ارشيف من :آراء وتحليلات

السياسة العالمية بتوقيت الانتخابات الايرانية: هكذا يقف الشعب خلف قائده

السياسة العالمية بتوقيت الانتخابات الايرانية: هكذا يقف الشعب خلف قائده
عبد الحسين شبيب

السياسة العالمية بتوقيت الانتخابات الايرانية: هكذا يقف الشعب خلف قائدهكانت لافتة جداً لمن تابع وقائع الانتخابات الإيرانية تلك الابتسامة العريضة المرفقة بايماءة من الرأس متواضعة وقوية والتي تقصَّد الامام السيد علي الخامنئي التعبير بها أثناء ادلائه بصوته لاختيار اعضاء مجلس الشورى (البرلمان) التاسع منذ تأسيس الجمهورية الاسلامية.

القائد الذي يقف على رأس هرم السلطة في الجمهورية الإسلامية كان حاضراً بقوة في معركة الانتخابات التي دأب على اعطائها بعداً استراتيجياً في المواجهة التي يقودها الغرب ضد ايران بذريعة برنامجها النووي، وواظب في جميع الخطب والكلمات التي ألقاها في أكثر من مناسبة، وكانت كثيرة وملفتة طوال العام الايراني الذي ينتهي هذا الشهر، على حث الشعب على تحقيق أعلى نسبة مشاركة "من أجل تحدي الضغوط والأخطار التي تتربص بالجمهورية الإسلامية وتوجيه رسائل للأصدقاء والأعداء" (وهو آخر ما قاله بهذا الشأن اثناء إدلائه بصوته). وحيث ان الامام الخامنئي وعد خصوم الجمهورية الاسلامية باستجابة شعبية ايرانية واسعة في هذا الاستحقاق المهم، فقد بلغت نسبة المشاركة خمسة وستين في المئة (65%)، وكانت بارزة نسبة المشاركة المرتفعة في العاصمة طهران التي بلغت اثنين وخمسين في المئة (52%)، وهو رقم له دلالاته المرتبطة باستحقاق الانتخابات الرئاسية السابقة، حيث اقتنص حينها المرشح الرئاسي مير حسين موسوي تقدمه البسيط في العاصمة على منافسه آنذاك الرئيس أحمدي نجاد ليسارع الى إعلان فوزه من دون ان ينتظر نتائج بقية المحافظات التي رفعت الفارق بينه وبين نجاد إلى اكثر من عشرة ملايين صوت لصالح الرئيس نجاد. وعليه تعد نسبة المشاركة في طهران مؤشراً على تغير في مزاج الناخب الإيراني في العاصمة الذي اتضحت له تباعاً طبيعة المؤامرة الخبيثة التي كانت تقف وراء فتنة العام 2009 وزعم موسوي انه هو الفائز.

السياسة العالمية بتوقيت الانتخابات الايرانية: هكذا يقف الشعب خلف قائده

وفي لغة التحليلات التي كانت سائدة حتى الساعات الأخيرة ما قبل فتح الصناديق فإن الاهمية الاولى لنسبة الـ (65%) تكمن في اسقاط الرهان الذي كان قائماً على تدنيها الى ما تحت الخمسين في المئة بكثير تتويجاً لمقولة إن الاصلاحيين ليسوا مشاركين في هذه الانتخابات، وبالتالي فإن جمهورهم سيعزف عن الاقتراع مما سيدني نسبة المشاركة الى حدود غير مسبوقة، على ما كان يذهب اليه هؤلاء، موحين ضمناً بأن غالبية الشعب الايراني هي مع "التيار الاصلاحي". لكن الصدمة والصفعة كانت كبيرة جداً لكل تلك الاطراف الخارجية التي وضعت ثقلها الاعلامي لترويج هذه المقولة، لتأتي نسبة المشاركة هذه، وفي طهران بالتحديد، لتشير الى حاجة ماسة لكل القابعين في مراكز صنع القرار العالمي ممن يعتبرون أنفسهم مختصين بالشأن الايراني وقادرين على فهم وتفسير مزاج الناخب الايراني، الى اعادة النظر في ادوات فهمهم وتحليلهم، حيث إن تلك التقسيمات التقليدية التي دأبوا على اعتمادها منذ نحو عقدين ونيف من الزمن لم تعد تصلح للبناء عليها"، حيث ان الجمهورية الاسلامية قد تجاوزتها بالفعل، ليتضح أن المشهد الإيراني يتمركز اليوم عند القائد كما كان عهد المؤسس ويستعيد أيام البدايات في هذه الظروف ليؤكد بالأرقام خيار الشعب الإيراني في الوقوف وراء قيادته المتمثلة بالإمام الخامنئي الذي كانت ابتسامته العريضة وايماءته تلك تعبيراً واضحاً عن ثقة كبيرة في نسبة المشاركة هذه التي اعتبر مراراً انها بالنسبة إليه والى النظام الاسلامي هي النتيجة بذاتها.


