ارشيف من :آراء وتحليلات

عودة "العراقية" ... وماذا بعد؟

عودة "العراقية" ... وماذا بعد؟
بغداد ـ عادل الجبوري

عكس قرار القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي عودتها الى البرلمان والحكومة مجموعة من الحقائق والمعطيات، بعضها يخص القائمة ذاتها، وبعضها الآخر يتعلق بعموم الوضع السياسي العام في العراق. ومن هذه الحقائق والمعطيات:

ـ عدم قراءة الواقع السياسي بدقة وموضوعية وبعيداً عن الانفعال والتشنج عند اتخاذ قرار المقاطعة على خلفية صدور مذكرة إلقاء قبض قضائية بحق القيادي في القائمة طارق الهاشمي، وإقدام رئيس الوزراء نوري المالكي على إقالة نائبه صالح المطلك على خلفية تصريحات صحفية تهجم فيها الأخير على الأول معتبرا أنه ديكتاتور أسوأ من صدام.

ـ ضعف القائمة وتشتتها وافتقادها الى المحورية والمركزية، وبروز اتجاهات متعددة فيها، ربما ظهرت جلية وواضحة حينما لم يلتزم بعض وزرائها بقرار المقاطعة، وبالتالي حضروا بعض اجتماعات الحكومة، أو تأكيد البعض منهم بأن عدم حضورهم كان بسبب سفرهم خارج البلاد او جراء ظروف صحية خاصة.

ـ غموض جانب من الاجندات والتوجهات المطروحة والمعلنة، ناهيك عن تقاطعها وعدم انسجامها مع جزء كبير مما يدور خلف الكواليس ويتسرب بعض منه الى وسائل الاعلام بين الفينة والأخرى.

ـ ضعف الدعم والاسناد الخارجي، و"تمزق" الغطاء الذي كانت توفره بعض الأطراف العربية والإقليمية للقائمة العراقية، ارتباطا بما أطلق عليه "ثورات الربيع العربي" وسقوط أنظمة وانشغال اخرى بالتحديات الكبرى التي تواجهها.

ـ عدم تفاعل وتأييد الكثير من القوى والشخصيات السياسية العراقية لخيار المقاطعة، واعتباره من الخيارات السيئة والعقيمة التي من شأنها أن تزيد الأمور تعقيداً بدلا من أن تحلها أو تحلحلها.

ـ تمتع مواقف الحكومة ورئيسها نوري المالكي بمقدار كبير من التأييد والتعاطف الشعبي، خصوصا ما يتعلق بقضية طارق الهاشمي.

عودة "العراقية" ... وماذا بعد؟

ولا شك بأن "العراقية" راهنت ـ كما هي الحال في مناسبات سابقة ـ على دعم ومساندة ومؤازرة أطراف سياسية أخرى لها من أجل أسقاط الحكومة بأي طريقة كانت، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد بما يتيح لها لعب أدوار أكبر في العملية السياسية، ولعل رئيس القائمة العراقية قد أفصح عن توجهات وأجندات قائمته حينما طرح قبل عدة أسابيع ثلاثة خيارات لحل الأزمة، تمثلت بحل الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط تمهد لانتخابات برلمانية مبكرة، أو تغيير رئيسها بشخص آخر يرشحه التحالف الوطني ويحظى بقبول القائمة العراقية، أو تشكيل حكومة توافق وطني على ضوء اتفاقية أربيل.

ومثلما زعمت العراقية ان انسحابها من الحكومة والبرلمان كان الهدف منه تصحيح المسارات الخاطئة وإصلاح الواقع السلبي، فإنها حين قررت العودة والتراجع قالت إن عودتها جاءت من أجل المصالح الوطنية، ولا سيما أن ضغوطاً كبيرة مورست عليها لأن استمرار غيابها عن البرلمان ربما يتسبب بمزيد من التأخير للموازنة المالية للعام الحالي.

واذا كانت العودة قد مثلت خطوة إيجابية، إلا أنها من زاوية أخرى قُرئت على أنها تعبير عن ضعف وارتباك وتشتت وتقاطع بين مكونات "القائمة العراقية" تم استثماره بنجاح من قبل ائتلاف دولة القانون ورئيسه نوري المالكي.

والسؤال هنا .. هل انتهت الأزمة بنهاية مقاطعة قائمة علاوي للسلطتين التنفيذية والتشريعية أم أنها تجاوزت منعطفا ودخلت في منعطف آخر؟.

من غير المنطقي افتراض أو توقع ان الأزمة يمكن أن تنتهي بتراجع العراقية لسبب بسيط يكمن في أنها ـ اي الازمة ـ ليست وليدة مواقف وأفعال وردود أفعال جديدة وغير مسبوقة، وإنما هي في الواقع نتاج عوامل عديدة أوجدتها ظروف داخلية وخارجية شائكة ومعقدة.

