ارشيف من :آراء وتحليلات

سوريا المنتصرة... تصحح وجهة سير الثورات العربية!

سوريا المنتصرة... تصحح وجهة سير الثورات العربية!
عقيل الشيخ حسين

هنالك عوامل أساسية عديدة تحكم تطور الأوضاع ذات الصلة بالأزمة الناشبة في سوريا. منها الحسم على الأرض والعمل الديبلوماسي، والطبيعة المشينة للتحالفات المعادية لسوريا.

كفة الحسم على الأرض تميل بشكل واضح لمصلحة النظام السوري. فهو يتمتع بشعبية وازنة أثبتتها استطلاعات الرأي ومظاهرات التأييد. كما يتمتع بتفوق مماثل على المستوى العسكري أثبته سقوط بابا عمرو، المعقل الرئيسي للجماعات المسلحة، وانتقال المواجهات إلى إدلب المحاذية للحدود التركية، حيث تشير كل الدلائل إلى أن مصير المسلحين فيها لن يكون مختلفاً عن مصيرهم في حمص.

اللهم إلا إذا ما اعتمدت السلطات التركية سياسة تورط مشابهة لتلك التي اعتمدها بعض اللبنانيين في تهريب المقاتلين والأسلحة والأموال نحو حمص بالدرجة الأولى. بكلام آخر، إذا كان الوضع المعقد في لبنان لا يسمح بإخضاع الحدود لمراقبة صارمة، فإن تقديم تسهيلات عسكرية عبر الحدود التركية إلى سوريا، سيكون بمثابة إعلان حرب لن يلبث أن ينقل العدوى السورية إلى تركيا.

ففي تركيا أحزاب وجماعات إسلامية وعلمانية وكردية غير راضية على سياسات حزب العدالة والتنمية بوجه عام، وتجاه سوريا بوجه خاص، كما إن عشرات الملايين من الأتراك لن يترددوا، فيما لو زجت حكومتهم نفسها في مثل هذه الورطة، في دعم الجانب السوري. وما يقال عن تركيا في هذا المجال يقال عن بلدان أخرى كالأردن حيث يتجمع آلاف المقاتلين القادمين من ليبيا وأفغانستان وغيرها بانتظار إشارة الهجوم.

ومن الدلائل على أهمية التقدم الذي حققه الجيش العربي السوري في المجال العسكري، تلك الكميات الضخمة من الأسلحة والأعتدة التي تمت مصادرتها في حمص وغير حمص (بينها أسلحة إسرائيلية الصنع وطائرة بدون طيار)، وذلك العدد الكبير من المقاتلين والخبراء العسكريين الأجانب الذين قتلوا أو أسروا.

سوريا المنتصرة... تصحح وجهة سير الثورات العربية!

لقد تراجعت فكرة التدخل العسكري في سوريا على الطريقة الليبية. وعلى العكس من الرفض الظاهري من قبل البعض، استبقيت فكرة التدخل على الطريقة الأفغانية التي استخدمت ضد الوجود السوفياتي. لكن طريق الإرهابيين نحو سوريا لن تكون معبدة بالزهور، لأن سوريا التي نهضت بالمشروع القومي العربي التحرري وأفشلت عملية الاستسلام العربي رغم الحروب والضغوط والمؤامرات، والتي أقر الجميع بأنها ليست كليبيا، ستثبت أيضاً أنها ليست كأفغانستان الحقبة السوفياتية. فهي ستكون بالتأكيد أفغانستان الحقبة الأميركية مع قيمة مضافة كبيرة جداً.

على المستوى الديبلوماسي، وبالتوازي مع تراجع الغربيين عن مواقفهم المطالبة بتنحية الأسد، سقط رهان عرب أميركا الأخير على زحزحة روسيا عن موقفها المعروف منذ البداية. لا بل إن اللقاء الذي جرى في القاهرة بين وزير الخارجية الروسي، يفغيني بريماكوف، ووزراء الخارجية العرب، ومنهم السعودي والقطري، زحزح هؤلاء عن مواقفهم المتشددة لتأتي موافقتهم على النقاط الروسية الخمس بمثابة اعتراف بفشل كل ما بذلوه من محاولات لإلحاق الأذى بسوريا...

وتأتي بعثة آنان لتضيف إلى هذا الفشل فشلاً أكبر. فالمفاوضات جرت تحت السقف السوري، وفي ظل رئاسة الأسد، ومع المعارضة السورية العاملة في الداخل، ولم تترك للمعارضات الخارجية غير العويل وتوزيع الاتهامات في جميع الاتجاهات متهمة المجتمع الدولي بالتخلي عن الشعب السوري وحتى بالتخاذل.

قد نفهم سخط المعارضات على روسيا والصين، ولكننا لا نفهم سخطها على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والجامعة العربية وآخرين ممن وضعوا كل ثقلهم في دعم تلك المعارضات والترويج لها. ولا نفهم بالطبع كيف يمكن لمعارضة تحترم نفسها وتطمح إلى أن تكون الممثل الوحيد للشعب السوري، كيف يمكن لها ألا تمتلك أوراقاً غير التعويل على التدخل الخارجي من أجل وصولها إلى السلطة؟

سوريا المنتصرة... تصحح وجهة سير الثورات العربية!

ولجهة طبيعة التحالفات المعادية لسوريا، وفي ما يتجاوز الدور الأميركي ـ الأوروبي في هذا التحالف، وهو دور لا يشرف تحركاً يزعم أنه يخدم قضية التحرر، يأتي الدور الإسرائيلي ليشهد على نزع القناع الأخير عن وجه المعارضات السورية والجماعات الإرهابية المسلحة والجهات العربية التي تدعم هذه الجهات بالمال والسلاح.

فالدور الإسرائيلي بات مكشوفاً على أكثر من مستوى. من رعاية برنار هنري ليفي لتلك المعارضات، إلى الزيارات التي يقوم بها بعض أركانها إلى الكيان الصهيوني، إلى الوعود السخيّة بفك الارتباط بإيران وضرب حزب الله وإقامة علاقات حسن الجوار... إضافة إلى أشكال الدعم العلني التي يقدمها الكيان الصهيوني لتلك المعارضات.

إن بعض العرب، ومنهم بعض الإسلاميين الذين تسلقوا الثورات العربية، لا يجدون حرجاً في التحالف مع "إسرائيل" وفي التخلي عن القضية الفلسطينية. لكن هل سيتمكن المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الإسلاموي من تحقيق طموحات الثورات العربية؟

إن وعياً شعبياً زاخراً بالوعود قد بدأ يتجسد بضرورة المضي قدماً بالثورات العربية نحو بناء نفسها على أساس مقارعة أميركا والكيان الصهيوني والالتحاق بركب المقاومة الذي تقوده سوريا وإيران. وانتصار سوريا على المؤامرة سيرفع منسوب هذا الوعي بدرجة تكفي لكنس ما تبقى من بؤر الخيانة في العالمين العربي والإسلامي.
2012-03-13