ارشيف من :آراء وتحليلات

خميسٌ دامٍ آخرُ ... والبقية تأتي

خميسٌ دامٍ آخرُ ... والبقية تأتي
بغداد ـ عادل الجبوري

ما بين خميس بغداد الدامي الأول اواخر العام الماضي، وخميس العراق الدامي الأخير، خمسة وخمسون يوماً، لم يُشر فيها ايقاع الحراك السياسي في العراق الى وجود ملامح في الأفق لمخارج حقيقية وواقعية للاحتقانات والخلافات والتقاطعات السياسية بين الفرقاء، لا سيما بين ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"القائمة العراقية" بزعامة اياد علاوي.

وكان من الطبيعي والمتوقع أن تتكرر صور ومشاهد الدماء وهي تسيل والأرواح وهي تزهق جراء السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة، وهذا ما حصل بالضبط الخميس الماضي حينما سقط نحو اربعمئة شخص بين شهيد وجريح في العاصمة بغداد ومدن عراقية أخرى من بينها بابل وصلاح الدين ونينوى وديالى والانبار.

واذا كانت قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي قد ألقت بظلالها القاتمة على المشهد العراقي، وشكلت عاملاً إضافياً آخر لخلق مزيد من الارتباك والاضطراب الأمني المرتبط في جانب كبير منه بتداعيات وإرهاصات الوضع السياسي العام، فإن سلسلة العمليات الإرهابية الأخيرة لم تخرج عن ذلك السياق إلا في نقطة واحدة، وهي أنها جاءت قبل وقت قصير الى حد ما من موعد انعقاد القمة العربية في العاصمة العراقية بغداد المقرر في نهاية شهر اذار/مارس المقبل.

عضو البرلمان العراقي عن كتلة "المواطن" المنضوية تحت مظلة "التحالف الوطني" يقول بهذا الخصوص "ان الاحداث الأمنية التي شهدتها البلاد في الأيام الأخيرة بمثابة رسالة خطرة تهدد إنجاح القمة العربية المقرر انعقادها في بغداد في شهر آذار/مارس المقبل وعلى القادة الأمنيين قراءتها بشكل جيد، وان هناك أموراً يجب على القادة السياسيين معالجتها بسرعة وبدقة، خاصة ونحن اليوم أمام استحقاق كبير وهو القمة العربية".

وبالنسبة الى التفجيرات الدامية التي وقعت الخميس الماضي، فإنه ليست هناك أي معلومات دقيقة وموثقة حولها، ولكن أوساطاً سياسية ومصادر استخباراتية تذهب إلى ان أطرافاً خارجية تقف وراء هذه التفجيرات، وهذه الأطراف في الوقت الذي أعلنت فيه استعدادها لحضور القمة العربية في بغداد والعمل على انجاحها، إلا انها في واقع الأمر تتبنى اجندات أخرى مختلفة تماما عما هو معلن عبر وسائل الاعلام، ومن على المنابر السياسية، وهي لا تريد ان تبدو معرقلة لانعقاد القمة في بغداد، خصوصاً أن العلاقات مع الحكومة العراقية الحالية ليست على ما يرام، وان تحفظاتها على النظام السياسي الجديد في العراق ما زالت قائمة ولم يطرأ عليها اي تغيير فعلي.

خميسٌ دامٍ آخرُ ... والبقية تأتي
ربما كانت الرياض والدوحة أكثر الأطراف التي لا تتفاعل مع أي ملتقى عربي تحتضنه بغداد، وتحديداً اذا كان على اعلى المستويات، ولعل الكثيرين يتذكرون قرار الاتحادات الرياضية الخليجية نقل مكان إقامة "دورة خليجي 21" من محافظة البصرة العراقية الى المنامة البحرينية، ولم يخلُ ذلك القرار الرياضي في ظاهره من الخلفيات والدوافع السياسية.

ولا شك في ان تراجع الوضع الأمني وارتباكه يمكن ان يدفع بعض الأطراف العربية التي لها نية ورغبة بحضور القمة الى مراجعة مواقفها وتوجهاتها، بحيث تقرر عدم الحضور، أو خفض مستوى التمثيل فيها الى الحد الذي يكون حضورها عبارة عن "إسقاط فرض" ليس الا.

ومن الآن وحتى موعد انعقاد القمة أمامنا اربعة اسابيع، ومن غير المستبعد أن تشهد تلك الفترة الزمنية القصيرة أحداثاً أمنية مشابهة لأحداث الخميس الأول والثاني، وهو ما يعني انحسار فرص عقد القمة أو انعدام فرص نجاحها، علماً ان معايير النجاح في القمم العربية لا ترتبط بالنتائج المتحققة، لأنه لا يتوقع ان تتمخض عن أي قمة عربية نتائج عملية ومؤثرة، وانما ترتبط بحجم ومستوى الحضور، وعدم انسحاب الخلافات والأزمات بين المشاركين إلى وسائل الاعلام كما حصل في قمم سابقة.

وفي كل الاحوال فإن ذلك سيكون مؤشراً سلبياً تجاه الحكومة العراقية من زاوية خارجية، يضاف الى المؤشرات السلبية الداخلية التي ترتفع بمنحى حاد جداً عند وقوع عمليات إرهابية كبيرة وواسعة كما حصل في يوم الخميس.

والمؤشرات السلبية الداخلية هي في الواقع تحصيل حاصل لطبيعة الاداء الأمني المرتبك للمؤسسات والأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية التي تعاني من اختراقات الجماعات الارهابية والاجهزة المخابراتية الخارجية، وهيمنة الاجندات والاصطفافات السياسية والحزبية الضيقة فيها، وتفشي الفساد الاداري والمالي، والخلافات والاختلافات الحادة والعقيمة بين الفرقاء السياسيين، كل هذه الامور من الطبيعي ان تتسبب في اشكاليات كبرى على الأصعدة الأمنية والسياسية والخدمية.

ويشير عضو البرلمان العراقي عن حزب الفضيلة الاسلامي حسين المرعبي الى "ان الحل الأبرز للخروج من الأزمات الأمنية التي يمر بها البلد هو إجراء إصلاحات سياسية عاجلة، وإن حسم موضوع انعقاد الاجتماع الوطني المزمع بأسرع وقت وتعزيز قدرات جهاز المخابرات وتسمية الوزراء الأمنيين وتعزيز عمل القوات الأمنية بالأسلحة والمعدات المتطورة سيساهم بشكل كبير في إيقاف هذه الخروق".

في ذات الوقت يرى ساسة آخرون "ان التفجيرات التي طالت عدداً من المحافظات مؤخراً هي بمثابة رسالة تتضمن مطالب عدة أبرزها إحالة قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الى كركوك للافراج عنه، واعادة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك الى منصبه، فضلاً عن أنها دليل على عدم كفاءة بعض القادة الامنيين، ومحاولة لافشال القمة العربية المقبلة".

وتأزم الوضع الامني يعني، مثلما اشرنا، انحسار فرص ـ او عدم ـ انعقاد القمة، وعدم عقدها من شأنه ان يفقد العراق فرصة مناسبة للعب ادوار محورية في الواقع العربي، لا سيما في ظل غياب او انشغال القوى العربية الكبرى مثل مصر والسعودية وسوريا بمشاكلها والتحديات التي تواجهها.










 


2012-02-27