ارشيف من :آراء وتحليلات

هل حان وقت مراجعة الحسابات.. أم ماذا؟

هل حان وقت مراجعة الحسابات.. أم ماذا؟
التحالف الغربي ـ الخليجي بين قوة الحقائق والأهداف المرتجاة

هل دخلت الأزمة السورية مرحلة مراجعة الحسابات بالنسبة للتحالف الغربي ـ الخليجي، أم أنها وسط لعبة مصالح كبيرة، وسقوف عالية، تتداخل فيها المصالح الخاصة المستقاة من الاستحقاقات الانتخابية، ما يصعّب الوصول أو الاقتناع بضرورة اجراء تسوية معقولة توزع الأرباح والخسائر على نحوٍ يحفظ ماء وجه الجميع، وبناءً عليه، هل حسابات جميع أطراف هذا التحالف واحدة، أم أن هناك تمايزات في ما بينها قد تسمح مع الوقت في فتح خروقات تسهل من الوصول الى مخرج ما؟.

هذه الأسئلة وسواها لا تنطلق من فراغ، وانما لها مرتكزاتها الواقعية الصلبة، المتمثلة بالخلاصات التالية:
أولاً: تأكد التحالف الغربي ـ الخليجي من ثبات الموقفين الروسي والصين من طريقة مقاربة الأزمة السورية، ما يجعل طريق مجلس الأمن مقفلاً حتى اشعار آخر، وبالتالي لا سبيل أمام كل أشكال استدراج تدخل دولي في هذه الأزمة يرغب به هذا التحالف ويطلبه على نحو ملحّ.
ثانياً: تأكد هذا التحالف أيضاً من خطأ تقديراته التي بنى عليها حساباته، وأدار على أساسها معاركه الهادفة الى اسقاط النظام في سوريا، حيث بات هذا التحالف على بينة من أمره من قوة هذا النظام وثبات تماسك حلفائه المركزيين، وأكثر من ذلك من وزنه الشعبي الواسع، ما يجعل الهدف المركزي لهذا التحالف ليس في متناول الأيدي، واذا كان من أمل في ذلك فليس في المدى المنظور أو المتوسط، في مواجهة شاملة لا تملك فيها مكوّنات هذا التحالف الجهنمي ترف الوقت او الانتظار.

ثالثاً: لقد كانت مواقف كلّ من رئيس أركان الجيوش الاميركية، ورئيس جهاز المخابرات القومية الاميركية، ومواقف كلّ من رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي، أكثر من بليغة في وصفها لواقع المعارضة السورية المفكك والمشرذم والتي لا يكاد يجمعها جامع، اضافة الى وقوف هؤلاء على حجم المبالغة في تقدير احجام بعض أطراف هذه المعارضة التي يعمل على تقديمها بوصفها طرفاً مركزياً ومحورياً. لقد كان ساركوزي واضحاً في قوله ان واحدة من العقد المركزية التي تحول دون أخذ الدعم الغربي مداه هي عدم وجود معارضة داخلية يمكن الرهان عليها، وحتى يمكن الوثوق بها، والاطمئنان بالتالي الى مستقبل سوريا.

رابعاً: تقاطع الموقف الاميركي مع موقف الامين العام لحلف شمال الأطلسي، مع معلومات صدرت عن أطراف في المعارضة السورية (هيثم المناع تحديداً)، على رفض الخيار العسكري في سوريا حتى ولو تحت مسمى الممرات الانسانية. وكان لافتاً هنا مقاربة واشنطن للأزمة السورية من ضمن اعتبارين رئيسيين: الأول، أخذها بعين الاعتبار الدورين الروسي والايراني في الحسبان. والثاني، تفضيلها أن يكون الحل مع روسيا بما يحفظ الدور الروسي في سوريا من أن يجير لمصلحة ايران، وبالتالي، ان خروج سوريا من محنتها منتصرة، وتجيير هذا الانتصار لايران، ترى فيه واشنطن تداعيات استراتيجية واسعة عليها وعلى حلفائها في المنطقة.

