ارشيف من :آراء وتحليلات

المندحرون... عندما يمتشقون سلاح الإقناع!

المندحرون... عندما يمتشقون سلاح الإقناع!
عقيل الشيخ حسين

نتنياهو طار إلى واشنطن لإقناع أوباما بضرب إيران. وعرب أميركا طاروا إلى عواصم كثيرة لإقناعها بضرب سوريا.
أما موسكو، فطاروا إليها لإقناعها بالكف عن دعم سوريا. ولم يفلحوا فكرروا المحاولة واتفقوا معها على عقد لقاء السبت القادم في القاهرة بين وزراء خارجيتهم ووزير الخارجية الروسي.

نتنياهو لم يتمكن من إقناع أوباما بوجهة نظره. لكن الرئيس الأميركي الطامح إلى رئاسة ثانية، والعارف بما يتمتع به اللوبي الصهيوني من قدرات على رفع أسهم المرشح الذي يبذل له الدعم، وخصوصاً أن المرشحين الجمهوريين، ماك كين وميت رومني يطلقان التصريحات الداعية لضرب إيران وسوريا، لم يدخر وسيلة من شأنها تطييب خاطر نتنياهو.

ذكّره في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركية ـ الإسرائيلية بكل ما قدمه خلال ولايته من خدمات لـ "إسرائيل"، وأعاد على مسامعه حرصه المطلق على الالتزام بأمن "إسرائيل". وطمأنه إلى أن الولايات المتحدة لن تتخذ في الملف الفلسطيني أي موقف من شأنه إزعاج "إسرائيل".

لكن كل ذلك ظل بعيداً أشد البعد عن إرضاء نتنياهو الذي حشر أوباما في الزاوية الضيقة عندما أكد على ما أسماه بـ حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها... ما يعني، بأن الهجوم أفضل وسائل الدفاع، أن الكيان الصهيوني قد يقوم هو نفسه، ومن دون الرجوع إلى واشنطن، بضرب إيران.

وفي ظل تأكيدات أوباما على أن تشديد العقوبات على إيران يخلق فرصة أخيرة لتسوية سلمية يمكن في حال فشلها أن يتم اللجوء إلى الخيار العسكري، تراجع نتنياهو عملياً عن هذا التهديد مكتفياً بمطالبة أوباما بتشديد العقوبات إلى الحد الأقصى.

المندحرون... عندما يمتشقون سلاح الإقناع!

وكل ذلك، مع علم الرجلين ليس فقط بلا جدوى سلاح العقوبات، بل أيضاً بأن العقوبات تحديداً تلعب دوراً حاسماً في تطوير إيران لقدراتها الذاتية على جميع الصعد، وتعود بالضرر على المشاركين بفرضها، ناهيكم عن الاتساع المطّرد لشبكات الانفتاح المتبادل بين إيران وعدد كبير من البلدان التي ترفض الالتزام بالعقوبات الأميركية والأوروبية.

وبالطبع، فإن النتيجة التي أفضى إليها لقاء نتنياهو ـ أوباما، وهو لقاء تم في أجواء التلميحات والتصريحات التي تحدثت عن توقيت الضربة الموعودة لإيران في الصيف أو الخريف القادم، قد مسحت تلك التصريحات والتلميحات... اللهم إلا أذا ما فشلت الفرصة السلمية الأخيرة التي يأمل الغربيون أن تتعزز في المفاوضات الوشيكة بين مجموعة 5+1 وإيران حول ملفها النووي السلمي.

والأكيد، حتى ولو وافقت إيران على مطالب الغربيين كاملة وتخلت عن برنامجها النووي كله، أن ذلك لن يكون كافياً، وأن الأصوات سترتفع بالكلام عن الخطر الإيراني من باب أو أبواب غير البرنامج النووي.

