ارشيف من :آراء وتحليلات

الحرب على سوريا : إرهاب على المكشوف!

الحرب على سوريا : إرهاب على المكشوف!
عقيل الشيخ حسين

على الرئيس الأسد أن يرحل. ذلك هو الموقف الواضح الذي اتخذه محور الشر الأميركي فيما يخص الحدث السوري.

المعارضات السورية مفككة ومقتصرة على جماعات وأفراد يعيشون خارج سوريا في بلدان معروفة أكثر من اللزوم بمقتها لقضايا حرية الشعوب. كما أنها لا تمتلك قاعدة شعبية في سوريا. وبالتالي فهي ليست بمستوى تنفيذ هذه المهمة.

سريعاً تم استبعاد التدخل العسكري على الطريقة التي شهدناها في ليبيا: لا يمكن للأميركيين وحلفائهمم الغربيين أن يضيفوا إلى الهزائم التي لحقت بهم في أقل من عشر سنوات في كل من العراق وأفغانستان هزيمة ثالثة كل المؤشرات تفيد بأنها لا يمكن إلا أن تكون مشؤومة للغاية في سوريا.

وبخلاف من يسمون أنفسهم بعرب الاعتدال الذين اضطروا إلى خفض سقف أحلامهم إلى تسليح ما يسمى بالمعارضات السورية، فإن الأميركيين يستبعدون أيضاً هذا الخيار لأسباب لوجستية، أو بالاستناد إلى تفكك تلك المعارضات، وخصوصاً ـ على ما يقولون ـ لأن تنظيم القاعدة ناشط في الحلبة السورية.

الحرب على سوريا : إرهاب على المكشوف!

لكنهم لا يتراجعون مع ذلك عن سعيهم المكشوف لأن إسقاط النظام السوري والدولة السورية هما بالنسبة لهم ولحلفائهم الأوروبيين والإسرائليين ولأدواتهم في الصف العربي، أمر ملح طالما أن سوريا متمسكة بسياستها العروبية وبرفضها للخط الانهزامي الممتد من "كامب دايفد" إلى "وادي عربة"، مروراً بـ"أوسلو"، خصوصاً في ظل التطورات الناشئة عن الانسحاب الأميركي من العراق حيث تكونت جبهة معادية للهيمنة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة تمتد من جبال الهملايا شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً.

وفي مواجهة هذه الجبهة يعتمدون استراتيجية حربية مختلفة يحكمها الخوف من هزيمة جديدة في سوريا بعد الهزائم في العراق وأفغانستان ولبنان، لكنها تسمح بتوظيف الاسهامات الإقليمية، والتركية والعربية والإسرائيلية في محاولات تخريب سوريا.

فالواقع أن خياري التدخل العسكري المباشر من قبل الناتو، وتزويد المعارضات السورية بالسلاح ليسا أكثر ولا أقل من كذبة كبيرة. إذا كان حلف الناتو ينفي نيته في التدخل، فقد صار من المعروف للقاصي والداني أن عناصر نشطة تحمل جنسيات العديد من بلدان الناتو تندخل في سوريا بطريقة أو بأخرى، على شكل مدربين وخبراء وضباط وجواسيس يتسللون إلى سوريا تحت نقاب العمل الصحافي أو الإنساني. وعلى هذا القياس قس فيما يتعلق بتسليح وتمويل الجماعات المسلحة في سوريا.

الحرب على سوريا متواصلة إذن، ولكن على شكل الحرب غير المباشرة، السريّة. ولكي نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، ليس هناك لشكل تلك الحرب غير اسم واحد هو الإرهاب المتمثل، وفق تصريجات الصقور الاميركيين، ديموقراطيين وجمهوريين، بالتلاعبات والتفجيرات والاغتيالات واعمال التخريب بالتوازي مع الضغوط الاقتصادية والإعلامية والسياسية والديبلوماسية.

الحرب على سوريا : إرهاب على المكشوف!

إنها على وجه الدقة العقيدة الحربية الجديدة التي اعتمدتها الإدارة الأميركية كبديل عن الحرب الكلاسيكية، وكرد فعل على عدم ناجعية هذه الحرب في العراق وأفغانستان ولبنان، خلال صيف العام 2006. وهم يفترضون لها هي قدرتها على أن تؤدي إلى النتائج ذاتها كما في الحرب الكلاسيكية، ولكن دون تحمل تبعاتها الأخلاقية، أو في ظروف الأزمة الاقتصادية التي تضرب بلدان الغرب، دون تحمل تبعاتها المالية، أو حتى، دون تحمل أي قسط من هذه التبعات لأن مشيخات الخليج حاضرة وجاهزة لتفعل ما هو ضروري وهي التي سبق لها أن دفعت كامل تكاليف الحرب الأميركية على العراق، وقبلها الحرب العراقية على إيران. فبلد عربي كليبيا وعد المعارضة السورية مؤخراً بمبلغ 100 مليون دولار، بينما تقدر اسهامات مشيخات النفط في دعم إراقة الدم السوري بمليار دولار شهرياً.

ميزة أخرى يؤمنها، خلافاً للمراوغات الأميركية، ظهور تنظيم القاعدة على الخط. الأميركيون هم، وفق اعتراف طازج أدلت به هيلاري كلينتون، من أوجد هذا التنظيم الغامض. أليس هذا التنظيم هو من استُخدم كجسر عبرت عليه إدارة بوش في إطلاق حربها العالمية الثالثة التي بنت عليها الولايات المتحدة حلمها بإقامة الإمبراطورية الأميركية العالمية ؟

باختصار، بفضل تدخل القاعدة بات من الممكن للأميركيين أن يغسلوا أيديهم من الشأن السوري وأن يدفعوا إلى المعركة، في الوقت نفسه، بكامل مرتزقتهم وعملائهم، وذلك بدلاً من الدبابات التي تقول كلينتون بعدم القدرة على تمريرها عبر الحدود السورية، بينما العملاء والمرتزقة والأموال تمتلك حظوظاً أكبر في المرور عبر الحدود.

إنه رهان يفقد حظوظه في وقت يفتتح فيه ما يسمى بالجيش الحر انسحاباته التكتيكية. وهو فوق ذلك رهان مليء بالمجازفة بقدر ما يزج البلدان التي تقوم بينها وبين سوريا حدود مشتركة في مأزق "استراتيجي".

لمدة طويلة دمغت بالإرهاب حركات التحرر والدول التي ترفض الانحناء أمام إملاءات معسكر الشر الأميركي. ولكون سوريا الأسد مستهدفة لهذه الاستراتيجية الإرهابية، فإنها تحوز على شرف تبيان ماهية الإرهاب الحقيقي. إنه الإرهاب الذي يمارس ضد النضال المسلح المشروع والشرعي الذي تعتمده الشعوب في مواجهة الاحتلال والهيمنة. إنه الإرهاب الجبان، إرهاب الدولة الذي تمارسه قوى الامبريالية والهيمنة
2012-03-05