ارشيف من :آراء وتحليلات

منظمات المجتمع المدني: بدائل عن الدول وأدوات لخدمة المشروع الصهيو ـ أميركي

منظمات المجتمع المدني: بدائل عن الدول وأدوات لخدمة المشروع الصهيو ـ أميركي
عقيل الشيخ حسين
عندما تكون هنالك دول كأميركا و"إسرائيل" تعلن صراحة عن طموحها إلى إقامة امبراطورية عالمية، أي إلى توحيد العالم، تحت رايتها، فإنه من الطبيعي لهذه الدول أن تسعى إلى تحقيق هذا المشروع. ومن الطبيعي لمثل هذا المشروع ألا يتحقق إلا عبر إزالة الدول الأخرى، معادية كانت أو غير معادية، وفق سلالم أوليات تتحدد على أساس ظروف ومعطيات مختلفة.

ومن الطبيعي أيضاً أن توضع في خدمة هذه الغاية وسائل تتعدد وتختلف باختلاف المعطيات والظروف بهدف إضعاف وتفكيك الدول المستهدفة.

وقد تراكمت معطيات عديدة تدلل، فيما يخص المشروع الإمبراطوري الأميركي، وهو مشروع يتكامل بطبيعة الحال مع المشروع الإسرائيلي، على أن وكالة الاستخبارات الأميركية وواجهاتها المختلفة تمد أذرعها إلى جميع بلدان العالم عبر ما لا يحصى من منظمات وجمعيات تنشط في مجال المجتمع المدني تحت واجهات حقوق الإنسان والثقافة والتنمية والإغاثة وما إلى ذلك.

وتجند هذه المنظمات حشوداً من الناشطين ذوي المؤهلات يشكلون ما يشبه حزباً عالمياً مكوناً من موظفين ينفذون مهمات في خدمة المشروع المذكور.

وقد لمسنا الدور الإعلامي الكبير الذي يلعبه ما يسمى بـ"الناشطون الحقوقيون" في تسعير الأزمة السورية. وتأتي المشادة التي اندلعت مؤخراً بين الحكومتين المصرية والأميركية لتشهد على اضطلاع عدد كبير من منظمات المجتمع المدني في مصر بأدوار لا تقف عند حدود الإعلام بل تتجاوزها إلى المجال الأمني.


فقد دهمت السلطات المصرية مقارّ 17 من هذه المنظمات واعتقلت 44 شخصاً بينهم 19 أميركياً وأجانب آخرون، بعد أن ضبطت وثائق تتضمن عشرات الأدلة التي تثبت أن تلك المنظمات تمارس أنشطة لا علاقة لها بالدفاع عن الإنسان وحقوقه لا من قريب ولا من بعيد.

ومن بين الأدلة حوالات مالية بملايين الدولارات أرسلت من الولايات المتحدة وبعض الدول العربية المعروفة بقدراتها التمويلية، وتم إدخالها إلى مصر بطرق غير شرعية.

وكشفت التحقيقات أن هذه التنظيمات تفتح فروعاً من دون ترخيص من الحكومة المصرية، وأن بعض أعضائها ينفذون مهمات من نوع تصوير الكنائس ومواقع القوات المسلحة في الإسماعيلية والسويس.

وأكد قاضي التحقيق سامح أبو زيد أن التمويل الأجنبي لهذه التنظيمات قد اتخذ بعداً جديداً بعد ثورة 25 يناير بهدف "توجيه العملية السياسية في مصر".

والواضح أن هذه القضية تلقي ضوءاً هاماً على الأنشطة التي تديرها الولايات المتحدة وحلفاؤها وأتباعها الإقليميون بهدف اختطاف الثورات التي أطاحت بزعماء موالين لأميركا. فما الذي يعنيه تصوير الكنائس إذا لم يكن على ارتباط بمخططات تهدف إلى إثارة الفتن الطائفية، وما الذي يعنيه تصوير المواقع العسكرية في نقاط حساسة كالإسماعيلية والسويس إذا لم يكن على صلة بالمخاوف الإسرائيلية من احتمالات تجذر الثورة المصرية واتجاهها نحو العودة بمصر إلى موقعها القومي والتزامها بالقضية الفلسطينية؟

منظمات المجتمع المدني: بدائل عن الدول وأدوات لخدمة المشروع الصهيو ـ أميركي

من هنا، وهذا أمر يفرضه وجود هذا الكم الكبير من الأميركيين والأجانب الذين اعتقلتهم السلطات المصرية، وما يكشف عنه ذلك من تدخل عدائي في الشأن المصري، حدث ما يشبه حالة الاستنفار الدولي لمواجهة وشجب ما سمي بالمضايقات التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني على أيدي الحكومة المصرية والمجلس العسكري.

كما وضعت واشنطن كامل ثقلها في محاولة لإجبار السلطات المصرية على السماح بسفر المتورطين الأميركيين، وبالتالي بلفلفة القضية وتعميتها بما تشكل فضيحة تضاف إلى غيرها من الفضائح التي تحيط بعمل هذه المنظمات التي تتذرع بالعمل الإنساني أو الخيري للتغطية على أعمالها التخريبية والإجرامية.

وفي هذا الإطار، طلبت السفيرة الأميركية في مصر، آن باترسون، إلى وزير العدل المصري أن يرفع حظر السفر على الأميركيين المذكورين، وهو الأمر الذي اهتم به الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تونر، الذي أكد أن حكومته ستواصل الضغط على مصر للسماح لموظفي المنظمات غير الحكومية بمغادرة البلاد.

كما اهتم به السناتور الجمهوري، ماك كين، حيث أعرب عن عزمه على إثارة الموضوع مع وفد عسكري مصري يقوم حالياً بزيارة للولايات المتحددة تتخللها لقاءات مع مسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع.

أما أكبر المهتمين فهو رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، الذي زار مصر لمدة يومين بهدف تخفيف التوتر بين واشنطن والقاهرة، وإيجاد مخرج لقضية النشطاء الأميركيين المتورطين.

أما الضغوط على الحكومة المصرية فتتركز على مسألة المساعدات المالية السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى مصر. وهذا أيضاً يكشف عن طبيعة المساعدات بوصفها رُشىً تدفع لقاء شروط صارمة تكفل تبعية البلد للسياسات الأميركية.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه المراقبون عن توتر العلاقات الأميركية ـ المصرية بسبب هذا الملف، يطرح السؤال التالي: لماذا تسعى الولايات المتحدة إلى زعزعة المجلس العسكري بالتوازي مع ما يتعرض له هذا المجلس من ضغط شعبي متصاعد؟

أما الجواب فهو مرتبط بلا شك بسلالم الأولويات التي قد تقتضي تحجيم دور المجلس بعد دعمه، ثم تحجيم دور الجهة التي ستخلفه، وذلك في متوالية تفضي في النهاية إلى إضعاف وتفتيت مصر ودولتها على أساس أن إضعاف الدول، بما هي دول، وبغضّ النظر عن سياساتها المعادية أو غير المعادية، هو الممر الإجباري لإقامة الإمبراطورية العالمية الموحدة في ظل الهيمنة الأميركية الوثيقة الارتباط بالمشروع الإمبراطوري الإسرائيلي.
2012-02-14