خامساً: رصد مؤشرات تمايز دقيقة داخل المجموعة الغربية عموماً لا سيما بين الولايات المتحدة وفرنسا، حيث تظهر الأولى استعداداً ما للقبول بتسوية تستند في جوهرها الى النموذج اليمني، أي التضحية بالرئيس في مقابل بقاء النظام، وذلك جراء رفع واشنطن السقف عالياً في ما يخص موقفها من الرئيس الأسد ما يصعّب عليها أي عملية التفاف أو تحويل عن هذا المطلب لا سيما في سياق حفظ ماء الوجه وتمكين المعارضة من القول إنها أنجزت شيئاً ما على صعيد النظام.
طبعاً هذه التضحية ليست هي الطلب الاميركي الوحيد، وانما تريد واشنطن مشاركة معقولة للمعارضة، اضافة الى استعداد النظام لممارسة السلطة، في المقابل تظهر باريس تشدداً هو الأشد في الموقف من النظام.
وهناك تمايز داخل المجموعة الاوروبية نفسها حيث تميل غالبيتها الى القبول باصلاحات فعلية مقابل بقاء النظام، في مقابل التشدد الفرنسي.
أما الموقف التركي، فيبدو مرتبكاً وحائراً وسط معادلة معقدة من المصالح، فهو من جهة لا يستطيع ادارة ظهره لمصالحه الكبيرة والمتصلة بمحيطه الاستراتيجي المباشر مع روسيا وايران، كما أنه من الصعب عليه ان يفرط بفرصة تاريخية للعب دور اقليمي في محيطه العربي يرى المدخل اليه إحداث تغيير ما في سوريا.
على الصعيد العربي يكاد مؤخراً ان يتماهى التشدد القطري مع التشدد السعودي في الموقف من الأزمة السورية لاعتبارات كثيرة معروفة.

سادساً: ان الكلام الاميركي عن دور لـ"القاعدة" في المعارضة السورية، وعن ان تسلح المعارضة وغلبة الجانب المسلح فيها على الجانب المدني لدرجة أنه بدأ يأكل من رصيدها، ليس كلاماً لعرض الحال فحسب، وانما هو يؤسس لتقاطع مصالح قوى مع روسيا التي بدأت تخشى بالفعل من التحولات التي تشهدها آسيا الوسطى لا سيما البلدان المجاورة لها والتي تشكل امتداداً حيوياً لها كطاجيكستان واوزبكستان حيث تشهد انتشاراً واسعاً لحركات السلفية، وحتى يأخذ الموقف الاميركي كامل أبعاده لا بد من ربطه بالحذر الشديد لواشنطن من مستقبل سوريا في ما لو سقط النظام، والتي من شأنها ان تقود الى تحولات دراماتيكية تتراوح بين حدين خطيرين بالمعنى الأمني ـ الاستراتيجي على الكيان الاسرائيلي:
الأول، تدهور الأمور نحو فوضى شاملة وحرب أهلية تؤدي الى فلتان الحدود مع هذا الكيان، ما يسهل من تحولها الى جبهة مفتوحة، يضاف اليها ما واظب العدو الاسرائيلي على التحذير منه والمتمثل باحتمالات نقل ترسانة الأسلحة الاستراتيجية الى حزب الله في لبنان.
والثاني، ان تتحكم السلفية في مستقبل سوريا التي وإن أمكن ضبطها في المدى المنظور، الا أن لا شيء يضمن ضبطها على المدى الطويل، وافغانستان افضل مثال على ذلك. ولعل المسعى القطري لفتح حوار بين واشنطن وطالبان في الدوحة لا يستهدف القضية الافغانية فحسب، وانما يستهدف ايضاً توفير الضمانات اللازمة لدورها المباشر في الأزمة السورية حالياً أو لاحقاً.

