ارشيف من :آراء وتحليلات

سوريا بعد استفتاء الدستور والتراجعات الاميركية: أرقام ووقائع جديدة لحساب الرئيس الاسد

سوريا بعد استفتاء الدستور والتراجعات الاميركية: أرقام ووقائع جديدة لحساب الرئيس الاسد
عبد الحسين شبيب

يمكن القول إن الاسبوع الأخير من شباط /فبراير المنصرم كان مفصلياً في تشخيص مآلات الأزمة السورية وبلورة المسار الذي يمكن أن تسلكه في ضوء المعطيات العديدة التي اتسمت بقدر من الأهمية قياساً على غيرها من المعطيات السابقة.

المعطى الأول تمثل بإجراء الاستفتاء الشعبي على الدستور السوري الجديد والذي تضمن رزمة الإصلاحات التي وعد الرئيس السوري بشار الأسد باجرائها. ولا تكمن أهمية هذا الاستفتاء باجرائه ونسبة المشاركة فيه رغم الضخ الإعلامي الخارجي الذي يصور الأوضاع في سوريا على أنها مشتعلة في كل مكان، في حين أنها منحسرة ومحاصرة في بقع أمنية تشهد اشتباكات بين الجيش والقوى الأمنية من جهة، والمجموعات المسلحة من جهة ثانية. بل إن الأهمية تكمن في الأرقام الرسمية التي أعلنها وزير الداخلية اللواء محمد الشعّار والتي شكلت قطيعة مع اللغة الرقمية التي كانت سائدة سابقاً، بحيث بدت هذه اللغة الجديدة أولى مظاهر ونتائج الاصلاحات.

فنسبة المشاركة في التصويت التي بلغت 57 في المئة أسقطت من القاموس السياسي نسب الـ99 في المئة التي كانت معتمدة في العالم العربي عموماً، كما أن النتائج التي تمثلت بتأييد نحو 89 في المئة من المشاركين في الاقتراع للدستور الجديد أعطت رقما منطقياً عززته نسبة الاعتراض المتمثلة بتسعة في المئة فضلاً عن نسبة الواحد فاصل ستة للاوراق اللاغية. واذا احتسبنا نسبة السبعة ملايين وأربعمئة وتسعين الف وثلاثمئة وتسعة عشر (7490319) مؤيداً للدستور من اصل أربعة عشر مليوناً وخمسمئة وتسعة وثمانين الفاً وتسع مئة واربعة وخمسين (14،589،954) يحق لهم الاقتراع، فتكون نسبة المؤيدين واحداً وخمسين فاصل ثلاثة وثلاثين في المئة (51.33%) من مجموع من يحق لهم الاقتراع وليس فقط ممن انتخبوا. وبالنظر الى ان هناك اشخاصاً مؤيدين للنظام والاصلاحات لم يتمكنوا من الادلاء باصواتهم، فإن ما سرب عن قيام شركة بريطانية متخصصة في دراسات الرأي العام بإجراء مسح علمي شامل مؤخراً بناء على طلب الحكومة القطرية، وجهات عربية أخرى لفحص شعبية الرئيس بشار الأسد ونظامه السياسي، فإن ما اظهرته تلك الدراسة وبيّن تأييد 55 في المئة من السوريين للرئيس الأسد وقيادته، الامر الذي اضطر تلك الجهات الى التكتم على نتائج الاستطلاع بعدما خاب أمل المراهنين عليه في اظهار تراجع وضعف شعبية النظام، يتقاطع مع نتائج الاستفتاء التي اتت قريبة جداً او تكاد تكون متطابقة مع نتائج تلك الدراسة، مع أرجحية تصاعدية لشعبية الرئيس الأسد. وبالتأكيد فإن هذه النتائج المنطقية والواقعية هي ما أخرج واشنطن وباريس عن طوريهما في لغة التخاطب مع الشعوب وليس مع الدول فحسب، عندما خرجتا لتقول الأولى (البيت الابيض) ان الاستفتاء الذي جرى وقاحة، فيما قالت الثانية (آلان جوبيه) إنه مسخرة، وهو أمر يسيء الى الناخبين السوريين الذين لا يمكن لأحد أن يقول إنهم أجبروا على النزول الى صناديق الاقتراع فيما غيرهم ينزل الى التظاهر ضد النظام من تلقاء نفسه، وهذه النتائج والوقائع هي ما دفع بالقيادة الروسية ممثلة بوزارة الخارجية في موسكو الى الترحيب بنتائج هذا الاستفتاء وإبلاغ المعارضة السورية رسالة واضحة بأن هذه النتائج تحجب عنها حق "التحدث باسم الشعب السوري"، أي أنها تمثل وجهة نظر جزء من هذا الشعب لا يشكل أغلبية بالمطلق، فكيف اذا كانت هذه المعارضة منقسمة على نفسها؟

سوريا بعد استفتاء الدستور والتراجعات الاميركية: أرقام ووقائع جديدة لحساب الرئيس الاسد

ولعل ما خلص إليه مؤتمر اصدقاء المعارضة السورية في تونس من انقسامات في صفوف تلك المعارضة يكرس هذا المعنى ويثبت حقيقة لا تزال قائمة، وهي تفرق المعارضة السورية الى معارضات، ليس بين الداخل والخارج فحسب انما بين جماعة الخارج أنفسهم، وبين جماعة الداخل انفسهم، وهذه طبعاً إحدى أبرز نقاط ضعف المعترضين الموزعين بين جهات واشخاص ملتزمين أجندات خارجية، وبين جهات واشخاص لهم حسابات أخرى.

