ارشيف من :آراء وتحليلات

عقدة الهاشمي .. الهروب آخر الحلول!

عقدة الهاشمي .. الهروب آخر الحلول!
بغداد ـ عادل الجبوري

ما زالت قضية نائب رئيس الجمهورية العراقي المطلوب قضائياً طارق الهاشمي تلقي بظلالها على المشهد السياسي العراقي. فهي واحدة من أبرز أسباب تأخر انعقاد المؤتمر الوطني، أو ما اطلق عليه لاحقاً اللقاء الوطني، وواحدة من عوامل اتساع نطاق الهوة بين "القائمة العراقية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، وائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، وواحدة من عوامل التصعيد والتأزم بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة اقليم كردستان في أربيل، وواحدة من عناصر ارتفاع مؤشرات التسييس للقضاء، وكذلك واحدة من مفاتيح تدخل بعض الأطراف الخارجية في الشأن الداخلي العراقي.

ومع تشابك وتداخل القضايا، وتزايد الضغوطات والضغوطات المضادة راحت تتكشف أرقام جديدة، لا شك أنها بقدر ما تثبت حقائق، إلا أنها يمكن أن تزيد الأمور تعقيداً وتأزماً، لسبب بسيط هو أن السياقات والاجراءات القانونية والقضائية تخضع في جانب كبير منها للحسابات السياسية.

المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى عبد الستار البيرقدار أعلن ان " افراد حماية المطلوب للقضاء طارق الهاشمي متورطون بارتكاب مائة وخمسين عملية ارهابية".

ويضيف البيرقدار في تصريحات صحفية "إن من بين تلك العمليات تفجير عجلات مفخخة وعبوات ناسفة واطلاق صواريخ واستهداف الزوار واغتيال ضباط كبار وأعضاء في مجلس النواب ومدراء عامين وقضاة واطباء، ومنهم القاضي نجم طالباني والقاضي حسن عزيز عضو هيئة التمييز، والفنان الكوميدي وليد حسن جعاز، وتفجير مبنى هيئة النزاهة في منطقة الكرادة، ومحاولة اغتيال النائب السابق عن جبهة التوافق عمر الجبوري ووكيلي وزارتي التربية والكهرباء".

والواضح، انه يوماً بعد يوم تظهر حقائق جديدة تدين الهاشمي بدرجة أكبر، لتزداد الضغوط في أكثر من اتجاه، فهناك ضغط على الحكومة الاتحادية من قبل أوساط شعبية وسياسية لاتخاذ إجراءات حازمة وسريعة تحول دون تسييس أو تمييع قضية الهاشمي، وتقطع الطريق على أية محاولة لهروبه أو تهريبه خارج البلاد، وهناك ضغط على الأكراد لتسليمه الى القضاء العراقي على ضوء مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه، وهناك ضغط على "القائمة العراقية" لترك الاجراءات القانونية والقضائية تأخذ مجراها الطبيعي، وعدم الإصرار على اقحام تلك القضية مع قضايا أخرى لا تمت إليها بصلة والدفع باتجاه ابرام صفقة سياسية يكون ملف الهاشمي أحد أركانها أو بنودها.

عقدة الهاشمي .. الهروب آخر الحلول!

وكل طرف من الأطراف يواجه مقداراً كبيراً من الحرج ويجد صعوبة بالغة في تبني الموقف المطلوب منه، فالحكومة الاتحادية قد لا ترى من الصحيح في هذا الوقت بالذات تصعيد المواقف بأكثر مما هي عليه حالياً، والأكراد لا يبدو عليهم انهم مستعدون لتسليم الهاشمي على طبق من ذهب الى بغداد، فهم لديهم حساباتهم ومبرراتهم ومطاليبهم وشروطهم الخاصة، ناهيك عن الضغوط الخارجية عليهم. أما "القائمة العراقية" فهي تعتقد ان التخلي عن احد قيادييها ـ بصرف النظر عن كونه مذنباً او لا ـ يعني اقراراً بالضعف والهزيمة ورفع الراية البيضاء والاستسلام لخصمها اللدود المتمثل بائتلاف "دولة القانون".

واذا افترضنا جدلاً انه تم الاتفاق على صيغة حل أو مخرج لقضية الهاشمي بين "العراقية" و"دولة القانون"، فذلك لا يعني بأي حال من الأحوال حلاً ومخرجاً للمشاكل والأزمات والنقاط الخلافية الأخرى بينهما.

ومنذ وقت مبكر من بث اعترافات بعض أفراد حماية الهاشمي وصدور مذكرة الاعتقال بحقه راحت بعض الأوساط تتحدث همساً خلف الكواليس بأن الخيار الأفضل لنائب رئيس الجمهورية ولكل الأطراف مغادرة العراق بأية طريقة كانت، كما فعل آخرون قبله مثل وزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان وأعضاء البرلمان السابقين مشعال الجبوري ومحمد الدايني وعبد الناصر الجنابي، ووزير التجارة الأسبق فلاح عبد حسن السوداني، وأمين عام حركة أهل العراق عدنان الدليمي، وأمين عام هيئة علماء المسلمين حارث الضاري.

وما تحدث به طارق الهاشمي نفسه في اللقاء الذي أجرته معه قناة العربية الفضائية مؤخراً عزز أحاديث الكواليس، إذ قال من بين ما قاله، إنه سيغادر العراق حينما يضطر لذلك، موضحاً أنه لا يضمن نزاهة كل أفراد حمايته، نافياً علمه بأية أعمال إرهابية ربما يكون أحد أفراد حمايته أو مكتبه قد اشترك بها.

ولم يكن واضحاً المكان الذي كان يتحدث منه الهاشمي لقناة العربية، وهذا امر يثير تساؤلات ويطرح شكوكاً حول مكان وجوده حالياً، وقد كانت بعض وسائل الاعلام قد نقلت عن مصادر مقربة من دائرة صنع القرار السياسي في إقليم كردستان أنباء غير مؤكدة أشارت إلى أن الهاشمي اختفى من الفيلا التي كان يقيم فيها.

وقبل وقت قصير أصدر المكتب المؤقت للهاشمي في محافظة السليمانية بياناً قال فيه "إنه نظراً لجسامة وعظم الجرائم التي عرضها المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى، فإن الهاشمي سيلقي خلال 48 ساعة خطاباً مهماً للشعب العراقي، وسيوضح في هذا الخطاب حقيقة التهم التي عرضها الناطق الرسمي باسم مجلس القضاء عبر وسائل الإعلام ويكشف الستار عن بعض الخفايا في قضية استهدافه".

واغلب الظن أن الاسابيع القليلة المقبلة ستشهد احداثاً مثيرة في ملف الهاشمي، ربما يكون هروبه من العراق احدى مفرداتها، والتساؤلات المبكرة في هذا الشأن هي: اين سيحط الهاشمي الرحال في حال غادر العراق؟.. ومن سيسهل هروبه؟.. والى اين سيدفع ذلك الهروب بالخلاف بين العراقية ودولة القانون؟
2012-02-20