ارشيف من :آراء وتحليلات

إحراق المصاحف... من سيتولى المهمة في قابل الأيام ؟

 إحراق المصاحف... من سيتولى المهمة في قابل الأيام ؟
عقيل الشيخ حسين

ليس إحراق المصاحف من قبل الجنود الأميركيين الذين يحتلون أفغانستان مجرد فعل يرتكبه أحد الأفراد، ثم يأتي الرئيس الأميركي ويقدم اعتذاراً، فإذا بالجريمة كأنها لم تكن.

فظاهرة كره الإسلام (الإسلاموفوبيا) متفشية بما يكفي في الغرب على مستوى الخطاب الإعلامي الأكثر رصانة كما في تصريحات كبار المسؤولين السياسيين وغير السياسيين وصولاً إلى الجماعات المتطرفة والأفراد العاديين.

ومنذ ظاهرة سلمان رشدي وتسليمة نسرين، أصبحت الإساءة للإسلام وكبار رموزه مجالاً يتنافس فيه السجانون في أبو غريب وغوانتانامو، والفنانون والسينمائيون والرسامون والصحافيون والسياسيون الباحثون عن الشهرة، وغيرهم من السياسيين الانتهازيين الذين يلجأون إلى مثل هذه الوسائل لتعويم أحزابهم الفاشلة أو لتعزيز حظوظهم الانتخابية.

وكل ذلك بشكل مواز لانتهازية السياسات الرسمية الغربية التي تستغل ردود الأفعال على ظواهر الإساءة للإسلام من أجل كسب تأييد شعبي لحروب الهيمنة في أفغانستان والعراق، أو لأعمال التجييش اليومي التي تستهدف قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة العربية والإسلامية.

 إحراق المصاحف... من سيتولى المهمة في قابل الأيام ؟

غير أن كل ذلك يظل مفهوماً يوم كان يتم شحن الرأي العام الغربي بالأفكار والأطروحات التي انبنت انطلاقاً من أحداث مشبوهة كالهجمات المنسوبة إلى القاعدة على نيويورك وواشنطن، وكأعمال التفجير والاغتيالات التي شهدتها بعض العواصم الأوروبية، أو استفادت من انحرافات بعض التوجهات الإسلاموية المتطرفة كما في أعمال الذبح أمام عدسة الويبكام.

لكن غير المفهوم، وهذا ما يطرحه استمرار النهج المسيء حالياً من خلال إحراق المصاحف أو تدنيس جثث الضحايا من قبل جنود أميركيين في أفغانستان، هو ما تهدف إليه هذه الإساءات في وقت يمكن وصفه بأنه شهر عسل بامتياز بين الغرب الأميركي ـ الصهيوني والعديد من تنظيمات الإسلاميين التي وصلت إلى السلطة في ظل الثورات التي يراد لها أن تكون ربيعاً عربياً.

وذلكم إضافة إلى شهر العسل التقليدي بينه وبين الأنظمة التي لا تكتفي بتبني الإسلام، بل تتولى الوصاية الحصرية عليه، كما في حالة المملكة السعودية.

ألا يفترض، مقابل ما تفصح عنه تصريحات ومواقف العديد من الإسلاميين الذين يشددون على وحدة الحال بين الإسلام وديموقراطية الغرب، أن يخطو هذا الغرب باتجاه احترام ولو شكلي للإسلام وعقائده ورموزه ؟

ألا يفترض، في الوقت الذي يمعن فيه الغرب الأميركي ـ الصهيوني في الإساءة للإسلام، أن يرتفع ولو صوت خجول يعلن فيه أولئك الإسلاميون، وأولئك الذين يحتكرون لأنفسهم تمثيل الإسلام وخدمة مقدساته، استياءهم ولو شكلياً تجاه هذه الإساءات ؟

 إحراق المصاحف... من سيتولى المهمة في قابل الأيام ؟

لقد أطلقت تصريحات من أعلى مستويات الحكم في إيران وخرجت تظاهرات في المدن الإيرانية لإدانة الانتهاكات التي ارتكبت مؤخراً بحق المصحف الشريف. كما استنكر ذلك حزب الله والعديد من التنظيمات الإسلامية غير المحسوبة على الإسلاميين الجدد ومحتكري الوصاية على الإسلام.

أما في أفغانستان وباكستان فقد وصل التوتر إلى درجة الغليان وسقط العديد من القتلى والجرحى في التظاهرات التي أطلقت فيها نداءات الجهاد ضد الأميركيين.

أما الإسلاميون الجدد وغيرهم ممن يحتكرون لأنفسهم تمثيل الإسلام وخدمة مقدساته، فلم يبدر منهم غير الصمت المطبق... والذي تفوح منه رائحة التواطؤ.

ويظل السؤال مطروحاً : لماذا هذا الإمعان في الإساءة للإسلام رغم كل جناح الذل الذي تخفضه تلك الجهات للغرب الأميركي-الصهيوني ؟

يبدو، بعد أن شهدنا في السابق محاولات لـ "تنظيف" القرآن من الآيات التي لا تعجب المستكبرين، وبعد التركيز على الوسطية والاعتدال اللذين يضمنان حيادية الأنظمة تجاه القضايا الكبرى، أن العمل يجري الآن على إنتاج إسلام يتخلى عن ذاته لتقتصر رسالته على الدوران في فلك ما يسمى بالعصر الأميركي.

بين أبرز الأمثلة على ذلك، فيما يتجاوز التحالف المعلن في المجال السياسي، هو تلك المبادرة التي يجري الترويج لها حالياً والتي تهدف إلى تأسيس موقع الكتروني للتواصل الإجتماعي الخاص بالمسلمين يكون "منبراً للمجتمع الإسلامي الحديث" تحت شعار "لا محرمات، لا حواجز، لا سياسة".

وقد أعلن بالفعل عن تأسيس ذلك الموقع في اسطنبول من قبل "ناشطين" من بلدان إسلامية وغير إسلامية. ويهدف هذا "الفايسبوك الإسلامي" الذي سيبدأ في شهر رمضان المقبل إلى الوصول إلى خمسين مليون مستخدم خلال السنوات الثلاث الأولى.

بكلام آخر، فإن هؤلاء المسلمين سيكونون مدعوين ـ بعد أن يعرفهم الموقع إلى هويتهم الإسلامية الحقيقية تحت شعار "لا محرمات، لا حواجز، لا سياسة" ـ إلى تحليل ما حرمه الله، وتجاوز حدود الله، وعدم الاهتمام بأمور المسلمين، وربما إلى تولي إحراق المصاحف ـ لأنها مليئة بالمحرمات والحواجز والسياسة ـ بأنفسهم بدلاً من الأميركيين !
   
2012-02-27