أهمية رسالة نسبة المشاركة المرتفعة، فهي ابلاغها رسمياً ذلك الفريق من المجتمع الدولي الذي يناصب العداء لإيران عقم وفشل رهانه على نظام العقوبات الاقتصادية القاسية في إبعاد الشعب الايراني عن قيادته.

اما مكمن الأهمية الثانية في مضمون رسالة نسبة المشاركة المرتفعة ـ والتي لا تبلغها عادة أكثر الديمقراطيات عراقة في عالمنا المعاصر ـ فهي ابلاغها رسمياً ذلك الفريق من المجتمع الدولي الذي يناصب العداء لإيران عقم وفشل رهانه على نظام العقوبات الاقتصادية القاسية في إبعاد الشعب الايراني عن قيادته عبر تحميلها تبعات ما يتعرض له من حصار وعقوبات، لا بل إن المعنى المستخلص بسرعة ووضوح هو تصويت لصالح المسار المعتمد من قبل القيادة في التصدي لكل المحاولات الخارجية للنيل من قوة واقتدار وعزة الجمهورية الاسلامية، وهي الكلمات الثلاث التي طالما رددها المسؤولون الايرانيون. والا لماذا يتعين على الشعب الايراني أن ينزل بهذا الحجم للاقتراع لو لم تكن هذه هي الرسالة الحاسمة والحازمة، لا سيما في ظل الحديث عن ان المتنافسين هم ابناء تيار واحد، تيار المحافظين، مما يفترض عادة في ظروف مماثلة ان تتدنى نسبة المشاركة طالما أن الفائزين هم من السنخ نفسه. ومع ذلك فإن الاعلام الخارجي جهد لتظهير هذا التنافس بطريقة سلبية، فقدمها على انها منافسة بين فريقين داخل تيار المحافظين، واحد منحاز الى الامام الخامنئي وآخر منحاز الى الرئيس نجاد، لكن النتائج أظهرت تقدماً كاسحاً للفريق المؤيد للامام الخامنئي تجاوزت الخمسة وسبعين في المئة من مجموع مقاعد مجلس الشورى، بما فيها المقاعد الثلاثين الخاصة بالعاصمة طهران والتي أظهرت النتائج الأولية فوز انصار القائد بـ 19 مقعداً فيها فيما فاز منافسوهم بالمقاعد المتبقية. علماً أن كلا الفريقين الفائزين هما جزء اساسي من الحاضنة الشعبية الكبيرة للولي الفقيه، لكن عملية التغطية الاعلامية والسياسية الخارجية لهذا الاستحقاق لم تجد سوى تلك النافذة لتطل منها. ومع ذلك فإن فرز الأصوات على هذا النحو الذي اشتغل عليه الاعلام الغربي والعربي المناوئ شكل ضربة قوية لاولئك الساعين دائماً الى التصويب على صورة القائد وقاعدته الجماهيرية التي يتأكد يوماً بعد آخر انها تحظى بشعبية أكبر بكثير مما يقول به حتى الأصدقاء وليس الأعداء فحسب.

ماذا بعد الانتخابات التشريعية وفوز التيار المحافظ بالاغلبية الساحقة من مقاعد البرلمان؟ السؤال ليس محصوراً باستحقاق الانتخابات الرئاسية الإيرانية العام القادم، والذي بادر المحللون الى توقع نتائجه من الآن قياساً الى نتائج انتخابات مجلس الشورى، بل إن الاجابة تتعلق بذلك التفكير العقيم في دوائر القرار الأميركي والأوروبي الذي لا يزال يراهن على إحداث شرخ في بنية النظام الاسلامي وتطبيق مقولات احتوائه وعزله عن قاعدته وغيرها من النظريات التي لا يوجد لها مكان تحت شمس الجمهورية الإسلامية. ويمكن القول بسهولة ان التهديد بالحرب ومواصلة الحصار والعقوبات اتت بهذا الالتفاف الجماهيري حول خيارات القيادة، وأكدت تكاتف وتمسك الإيرانيين بحقوقهم غير القابلة للتصرف والتفاوض من أي جهة ومع أي جهة وعلى رأسها حقهم في امتلاك التكونولوجية النووية السلمية، فكيف اذا تطاير شرر الحرب كما يهدد الاميركيون والاسرائيليون؟ مع الاشارة الى ان ثمة من يشتغل الآن في واشنطن واوروبا على تفسير نتائج الانتخابات الايرانية ووضعها على الطاولة لمحاولة رسم مشهد ما بعد أي مغامرة قد يرتكبونها ضد إيران، وما اذا كانت ستحدث هوة بين القيادة والشعب الايرانيين، ام بين القيادات الغربية وشعوبها ممن لا يتلقون سوى الخيبات والخسائر والنعوش منذ افتتح الرئيس البائد جورج بوش مسلسل الحروب على العالم الاسلامي.


2012-03-05