ارشيف من :آراء وتحليلات
ماذا بعد اقتراب هزيمة واشنطن... هل هناك بن لادن جديد؟
محمد الحسيني
تشتهر الولايات المتحدة الأميركية بأنها البلد الأكثر إنتاجاً للأفلام السينمائية وبرامج الـ Talk Show في العالم، وتشكّل مدينة هوليوود للإنتاج السينمائي عنوان امبراطورية الإنتاج الفني الموجّه، الذي يتماهى مع سلاح الغزو العسكري والثقافي والدعائي فضلاً عن الحراك السياسي والدبلوماسي في العالم برمّته تحت عنوان "نشر الديمقراطية الأميركية" في العالم النامي وغير النامي، وترويج سياسات "الحوار" بقطع النظر عن الأدبيات المتوحشة لهذا الحوار الذي يتلطّى وراء شعار "حرية الرأي".
وبالطبع لهذه الحرية في القاموس الأميركي معنى آخر، ولفتني في هذا الإطار إشارة مهمة ألزمتني بالتوقف عندها، فقد كنت أشاهد فيلماً أميركياً له طابع الجاسوسية ويعرض الصراع القائم بين الأجنحة المخابراتية والعسكرية داخل الولايات المتحدة من جهة ومجموعات إرهابية مافيوية أميركية أيضاً من جهة أخرى، ولكنها بدعم وتمويل عربي، كما هي العادة في معظم هذا النوع من النتاجات السينمائية النمطية الموجّهة.
كان الفيلم زاخراً بمشاهد المواجهات والعمليات الأمنية المعقّدة التي تظهر ذكاء أجهزة المخابرات الأميركية على الرغم من صراعاتها البينية، وتبرز في المقابل وحشية رجال المافيا وزعمائها التي لا تعرف الرحمة بل إن سكين هذه العصابات لم توفر أفرادها من القتل حين بروز أي تقصير أو خيانة أو تردد.
لا أنكر أن المشاهد العنيفة والسيناريو المتقن شدني لدرجة كبيرة بحيث أجبرني على متابعة أدق التفاصيل التي غالباً ما كانت تظهر العلم الأميركي في خلفية المشاهد وعلى الملابس والقبعات والمحلات والأبنية والشوارع فضلاً عن استخدام نجمة داوود اليهودية المسدّسة في أدنى التفاصيل، إلا أن الإشارة برزت في المشاهد الختامية التي أظهرت شبه انتصار لزعيم المافيا الذي استغرق في عمليات القتل الدامي فيما كان البطل الأميركي نجح في التسلل إلى عمق مقر قيادة هذا الزعيم وظهر أمامه مثخناً بالجراح.
تحوّلت شكيمة زعيم المافيا المجرم إلى إرباك، وقساوته إلى جبن، وحزمه إلى ارتجاف، وعبوسه وتقطيب حاجبيه إلى نظرة توسّل وركوع أمام البطل الذي لم يتبق في مسدسه إلا رصاصة واحدة، ولم يجد هذا الزعيم المنهزم سوى عبارة واحدة ليحاول إقناع البطل أن يهدئ من روعه ولا يقتله، فقال له بابتسامة خائفة مرتجفة: "Let's Talk" (دعنا نتحدث) ولكن البطل الثائر الغاضب والمنتقم ردّ عليه بالقول: "Talk with this" (تحدث مع هذه) وأطلق على رأسه الرصاصة الأخيرة لتستقر بين عينيه ليسدل الفيلم ستارة النهاية.
هذه هي حكاية ديمقراطية الأميركيين التي يرويها الفيلم ويختصر سياسة واشنطن "الذكية" تجاه أنظمة وشعوب المنطقة، فأجنحتها تتصارع في ما بينها، وبعضها يبني هياكل المافيات الحاكمة في بلداننا العربية وبعضها الآخر يدعم الأنظمة الديموكتاتورية، ولا تجد قيادتها غضاضة في تبرير ظلم هذه الأنظمة ما دام أن الأخيرة توقّع في الأروقة الخلفية للقصور صكوك التبعية والانقياد مقابل حماية وهمية لعروشها، إلى أن ينتهي دور هذه الأنظمة أو تعجز عن الاستمرار فيرفع الأميركيون لواء التغيير زوراً ومصادرة لحرية الشعوب سعياً لقطف الثمار والحفاظ على مكانتها وسيطرتها في تشكيل أي خارطة جديدة.
أما والحالة اليوم فقد وصلت واشنطن إلى انهزام مبيّت ويأس واضح بعد فشل الرهانات الصاخبة على إسقاط النظام في سوريا، وخفوت دوي أصوات طبول الحرب الإسرائيلية على إيران، وبعدما أحبطت مساعي أغلب العرب في " تأديب" الرئيس السوري بشار الأسد لتجرؤه على الخذلان العربي، واندثار "الآمال" في إضعاف الجار الإيراني من خلال تدمير مقوّمات قوته واقتداره بالسلاح الإسرائيلي، وبالتالي ما العمل؟ "Let's Talk"؟!!.
