ارشيف من :آراء وتحليلات

فلسطين على درب الجلجلة... الشيخ خضر عدنان نموذجاً

 فلسطين على درب الجلجلة... الشيخ خضر عدنان نموذجاً
هنالك فكرة شائعة مفادها أن جلجلة السيد المسيح (عليه السلام) التي حدثت في فلسطين قبل ألفي عام، تعيد نفسها فصولاً لتأخذ شكل جلجلة تعيشها فلسطين اليوم. يكفي التذكير بالقرى الفلسطينية التي، شأن دير ياسين، أبيد سكانها العرب على أيدي العصابات الصهيونية بهدف إرهاب سكان المدن والقرى المجاورة ودفعهم إلى مغادرة فلسطين، أو أن نلقي نظرة على حالة البؤس التي يعيشها الفلسطينيون في المخيمات أو في غزة التي تعاني من الحرمان في كل شيء، من الكهرباء والغاز والماء والغذاء والدواء، والتي لا تحصل في ظل الحصار المزدوج من قبل الكيان الصهيوني ومصر ما بعد الثورة إلا على الهزيل من مقومات العيش عبر أنفاق تتعرض يومياً للقصف الإسرائيلي أو للتدمير من قبل السلطات المصرية.

تكفي الإشارة إلى مئات المرضى المهددين بالموت في مستشفيات غزة بسبب فقدان الأدوية، وخصوصاً بسبب انقطاع التيار الكهربائي منذ أكثر من أسبوع، حيث تغرق غزة في الظلام والبرد القارس لوقف تزويدها بالوقود المصري.

وكل ذلك دون حساب الحروب والقصف الإسرائيلي اليومي وما نجم عنه من سقوط آلاف الشهداء والجرحى منذ العام 2008 .

الجلجلة الفلسطينية نفسها ماثلة في الضفة الغربية. مدن كنابلس وجنين والخليل سبق لها، قبل أوسلو وبعدها، أن مرت بتجارب شبيهة بتجربة غزة. وبقية سكان الضفة الغربية يختنقون يومياً تحت ثقل جدار الفصل العنصري، ومنازل الفلسطينيين وبياراتهم تجرفها الجرارات الإسرائيلية، والاستيطان يبتلع ما تبقى من أراض فلسطينية.

وإجراءات إسرائيلية من كل نوع تفرغ القدس من سكانها العرب. والحفريات والهجمات المباشرة أوشكت على تدمير المسجد الأقصى بكل قيمته الرمزية بالنسبة لمسلمي العالم.

وهنالك عشرة آلاف فلسطيني من الجنسين ومن جميع الأعمار تعج بهم السجون الإسرائيلية، وبعضهم مضت على اعتقاله عشرات السنين.

 فلسطين على درب الجلجلة... الشيخ خضر عدنان نموذجاً

بضعة ملايين من الفلسطينيين ينتظرون بلا كبير أمل في بلدان الشتات حقهم بالعودة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وأكثر من مليون فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية (عرب الـ 48) يخيم فوقهم شبح الترانسفير.

ما الذي يعنيه كل ذلك غير جلجلة يعيشها شعب كامل ؟

جلجلة الشعب الفلسطيني يمكن أن تقرأ بشكل صارخ في حالة سجين فلسطيني هو الشيخ خضر عدنان. ولد الشيخ في إحدى قرى جنين عام 1978 واعتقل وسجن لمرات عديدة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي أشهرها يعود إلى مشاركته، عام 2000، في تظاهرة احتجاج ضد رئيس الوزراء الفرنسي السابق، ليونيل جوسبان، عندما نعت، خلال زيارته للأراضي المحتلة، حزب الله اللبناني بأنه جماعة إرهابية.

آخر مرة اعتقل فيها الشيخ عدنان تعود إلى 17 كانون الأول / ديسمبر الماضي. ومن يومها يخضع لما يسمى بـ "الاعتقال الإداري"، وهو إجراء يسمح بسجنه دون محاكمة إلى أمد غير منظور.

أما "جريمته" فهي إصراره على فضح الاحتلال والارتكابات الهمجية الصهيونية.

وشأن جميع المرات التي اعتقل فيها الشيخ عدنان، أعلن منذ إيداعه السجن إضراباً مفتوحاً عن الطعام. وهو يواصل هذا الإضراب منذ 64 يوماً، وحالته الصحية خطيرة جداً.

كما أنه مقيد اليدين والرجلين بالسلاسل، لكنه غير مهدد، على ما قال له قاضي التحقيقي الإسرائيلي، إلا بمعاملة شبيهة بتلك التي تعرض لها السيد المسيح... دون زيادة او نقصان.

إذن، نحن أمام جلجلة حقيقية يعيشها الشيخ خضر عدنان بوصفه ممثلاً حقيقياً للشعب الفلسطيني.

 فلسطين على درب الجلجلة... الشيخ خضر عدنان نموذجاً

صياح الديوك يصم الآذان في فلسطين وفي الجوار العربي والإسلامي، وكذلك بعيداً حيث لا تتوقف ترانيم حقوق الإنسان والتدخل الإنساني والمساعدة التي ينبغي تقديمها لمن باتوا بلا حيلة.

وحده رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ناشد روسيا والصين وبريطانيا والاتحاد الأوروبي طالباً التدخل الفوري لإنقاذ حياة الشيخ خضر عدنان.

أما الآخرون، وفي طليعتهم قطر والمملكة العربية السعودية والجامعة العربية، فإنهم لم يحركوا ساكناً رغم كل التألق والحظوة التي نالوها مؤخراً في أعلى المنتديات الدولية بسبب مواقفهم الطليعية في الحرب ضد سوريا.

وبما أن الجلجلة لا تمر بلا كتبة وفريسيين، فإن الشيخ عدنان مصر على الإحراج. رداً على ما يوجه إليه من نداءات أسرته التي تطلب إليه التوقف عن الإضراب حفظاً لصحته، أجاب بأنه مستعد لفعل ذلك ولكن بناء على فتوى شرعية صادرة عن كبار علماء الإسلام وفي مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي.

ذلك محرج حقاً فالفتاوى لم تعد تصدر إلا لتحريم الخروج على السلطان حتى ولو كان ظالماً، ولمنع تظاهرات الاحتجاج في السعودية، ولتحريض الناس في اليمن على انتخاب المرشح الواحد...

في العالم العربي أناس يفجرون ثورات عن طريق حرق أنفسهم. الإضراب عن الطعام قد يكون وسيلة أكثر "شرعية" وأكثر جدوى. وقد أعلن مئات الفلسطينيين إضراباً عن الطعام تضامناً مع الشيخ خضر عدنان. بعض المراقبين يتوقع أن يكون ذلك بداية الانتفاضة الثالثة.

خطوات مشابهة مطلوبة في العالم العربي الذي ما يزال قليل التحسس للجلجلة الفلسطينية، خصوصاً وأن الجماهير الأكثر اتساعاً من "المواطنين" لم يعد لديها ما تفقده غير الجوع والعطش في زمن لم تعد الثروات النفطية وغير النفطية في العالم العربي تستخدم خارج إسداء المساعدة لأعداء العرب بمن فيهم الإسرائيليون، وخارج حبك المؤامرات من أجل إشاعة الفوضى في العالم العربي.

عقيل الشيخ حسين
2012-02-20