وفي مقابل هذا التضعضع الذي بات حقيقة معلنة ومصرحاً بها تبدو عناصر قوة النظام متماسكة، إن في حفاظه على أغلبية شعبية بين الرأي العام السوري، او في حفاظ المدن الاساسية لا سيما دمشق وحلب على موقفها المؤيد للنظام، او في فشل الرهان على اي انقسامات ذات معنى داخل الجيش السوري.

وهذا يقود الى المعطى الميداني الذي تبلور على ما يبدو بشكل نهائي على صيغة مواجهات عسكرية بين الجيش وبين المجموعات المسلحة التي بينت وقائع عدة انها لم تعد سورية خالصة بل باتت متعددة الجنسيات بعيد دخول تنظيم القاعدة رسمياً على خط هذه الموجهات من خلال بيان القيادي الأرفع فيه ايمن الظواهري، ومن خلال تأكيد المصادر الاميركية لهذا الأمر، بما أعطى هوية جديدة للمعركة الحربية نزعت عن الحراك السوري طابع الحراك الشعبي، وهو بطريقة اخرى اعطى للاميركيين ذريعة لتقديم مقاربة تراجعية تضمنت ثلاث لاءات رفعتها واشنطن تباعاً بوجه المنادين بتكرار السيناريو الليبي:

الاولى رفض المشاركة الاميركية في اي تدخل عسكري ضد النظام السوري، لأسباب اشبع صناع القرار في واشنطن ومراكز الابحاث في درسها وتقديم المبررات لها، وأبسطها وأكثرها انسياباً لدى الرأي العام الاميركي عدم الرغبة في سيلان الدم الاميركي في سوريا بعد تجربتي العراق وافغانستان المريرتين، وهما قياساً بما تختزنه سوريا من مفاجآت لأي تدخل عسكري غربي لا مجال للقياس بهما.

سوريا بعد استفتاء الدستور والتراجعات الاميركية: أرقام ووقائع جديدة لحساب الرئيس الاسد

اما اللاء الثانية التي رفعتها الخارجية الاميركية بوجه المنادين بتسليح المعارضة السورية فقد بررت بجملة واضحة وصريحة عبرت عن خشية وصول هذا السلاح الى تنظيمي القاعدة وحماس، وهذا أيضاً فيه من السيناريوهات ما يكفي لكي ترى واشنطن مخاطر تغذية حرب اهلية ترغب بها لكن لا يمكن ان تتحكم بنتائجها، تماماً كعجزها عن التحكم بنتائج اي تدخل عسكري غربي.

وبين هاتين اللاءين ظهرت لاء ثالثة تولت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون نطقها وهي قولها ان "اعتبار الرئيس الاسد مجرم حرب يعقد الحل"، وهذا اقرار اميركي رسمي رفيع المستوى بان الرئيس الاسد كان ولا يزال جزءاً من اي حل ممكن للازمة السورية، فكيف اذا كان الامر بعد فشل مؤتمر تونس وبعد نتائج الاستفتاء وبعد تراجع المسلحين في حي بابا عمرو في حمص ومرور عام دون ان يفقد نظام الاسد عناصر قوته، بل ازدياده قوة وتماسكاً.

ربما تكون الطريقة التي تعامل بها الغرب مع الصحافيين الاجانب الذين تسللوا بطريقة غير شرعية الى مناطق المواجهات في حمص وغيرها وبعضهم قتل وبعضهم اصيب، وآخرهم الصحافيان البريطاني والفرنسية، درساً للمعارضة السورية ولمن يهمه الامر من الدول العربية الراغبة في تغذية الصراع الدموي في سوريا بمزيد من المال والسلاح والمسلحين، للاتعاظ بكيفية استنفار العالم الغربي من اجل بضعة صحفيين هم اختاروا بانفسهم ان يكونوا في ارض المعركة، وكيف يحجم هذا الغرب عن التدخل العسكري لأنه لا يريد أن يفرط بارواح جنوده، وكيف يعمل في الوقت عينه على تأجيج الصراعات والنزاعات ومنع الحل السياسي الممكن عن هذا البلد دون ان يكترث لسقوط مئات الضحايا البريئة التي اهرق دمها ويريد الاميركيون والاوروبيون ان يهرقوا دماء المزيد منها من اجل تشتيت القوة السورية التي تشكل خطراً على "اسرائيل" فقط.


2012-02-29