ارشيف من :آراء وتحليلات

الأزمة السورية: هل حان أوان الحل السياسي؟

الأزمة السورية: هل حان أوان الحل السياسي؟
هل نضجت الظروف الاقليمية والدولية والداخلية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، أم أنها ستبقى عرضة لمزيد من الاشتباك الاقليمي والدولي والداخلي المفتوح على رهانات وسيناريوهات مختلفة؟
من نافل القول، إن الأزمة السورية منذ انطلاقها كانت تتجاذبها وجهتا نظر: الأولى، ويتبناها النظام وحلفاؤه الدوليون والاقليميون، وتتمحور حول ضرورة ايجاد حل سياسي ينطلق من قناعة مركزية بضرورة اعتماد خارطة طريق للاصلاح السياسي يتأسس على حوار وطني شامل بعيداً عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي، سوى ذلك الذي يشجع على الحوار، وعلى الاصلاح معاً، هذه النظرة كانت صريحة في اعتبار النظام طرفا رئيسيا الى جانب المعارضة لأنه ما زال يحتفظ بشرعية ومشروعية كبيرة لا يستهان بها داخلياً، خصوصاً على الصعيد الشعبي، اضافة الى امتلاكه عوامل وعناصر قوة يعترف بها الجميع.
أما وجهة النظر الثانية التي يتبناها التحالف الغربي والخليجي وبدعم واضح من الكيان الاسرائيلي، اعتبرت الأزمة السورية فرصة لتقويض النظام كمدخل ضروري لإحداث تعديل جوهري في موقع ودور سوريا في المنطقة عموماً، وبالنسبة لجبهة الصراع مع العدو الاسرائيلي استندت وجهة النظر هذه الى تقدير بأن النظام لن يستطيع الصمود، وأنه سينهار سريعاً على مختلف الصعد، وخصوصاً أن استراتيجية الضغط المتنوع العناوين والأبعاد، والإنهاك والنزف المتواصل لعوامل قوّته ستكفل ـ في نظر هذا المحور ـ إنجاز الهدف الاستراتيجي المطلوب.
أما تفاصيل هذه الاستراتيجية، فيمكن إيجازها بالعناوين والعناصر الرئيسية التالية:
أ ـ هز شرعية النظام الدولية وصولاً الى افقاده أي شبكة أمان دولية فضلاً عن الاقليمية.
ب ـ هز الأوضاع الاقتصادية والمالية للنظام كمدخل لإحداث تفاعلات اجتماعية عامة، ولإفقاده التحالف الوثيق القائم بينه وبين قطاع رجال الأعمال.
ج ـ افقاده الشرعية العربية من خلال تعليق عضويته في الجامعة العربية، وبالتالي حرمانه من مداه الحيوي الطبيعي.
د ـ محاولة إثارة الأقليات والضغط عليها لدفعها على الأقل للابتعاد عن النظام.
هـ ـ هز الهيبة الأمنية للنظام للتشجيع على توسيع رقعة الاحتجاجات، وفتح الطريق أمام احداث تصدعات واسعة في مؤسساته الأمنية والعسكرية.
الأزمة السورية: هل حان أوان الحل السياسي؟و ـ توفير كل سبل الدعم للمعارضة الخارجية، وللمعارضة المسلحة في الداخل.
ز ـ بذل كل الاغراءات المطلوبة لإحداث ابتعاد سريع وتحلل واسع في مكونات النظام المتنوعة أو الداعمة له من سياسية وديبلوماسية وأمنية وعسكرية ودينية.
ح ـ شن حرب نفسية لا هوادة فيها لضرب معنويات النظام، وبناه المركزية.
ط ـ شن حرب اعلامية ضاربة لكسر صورة النظام والاضرار بها معنوياً وأخلاقياً وسياسياً.
ك ـ شن حرب استنزاف أمنية وعسكرية داخلياً، في سياق البحث عن مناطق أمنية يمكن أن تؤسس لمرتكزات لأي تدخل خارجي.
ل ـ اصطناع قضية انسانية في سياق حرب مركّبة لتشويه صورة النظام، ولزيادة الضغط عليه، ولتحويلها الى ركيزة لتدخل خارجي.
م ـ السعي المتواصل للحصول على قوننة لتدخل خارجي من مجلس الأمن، واذا امكن من خارجه.
ان نجاح هذه الاستراتيجية كان يتوقف على مجموعة مرتكزات أساسية، أبرزها:
ـ الحصول على غطاء من مجلس الأمن.
ـ توحيد المعارضة خلف برنامج موحد، ونجاحها في توسعة مروحة انتشارها.
ـ حدوث تصدعات فعلية في مفاصل النظام الرئيسية.
وكل ما عدا ذلك هو بمثابة نتائج أو تفاصيل أو عوامل مساعدة.
إن حصيلة عام ونيف من تطبيق هذه الاستراتيجية لم ينجز المطلوب:
ـ فشل التحالف الغربي ـ الخليجي في الحصول على الغطاء القانوني لتبرير أي تدخل خارجي من شأنه أن يساعد أو يعجل في قلب التوازنات الداخلية.
ـ فشل كبير في توحيد المعارضة التي خاضت بدورها تجربة سيئة جداً في الداخل كما في الخارج.
