ارشيف من :ترجمات ودراسات
خاص الانتقاد.نت: العدو بين نارين.. التضحية بأسيره او الرضوخ لمطالب حماس
رفض مجلس الوزارء الاسرائيلي المصادقة على صفقة تبادل الاسرى وفق الشروط التي حددتها حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد مسار عسير من المفاوضات. لكن من أجل تكوين صورة دقيقة عن السياق الصحيح للموقف الاسرائيلي من الضروري استحضار المواقف الابتدائية التي اطلقها قادة العدو لنرى كيف كان اتجاه الموقف الاسرائيلي تصاعديا ام تنازليا؟ وبالتالي هل هو تعبير عن قوة موقف أم له اعتبارات اخرى؟
نقطة البداية يمكن ان نحددها بالخط الاحمر الذي حدده رئيس وزراء العدو "إيهود أولمرت" عندما أعلن بعد مرور اسبوع على أسر الجندي غلعاد شاليط، في جلسة الحكومة التي عقدت بتاريخ (2/7/2006) "انا اريد ان اقول كلمة حول اطلاق سراح غلعاد شاليط. نحن لن نجري مفاوضات مع حماس حول اطلاق سراح السجناء سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة".
لكن في الواقع نجد ان هناك هوة سحيقة تفصل ما بين الموقف الذي حدده "أولمرت" في حينه، وبين اداء الحكومة الاسرائيلية التي تجري مفاوضات حثيثة غير مباشرة مع حماس عبر الوسيط المصري، ولم تنفع كل الاكاذيب التي يروج لها "أولمرت" بأنه لا يجري مفاوضات غير مباشرة مع حماس، وانما مع مصر.
ولا يخفى ان هذا التراجع كان ثمرة صمود الموقف الفلسطيني الميداني والسياسي الامر الذي وضع الاسرائيلي بين خيارين: اما ان يسلك طريق المفاوضات او التسليم بأن شاليط لن يرى النور.
ايضا سبق لـ"أولمرت" ان اعلن في حينه "سنفعل كل ما بوسعنا لاطلاق سراح شاليط - وعندما اقول كل شيء فانا اقصد كل شيء - وكل ما هو ممكن وكل ما هو لازم". ولقد فعلوا كل شيء في حينه، عندما شنوا عملية عسكرية حملت اسم "أمطار الصيف" قتلوا خلالها ما يقرب من 400 شهيد مدني في قطاع غزة، ولكن ذلك لم يزحزح موقف حماس.
واختطفوا عشرين نائبا في البرلمان الفلسطيني وثمانية وزراء "كأوراق مساومة" ولكن كل ذلك لم يجد نفعا ايضا.
اما الان وقد اعلنت الحكومة رفضها المصادقة على صفقة التبادل، بعد توصية من قبل رئيس الشاباك والمسؤول عن ملف الاسرى "عوفر ديكل"، فما هي حقيقية خلفية الرفض الاسرائيلي وهل هو نابع من موقع قوة؟
الواقع ان السبب المباشر الذي اوردته حكومة العدو هو ان هناك معتقلين يشكل اطلاق سراحهم تجاوزا للخطوط الحمراء الاسرائيلية لما يشكلون من خطر على الامن الاسرائيلي ولما قد يقوموا به من ادوار جهادية بعد تحريرهم.
قد يكون هذا هو سبب الموقف الاسرائيلي الا ان له ايضا وجوه اخرى: ردعية وداخلية. اذ تخشى "اسرائيل" من ان يساهم ذلك في تعزيز الحافزية لدى قوى المقاومة بتكرار محاولة اسر جنود اسرائيليين ما دام هذا الخيار "منتج" بهذا القدر، ومن جهة اخرى فإن للرضوخ الاسرائيلي باطلاق سراح شخصيات "ملطخة ايديها بالدماء" له نتائج معنوية سلبية عامة وعلى اهالي واقارب الضحايا خاصة.
كما ان "أولمرت" يخشى ان يسجل عليه بأنه رضخ لمطالب حماس ويضيف نقطة سوداء في سجله بعد اخفاقاته المتكررة في لبنان وغزة وتهم الفساد الموجهة له. كما انه يُرحِّل برفضه قضية شاليط الى الحكومة المقبلة.
اما بخصوص فرضية ان "أولمرت" يهدف من وراء رفضه الضغط على حماس من اجل دفعها للتنازل تجنبا لانتقال القضية الى حكومة يمينية اكثر تشددا، فيمكن القول ان مخطط "أولمرت" قد فشل. وهكذا وجدت "اسرائيل" نفسها أمام خيارين مرين إما التضحية بأسيرها، وتمديد أسره، او الرضوخ لمطالب حماس. كما ان "اسرائيل" في كلا الحالتين ستشهد ضغوطا شعبية ففي حالة وافقت سينتفض بوجهها أهالي القتلى من الصهاينة معترضين على تحرير مجاهدين ساهموا بقتلهم، وان رفضت سينتفض اهل شاليط واصدقاءه لأنها لم تقم بما يجب عليها تجاه جنودها.