تراجعت واشنطن عن خطاباتها ومخططاتها النارية، وأسباب ذلك كثيرة، أبرزها ثبات الموقفين الروسي والصيني وفشل العصابات السورية المنشقة في تحقيق أي نتيجة على الأرض، وانكشاف التدخّل الخارجي المباشر العربي والغربي في دعم المتمردين في سوريا، ونجاح النظام السوري في تطبيق أجندته المحدّدة بدءاً من فرض الأمن وتطويق الاضطرابات والبدء بتطبيق الاصلاحات وإجراء الاستفتاء على الدستور الجديد، بل لأن واشنطن لم تستطع أن تواكب المتغيّرات والتطوّرات المتلاحقة بما اضطرها إلى إدخال تعديلات مستمرة على خططها فباتت هذه الخطط بعناوين مختلطة ومسارات متباينة.
ولكن السيناريو الأخطر الذي ما زال يراهن الأميركي على كتابته وترجمة فصوله يتجسّد في "صهينة" المسارات في المنطقة من خلال رفع وتيرة الشحن الطائفي والمذهبي الاسلامي ـ المسيحي والسني ـ الشيعي، وهو سيناريو يحمل بذوراً كثيرة ويجد أرضية خصبة لنموه، خصوصاً أن الأموال العربية جاهزة لتمويل الحركات الفتنوية التي تظهر كل يوم في أكثر من بلد عربي ولا سيما في لبنان، ولا غرابة أن نسمع في الأيام المقبلة بروز أسامة بن لادن جديد لتعود حكاية الفيلم الأميركي إلى المشهد الأول.
قد تكون مقاربة الوضع الراهن في المنطقة مع ختام الفيلم الأميركي تحتمل بعض الاختلاف، لأنها تفترض الرد بتوجيه الرصاصة إلى ما بين عيني الأميركي والأوروبي وأغلب العرب، ولكن بعد استنفاد كل الوسائل العسكرية والاقتصادية والمالية وأساليب الترهيب والترغيب والشيطنة والضغط الدولي في أروقة الأمم المتحدة... إلخ، يمكن اجتراح خاتمة ثانية بأن يقوم هؤلاء أنفسهم بوضع المسدس في الرأس والضغط على الزناد.
تشتهر الولايات المتحدة الأميركية بأنها البلد الأكثر إنتاجاً للأفلام السينمائية وبرامج الـ Talk Show في العالم، وتشكّل مدينة هوليوود للإنتاج السينمائي عنوان امبراطورية الإنتاج الفني الموجّه، الذي يتماهى مع سلاح الغزو العسكري والثقافي والدعائي فضلاً عن الحراك السياسي والدبلوماسي في العالم برمّته تحت عنوان "نشر الديمقراطية الأميركية" في العالم النامي وغير النامي، وترويج سياسات "الحوار" بقطع النظر عن الأدبيات المتوحشة لهذا الحوار الذي يتلطّى وراء شعار "حرية الرأي".
وبالطبع لهذه الحرية في القاموس الأميركي معنى آخر، ولفتني في هذا الإطار إشارة مهمة ألزمتني بالتوقف عندها، فقد كنت أشاهد فيلماً أميركياً له طابع الجاسوسية ويعرض الصراع القائم بين الأجنحة المخابراتية والعسكرية داخل الولايات المتحدة من جهة ومجموعات إرهابية مافيوية أميركية أيضاً من جهة أخرى، ولكنها بدعم وتمويل عربي، كما هي العادة في معظم هذا النوع من النتاجات السينمائية النمطية الموجّهة.
كان الفيلم زاخراً بمشاهد المواجهات والعمليات الأمنية المعقّدة التي تظهر ذكاء أجهزة المخابرات الأميركية على الرغم من صراعاتها البينية، وتبرز في المقابل وحشية رجال المافيا وزعمائها التي لا تعرف الرحمة بل إن سكين هذه العصابات لم توفر أفرادها من القتل حين بروز أي تقصير أو خيانة أو تردد.
لا أنكر أن المشاهد العنيفة والسيناريو المتقن شدني لدرجة كبيرة بحيث أجبرني على متابعة أدق التفاصيل التي غالباً ما كانت تظهر العلم الأميركي في خلفية المشاهد وعلى الملابس والقبعات والمحلات والأبنية والشوارع فضلاً عن استخدام نجمة داوود اليهودية المسدّسة في أدنى التفاصيل، إلا أن الإشارة برزت في المشاهد الختامية التي أظهرت شبه انتصار لزعيم المافيا الذي استغرق في عمليات القتل الدامي فيما كان البطل الأميركي نجح في التسلل إلى عمق مقر قيادة هذا الزعيم وظهر أمامه مثخناً بالجراح.