ـ فشل المعارضة أيضاً في إثبات قوتها داخلياً، حيث سرعان ما نجح النظام في توجيه ضربات موجعة واستراتيجية لها مؤخراً.
ومن المعلوم أن الرهان المركزي كان على وضع المعارضة العسكرية في حمص، وقيل كلام كثير عن أن مصير المعارضة يتوقف على مصيرها في حمص، وهذا كلام دقيق الى حد كبير.
ـ صمود النظام ومختلف مفاصل قوته داخلياً وخارجياً.
ـ نجاح النظام في الاحتفاظ بزمام المبادرة سياسياً وعسكرياً وأمنياً.
يضاف الى ما تقدم، تمتع النظام بشبكة أمان دولية وإقليمية وفرها له على نحوٍ رئيسي كل من الصين وروسيا وإيران.
هذه العوامل دفعت ـ كما يبدو ـ الولايات المتحدة على أقل تقدير الى العودة خطوة الى الوراء، فبعدما كانت تعمل مع أدواتها في المنطقة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي على السيناريو الليبي، اخذت تروج مجدداً للسيناريو اليمني ومحوره التسليم ببقاء النظام شرط التخلي عن الرئيس الأسد.
بكلمة أخرى، يمكن القول إن النظام ربح معركة البقاء، وبقي عليه ان يخوض معركة تدعيم هذا القدر من خلال عدم السماح بفتح "دفرسوار" فيه عبر صيغٍ معروفة التداعيات لا سيما في ما يتعلق بموقع الرئيس والرئاسة، فالرئيس الأسد ليس مجرد رئيس عادي، فاستهدافه هو في الحقيقة استهداف لرأس النظام، وبالتالي للنظام نفسه، وهنا يكمن الافتراق الرئيسي بين موقع الرئيس علي عبد الله صالح في اليمن والرئيس الأسد في سوريا، ومن نافل القول هنا، إن التحالف الغربي ـ الخليجي خاض معركة اسقاط الرئيس الأسد بنفس الضراوة التي خاض بها معركة اسقاط النظام، وهذا التحالف لم يفرّق لحظة واحدة بين الاثنين، اذ اعتبر اسقاط الأسد هو بمثابة اسقاط الحلقة الاستراتيجية الأساسية للنظام لا سيما في ما يتصل بموقعه ودوره في المنطقة وفي مواجهة الكيان الاسرائيلي.
هذا ما يفسر الاصرار الروسي على اعتبار الرئيس الأسد جزءاً عضوياً من الحل في مقابل اصرار التحالف الغربي ـ الخليجي على تحويله الى مشكلة او عقبة في طريق الحل. الأمر بالنسبة الى هذا التحالف يتجاوز الاعتبار المعنوي بكثير الى الاعتبارات ذات المغزى الاستراتيجي لاخراج الرئيس من المعادلة الجديدة لسوريا الجديدة، فهذا التحالف يدرك أيضاً قوة ورمزية الرئيس الأسد ليس فقط بالنسبة للنظام، وإنما على الصعيد الشعبي أيضاً.
في هذا المناخ من المتغيرات بدأ يرتفع منسوب الكلام عن ضرورة تقديم الحل السياسي للأزمة السورية على أي حلول أخرى، وفي هذا الإطار انطلقت الديبلوماسية الروسية والصينية لإيجاد التسوية المطلوبة وهي مسلحة بثوابتها المعروفة: أ ـ حل سياسي، ب ـ رفض التدخل الخارجي ج ـ حوار وطني، د ـ الأسد جزء من الحل.
وفي السياق نفسه جاء تحرك الأمم المتحدة من خلال تكليف الرئيس السابق لها كوفي أنان بمهمة مبعوث خاص لايجاد الحل السياسي المطلوب.
هل فرص ايجاد التسوية كبيرة، أم أننا سنشهد فصلاً جديداً من فصول المؤامرة على سوريا؟
اذا اقتنع التحالف الغربي ـ الخليجي بأن لا سبيل له سوى التوصل الى تسوية، فلا شك، أنه سيحاول انتزاع اكبر قدر ممكن من المكاسب، ما يعني أنه لن يتورع عن استخدام كل ما في جعبته من أوراق ضغط، واذا لم يقتنع، بل إن لديه قناعة أخرى بأن خسائره الحالية هي خسائر تكتيكية، ويمكن مع الوقت تحويلها الى مكاسب استراتيجية من خلال زيادة الضغط الاقتصادي والأمني والديبلوماسي، وبالتالي الرهان على عامل الوقت، فعندها سيراوغ وسيضع كل العراقيل الممكنة أمام التسوية، ما سيعني ابقاء الأزمة مفتوحة على بعض الجبهات التي على النظام الاستعداد لخوضها هو وحلفاؤه للفوز بها وصولاً الى تييئيس الاعداء وكسب شوط الحل السياسي المطلوب.
وفي هذا الإطار، ان التسوية الممكن تصورها، والمطروحة ربما على الطاولة هي بقاء النظام والرئيس مع اصلاحات تفضي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية واجراء انتخابات متعددة، مع تعديل أو تجيير ما لبعض الصلاحيات لرئاسة الحكومة، اي قد نشهد اعادة توزيع ما لمراكز قوة النظام وتوزيع أدوار متكامل، ولعل هذه النقاط هي التي قد تشكل محاور التفاوض الرئيسية.
2012-03-12