ارشيف من :آراء وتحليلات

جعجع.. بلا "راعي"

جعجع.. بلا "راعي"

لا يخفى على أحد حجم التباين في الرؤية السياسية بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع. تباين وصل إلى حدّ التعارض والتنافر في المرحلة الأخيرة متخذاً منحى الصدام والافتراق الكامل بين الرجلين.
هذا ما كرّسه جعجع في مقابلته المتلفزة بالأمس والتي وصف فيها جعجع الراعي بأنه "يحوّر تاريخنا بأكمله". وكأنّ جعجع يريد أن يقول إن البطريرك الماروني انحرف عن مسار الثوابت المارونية التاريخية.

جعجع.. بلا "راعي"
في مقابلة الأمس أخرج جعجع نفسه من تحت العباءة الدينية التاريخية للموارنة. فقد جعجع غطاءً ودعماً طالما وفّر له شرعية ادّعائه تمثيل النبض الماروني الصافي. شرعية مكّنته وقواته من دخول قلوب الناشئة والأجيال الشابة الذين دغدغ فيهم عصبية الانتماء الطائفي وروح التوحّد في مواجهة الغرباء الذين يستهدفون الوجود المسيحي وقيمه.
وللدلالة على هذا السلوك تكفي مراجعة أدبيات جعجع طوال السنوات الست الأخيرة، وخصوصاً خلال الحملة الانتخابية عام 2009. آنذاك ركّز جعجع على الفوارق الثقافية والقيمية بين اللبنانيين. ركّز على أن فئةً لبنانية تريد فرض ثقافتها وقيمها على المجتمع المسيحي. هذا المجتمع لا يمكنه الدفاع عن ذاته وقيمه وتاريخه ومناطقه إلا بالالتحاق بمشروع جعجع السياسي.

خطاب جعجع هذا تهاوى بعد منطق الانفتاح وتصفير الخلافات الذي انتهجه الراعي. إنفتح البطريرك الماروني على كلّ المذاهب والمناطق. إستقبلته طوائف لبنانية مختلفة ما جعل ثقافة التخويف من الآخر دون مفعولٍ أو أثر. أصيبت الرؤية السياسية والاستقطابية بالشلل والعقم. هكذا بات جعجع مشروعاً سياسياً مكشوفاً بالكامل. فالأخير بقي حتى الأمس القريب لا يعترف بعروبة لبنان وانتمائه لمحيطه العربي. وجعجع جعل الحياد الإيجابي أيقونة خطابه السياسي، ورفض دعم المقاومة الفلسطينية والانخراط في أي مواجهة حقيقية مع العدو الإسرائيلي، كما روّج لمقولة قوة لبنان في ضعفه وطالب باعتماد سياسة سويسرية تجاه ما يدور حول لبنان من صراعٍ عربي صهيوني.


فجأةً تحوّل كلّ هذا الحياد إلى انخراطٍ شاملٍ في المواجهة السورية. بات جعجع خبيراً بدرعا وحمص وإدلب، ومنظّراً "للثورة العربية الكبرى" وداعماً لجماعات القاعدة والتكفيريين. إنه الانقلاب الشامل للمفاهيم والشعارات والسبب أن جعجع يشعر في قرارة نفسه أنه بلا راعٍ... فلا ضير إذاً من البحث عن راعٍ آخر حتى لو سكن قصراً ملكياً أو أميرياً في بلاد الخليج أو اعتمر عقالاً وجلس في خيمةٍ نصبت تحت نخلة.


بثينة عليق

2012-03-13