سابعاً: من المهم جداً هنا اجراء تقويم دقيق للموقف الاسرائيلي من الأزمة السورية، والرجوع الى مجمل مواقف قادة الصهاينة يظهر نوعاً من الخلاف حول أي سيناريو أفضل: هناك من يرى أن سقوط النظام، ومهما كان البديل، هو الأفضل للكيان الاسرائيلي، وهناك من يرى أنه من الأفضل بقاء النظام لأن في ذلك ضمانة للاحتفاظ بالهدوء على الجبهة، وبين هذين الرأيين هناك من يرى أن ابقاء النظام في حالة نزف وارباك وانهماك في الدفاع عن نفسه، وفي نفس الوقت ابقاء المعارضة في وضعية لا تسمح لها بالانتصار، هو الوضع الأمثل لمصالح الكيان الاسرائيلي، لأنه يحقق له كل الفوائد المطلوبة من دون ان يضطر لحساب احتمالات الأخطار.

ثامناً: في خضم هذا كله يسلك النظام مسلكين متكاملين: الأول، تحول الاصلاحات السياسية الى اصلاحات فعلية تبدأ بالاستفتاء على دستور جديد في السادس والعشرين من الشهر الجاري، يعقبها تشكيل حكومة انتقالية تشرف على انتخابات متعددة فتشكيل حكومة وحدة وطنية... الخ.. والثاني، حسم المشاكل العسكرية العالقة لحرمان المعارضة المسلحة من أي موطئ قدم يمكن أن يبنى عليه، من دون ان يعني ذلك اقفال كل الجرح الأمني كل ذلك وسط تغطية روسية وصينية مباشرة.

تاسعاً: في المقابل، يصر التحالف الغربي ـ الخليجي على:
أ ـ رفض أي تسوية تنطلق من حوار بين النظام والمعارضة.
ب ـ الارتكاز على المسألة الانسانية للالتفاف على الوسائل السياسية في محاولة للبحث عن مخارج للطوق المقفل من قبل روسيا والصين على أي عملية تدويل.
ج ـ الاستمرار في سياسة زعزعة شرعية النظام السوري دولياً، وتجنيد عملية ضغط سياسي واقتصادي وديبلوماسي وكذلك الرأي العام ضد سوريا ومن خلالها ضد روسيا والصين.
د ـ سعي مستمر لتوحيد المعارضة كشرط ضروري للاعتراف بها كبديل عن النظام، ما يشدد من عزلته على الصعيد الدولي.
هـ ـ الاعلان صراحة عن دعم المعارضة بكل اصناف الدعم.
و ـ استثماء هائل للمال لشراء ما يمكن شراؤه من رموز النظام او موظفيه، الكبار، ومن يمكن تجنيده من العناصر في سياق الضغوط الأمنية والعسكرية.
باختصار، نحن إزاء خطة متكاملة سياسياً وديبلوماسياً وأمنياً واقتصادياً واعلامياً لتقويض الاستقرار في سوريا، كمدخل ضروري لزعزعة اركان النظام وبالتالي لاسقاطه، هذه الخطة التي سبق لواشنطن ومارستها في العديد من الدول لا سيما في محيطها اللاتيني.

عاشراً: كل ما تقدم، يقودنا الى خلاصة أساسية، ان الأزمة السورية تبدو عالقة وسط شبكة معقدة من الحسابات والمصالح المحلية والاقليمية والدولية، وبقدر ما تبدو العوامل الخارجية اساسية الا أن مسار التطورات داخل سوريا هو العامل الأهم في ترجيح وجهة الأمور وبالتالي تغليب السيناريو الخاص للخروج من هذه الأزمة، وحتى الآن يبدو ان النظام ما زال يتمتع بأرجحية كبيرة في تعديل التوازنات لمصلحته ولمصلحة حلفائه، من دون أن يعني ذلك أن خصومه سيرمون أسلحتهم بسهولة ويقبلون الخروج من دون أي مكاسب، الا اذا افترضنا اعتبارهم للاصلاحات مكاسب لهم على بعدها عن مخططاتهم الجهنمية، لأن هذه الاصلاحات تبقى مكسبا للشعب السوري ولقيادته الحكيمة بالدرجة الأولى.

2012-02-25