تحوّلت شكيمة زعيم المافيا المجرم إلى إرباك، وقساوته إلى جبن، وحزمه إلى ارتجاف، وعبوسه وتقطيب حاجبيه إلى نظرة توسّل وركوع أمام البطل الذي لم يتبق في مسدسه إلا رصاصة واحدة، ولم يجد هذا الزعيم المنهزم سوى عبارة واحدة ليحاول إقناع البطل أن يهدئ من روعه ولا يقتله، فقال له بابتسامة خائفة مرتجفة: "Let's Talk" (دعنا نتحدث) ولكن البطل الثائر الغاضب والمنتقم ردّ عليه بالقول: "Talk with this" (تحدث مع هذه) وأطلق على رأسه الرصاصة الأخيرة لتستقر بين عينيه ليسدل الفيلم ستارة النهاية.
هذه هي حكاية ديمقراطية الأميركيين التي يرويها الفيلم ويختصر سياسة واشنطن "الذكية" تجاه أنظمة وشعوب المنطقة، فأجنحتها تتصارع في ما بينها، وبعضها يبني هياكل المافيات الحاكمة في بلداننا العربية وبعضها الآخر يدعم الأنظمة الديموكتاتورية، ولا تجد قيادتها غضاضة في تبرير ظلم هذه الأنظمة ما دام أن الأخيرة توقّع في الأروقة الخلفية للقصور صكوك التبعية والانقياد مقابل حماية وهمية لعروشها، إلى أن ينتهي دور هذه الأنظمة أو تعجز عن الاستمرار فيرفع الأميركيون لواء التغيير زوراً ومصادرة لحرية الشعوب سعياً لقطف الثمار والحفاظ على مكانتها وسيطرتها في تشكيل أي خارطة جديدة.
أما والحالة اليوم فقد وصلت واشنطن إلى انهزام مبيّت ويأس واضح بعد فشل الرهانات الصاخبة على إسقاط النظام في سوريا، وخفوت دوي أصوات طبول الحرب الإسرائيلية على إيران، وبعدما أحبطت مساعي أغلب العرب في " تأديب" الرئيس السوري بشار الأسد لتجرؤه على الخذلان العربي، واندثار "الآمال" في إضعاف الجار الإيراني من خلال تدمير مقوّمات قوته واقتداره بالسلاح الإسرائيلي، وبالتالي ما العمل؟ "Let's Talk"؟!!.
تراجعت واشنطن عن خطاباتها ومخططاتها النارية، وأسباب ذلك كثيرة، أبرزها ثبات الموقفين الروسي والصيني وفشل العصابات السورية المنشقة في تحقيق أي نتيجة على الأرض، وانكشاف التدخّل الخارجي المباشر العربي والغربي في دعم المتمردين في سوريا، ونجاح النظام السوري في تطبيق أجندته المحدّدة بدءاً من فرض الأمن وتطويق الاضطرابات والبدء بتطبيق الاصلاحات وإجراء الاستفتاء على الدستور الجديد، بل لأن واشنطن لم تستطع أن تواكب المتغيّرات والتطوّرات المتلاحقة بما اضطرها إلى إدخال تعديلات مستمرة على خططها فباتت هذه الخطط بعناوين مختلطة ومسارات متباينة.
ولكن السيناريو الأخطر الذي ما زال يراهن الأميركي على كتابته وترجمة فصوله يتجسّد في "صهينة" المسارات في المنطقة من خلال رفع وتيرة الشحن الطائفي والمذهبي الاسلامي ـ المسيحي والسني ـ الشيعي، وهو سيناريو يحمل بذوراً كثيرة ويجد أرضية خصبة لنموه، خصوصاً أن الأموال العربية جاهزة لتمويل الحركات الفتنوية التي تظهر كل يوم في أكثر من بلد عربي ولا سيما في لبنان، ولا غرابة أن نسمع في الأيام المقبلة بروز أسامة بن لادن جديد لتعود حكاية الفيلم الأميركي إلى المشهد الأول.
قد تكون مقاربة الوضع الراهن في المنطقة مع ختام الفيلم الأميركي تحتمل بعض الاختلاف، لأنها تفترض الرد بتوجيه الرصاصة إلى ما بين عيني الأميركي والأوروبي وأغلب العرب، ولكن بعد استنفاد كل الوسائل العسكرية والاقتصادية والمالية وأساليب الترهيب والترغيب والشيطنة والضغط الدولي في أروقة الأمم المتحدة... إلخ، يمكن اجتراح خاتمة ثانية بأن يقوم هؤلاء أنفسهم بوضع المسدس في الرأس والضغط على الزناد.