فالمقصود من وراء كل هذا الضجيج حول البرنامج النووي، والخطر الإيراني الذي بدأ الحديث عنه منذ انطلاقة الثورة الإسلامية هو محاولة الفت من عضد إيران والعمل على احتوائها وإجبارها على التخلي عن سياساتها الرافضة للوجود الغربي والإسرائيلي في المنطقة، والساعية بكل تصميم نحو تمكين المنطقة من تدبر شؤونها بنفسها.

والحقيقة أن الحرب كانت أول رد على الثورة الإسلامية. الحرب التي فرضت على إيران في بداية الثمانينيات لم تكن حرب صدام حسين وحده. العراق تحول إلى بوابة شرقية لحماية الكيان الصهيوني والأنظمة العربية المرتبطة، وصولاً إلى أوروبا وأميركا. وكل هذه الدول شاركت فيها عبر التمويل السخي من بلدان الخليج والإمداد بالأسلحة المتطورة (بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً). تلك الحرب كانت حرباً عالمية بكل معنى الكلمة، وكانت سوريا حافظ الأسد بين العدد القليل جداً من البلدان التي قدمت لإيران ما قدرت عليه من مساعدة.

المندحرون... عندما يمتشقون سلاح الإقناع!

لكن فشل الحرب العراقية ـ العربية ـ الغربية على إيران دفع المشاركين فيها من العرب إلى الاقتتال فيما بينهم، فهجم صدام حسين على الكويت وفي نيته المضي قدماً نحو السعودية وبلدان الخليج الأخرى.

صحيح أن تلك المغامرة التي أقدم عليها صدام قد استجلبت جيوش التحالف الغربي لتتمركز في بلدان الخليج ومياهه ولتحتل العراق. لكن ذلك لم يكن كل شيء. قبس من الثورة الإسلامية في إيران جاء إلى لبنان الذي استطاع، وهو أصغر بلدان العرب، إنزال الهزيمة المدوية بالجيش الإسرائيلي الذي رضخت له معظم البلدان العربية.

على ضوء هذه المعطيات وخصوصاً على ضوء معطيات الهزيمة الأميركية في العراق وأفغانستان، والثورات العربية التي سترسو عاجلاً أو آجلاً في ميناء العروبة الحقة والإسلام الحق... فإن أي حرب جديدة على إيران ستفضي فوق فشلها إلى نقل قبس الثورة الإسلامية لا إلى بلد واحد، بل إلى عشرات البلدان.

فقبس الثورة الإسلامية هذه أقوى من إقفال مضيق هرمز القادر على خنق الاقتصاد الغربي المختنق أساساً، ومن الصواريخ الإيرانية العابرة للقارات، ومن الصواريخ المتوسطة المدى وسائر التقنيات العسكرية المتطورة التي أعدت إيران كميات منها تكفي لحسم أي معركة لمصلحتها... إذ يوماً فيوماً، تثبت الثورة الإسلامية في إيران أن نموذجها هو النموذج الإسلامي الأصيل. لا تلك النماذج التي تستمد مشروعيتها من إقامة العلاقات مع "إسرائيل"، والتماهي بالديموقراطية الغربية المفضوحة، والكيد لسوريا وقوى المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

الحرب الأولى على إيران تزامنت مع نشوء حزب الله في لبنان. وأي حرب جديدة على إيران ستتزامن مع نشوء عشرات الأحزاب المماثلة. لهذا فإن قرع طبول الحرب لن يفعل غير إلحاق الأذى بقارعي الطبول.

وعما قريب، تخرج سوريا أقوى مما كانت. وسيشهد العالم العربي ميلاد جامعة عربية خالية من هؤلاء الذين ينزون الآن على منابرها بقوة المال والحقد. وميلاد مجلس للتعاون الإسلامي جدير بهذا الاسم. وبالفشل الذريع، سينتهي صراع الحضارات بسرعة أكبر بكثير من تلك التي أفضت إلى انسحاب الأميركيين وحلفائهم من العراق وأفغانستان.
2012-03-07