والمؤشرات ـ فضلا عن الحقائق والمعطيات ـ لا تذهب بأي حال من الأحوال الى اي نوع ـ او مستوى ـ من الانفراج بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون، وربما يتبدى للمراقب أن ما هو حاصل العكس تماما، وأقرب وأوضح دليل على ذلك هو التباين الحاد في وجهات النظر والتوجهات بين الطرفين حيال المؤتمر الوطني المزمع عقده منذ فترة، من حيث جدول أعماله والموضوعات التي ستبحث فيه والشخصيات التي ستحضره.

وكانت العراقية قد اتهمت رئيس الوزراء ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بتسميم الأجواء السياسية بهدف إفشال المؤتمر، في ذات الوقت الذي اتهم فيه المالكي في احتفال في قضاء الهندية ـ يعد مسقط رأسه ـ بمناسبة ذكرى تأسيس حزب الدعوة الاسلامية "بعض الشركاء في العملية السياسية بعرقلة عقد المؤتمر الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية جلال الطالباني، وتنفيذ قرارات خارجية".

وبينما تصر "العراقية" على ادراج قضيتي الهاشمي والمطلك على جدول أعمال المؤتمر الوطني لأنهما جزء من الأزمة العامة في البلاد، تعارض "دولة القانون" بشدة ومعها أطراف أخرى وإن بمستوى أقل، ذلك الطلب، باعتبار ان هاتين القضيتين لا تعدان من القضايا الوطنية العامة التي تتطلب بحثا ونقاشا على أوسع نطاق بين الفرقاء السياسيين، ليس هذا فحسب، بل إن العراقية تريد إدراج موضوع المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا الذي أقر ضمن اتفاقية أربيل المبرمة بين علاوي والمالكي وبرعاية رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني اواخر عام 2010.

وفي مقال سابق قبل اربعة اسابيع تحت عنوان (المؤتمر الوطني .. فرص الفشل!) كتبنا "قد لايعني فشل المؤتمر كارثة سياسية حقيقية، باعتبار ان الواقع السياسي العراقي مرتبك من الأساس وملفاته متداخلة وصراعاته مزمنة، الا انه ـ اي الفشل ـ من الممكن والمتوقع ان يفتح بعض الأبواب لخيارات غير مرغوب فيها، ادواتها خارجية وليست داخلية، فضلا عن التفاعلات والاحتقانات الداخلية التي تعني مزيداً من الفوضى الأمنية وغياب وانعدام الخدمات، وابتعاد الفرقاء عن بعضهم البعض مسافات أكبر بدلا من التقارب والاقتراب".

ولأن مؤشرات فشل ـ او عدم انعقاد المؤتمرـ ما زالت قائمة، إن لم تكن قد برزت وتبلورت اكثر، فهذا يعني أن الأزمة لم تخرج من نطاق الحلقة المفرغة التي تدور فيها، والاستغراق في متاهات القضايا التفصيلية والسجالات والمماحكات عبر وسائل الإعلام، تعبير صريح عن عمق الأزمة وانعدام الفرص لحلها، او حتى حلحلتها.

والازمة الكلية العامة، هي في الواقع نتاج أزمات داخلية متعددة تتشابه في بعض الجوانب وتختلف في جوانب أخرى، تواجهها الكتل السياسية المختلفة، ويحاول البعض منها أن يعمق ويعقّد أزمة الآخر حتى يحقق مكاسب ربما يعجز عن تحقيقها وفقا للسياقات والقواعد التقليدية للعبة السياسية.

وإذا بدت القائمة العراقية تعيش أزمة كبيرة أكثر من غيرها، فهذا لأنها تعد أحد قطبي الصراع الرئيسيين في هذه المرحلة ليس إلا، ولأنها تفتقد بعضا من أدوات السلطة المهمة التي تتيح لها التغطية على أزمتها والتحرك والمناورة في ميدان واسع، أو هو أوسع من ميدانها الحالي، لذا فإن مناوراتها لا تجدي نفعا، فلا الانسحاب من الحكومة والبرلمان حقق لها شيئاً، ولا العودة يمكن ان تصلح الواقع وتضيف لرصيدها وتأثيرها وحضورها.

الحقيقة التي يمكن أن نشير اليها هنا هي ان "ازمة الثقة" راحت تتمدد وتتسع وتلقي بظلالها على الجميع، وهذه الازمة راحت تلد أزمات وأزمات، وتغيّب الحلول والمعالجات، والجميع يعرفون ويدركون ذلك.
2012-02-15