات قطرية وبريطانية بتوجيه العمليات العسكرية في حمص، وتقاتل إلى جانب المجموعات المسلحة المنتشرة في المدينة، تُقدم خبرتها التكتيكية للمسلحين والمساعدة اللوجستية، وتقيم معها قنوات اتصال استخباراتية وتزودهم بالأسلحة، هذا فضلاً عن احتمال إرسال قوات تركية إلى المدينة، كمقدّمة لتوسيع النشاط التركي إلى مدن سورية أخرى يوجد فيها مسلحون.
الحديث عن تدخّل تركي أو إقامة ممرات إنسانية أو إنشاء تنظيم ما يسمى "اصدقاء سوريا" وما يحكى عن تمويل عربي ـ قطري لأي خطة عسكرية، ما هو إلا زوبعة إعلامية تهدف إلى ردّ الصفعة التي وجهتها موسكو وبكين إلى واشنطن


يجري كل ذلك بموازاة تصعيد أميركي – إسرائيلي يستهدف إيران وتحذيرات لحزب الله من مغبة اختبار عسكري لقدرات الجيش الإسرائيلي في محاولة لرفع حرارة الأجواء العامة وزيادة في الضغط وتسعير للحرب النفسية، وفي هذا الإطار لفت مراقبون إلى أن الحرائق الإعلامية التي عمدت واشنطن إلى إشعالها تؤكد عدم وجود أي نيّة لتدخّل عسكري خارجي، والاستعاضة عن ذلك بدعم العصابات المسلّحة بالسلاح والعتاد والعديد بشكل فرق ومجموعات، دون الانجرار إلى التورّط المباشر، في وقت لا يبدو أن لدى الولايات المتحدة وأوروبا أي إجراء ميداني يؤشر إلى حصول تدخّل عسكري، فضلاً عن أن لهذا الخيار ما له من تداعيات خطيرة، إذ إن شرارة الحرب لن تبقى محصورة في سوريا بل ستمتد إلى المنطقة والعالم برمّته.
ويؤكد المراقبون أن المؤشرات التي توحي بتطوّر ما يلوح في الأفق من قبيل الحديث عن تدخّل تركي أو إقامة ممرات إنسانية أو إنشاء تنظيم ما يسمى "اصدقاء سوريا" وما يحكى عن تمويل عربي ـ قطري لأي خطة عسكرية، ما هي إلا زوبعة إعلامية تهدف فيما تهدف إلى ردّ الصفعة التي وجهتها موسكو وبكين إلى واشنطن، لا سيما أن هناك شبه إجماع لدى المحللين والخبراء العسكريين والاستراتيجيين الإسرائيليين والغربيين على أن أي مغامرة ضد سوريا، وتالياً إيران، لن تكون سوى مقامرة خاسرة تحترق فيها كل الأوراق الأميركية والأوروبية، في وقت لن تكون الأمم المتحدة سوى شاهد زور وأداة مشلولة لا قدرة لها على الحركة سوى المصادقة على الإيعازات الأميركية والإسرائيلية، ولا يختلف هذا الواقع فيما يتعلق بالجامعة العربية المتهالكة. ويشير هؤلاء باستخفاف واضح إلى الأثر العربي على مجريات الأمور وقدرتهم على المشاركة الفعلية في حال نشوب حرب شاملة، بالقول: لعلّ الخاسر الأكبر سيكون الدول العربية التي لن تجني سوى الخراب في وقت تموج فيه المنطقة في حالة عدم استقرار، في حين ستكون إيران الرابح الأكبر وتالياً حزب الله.
----------------------------
* سألت جدتي ـ وهي منذ ريعان شبابها مولعة بمتابعة السياسة وأخبارها ـ عن رؤيتها لما يجري من تطوّرات سياسية في المنطقة، فقالت: الخير كثير هذه السنة. فبادرتها باستغراب كبير: أنا أسألك عن السياسة وليس عن المطر والخير، فالتفتت بابتسامة واثقة وقالت: يا بنيّ.. سنيني الثقيلة تقول إن العام الذي يكثر فيه المطر تأتي الحروب معه..!!



2012-02-13