ارشيف من :آراء وتحليلات

الأزمة السورية: هل بدأت ظروف الحل السياسي تنضج؟

الأزمة السورية: هل بدأت ظروف الحل السياسي تنضج؟

عام كامل مرّ على الأزمة السورية، ولم ينجح التحالف العريض الاميركي ـ الخليجي ـ التركي ـ الاسرائيلي في إسقاط النظام، وذلك على خلاف تقديرهم الأوّلي بأن النظام لن يصمد أكثر من شهر.
في ضوء هذه النتيجة، هل وصل هذا التحالف الى لحظة الاعتراف الضمني بأنه لا سبيل الى وضع حد للأزمة إلا عبر حل سياسي، وبالتالي هل بدأنا نشهد ظروف انضاج بلورة تسوية سياسية، أم أن هذا التحالف سيركب رأسه ويستمر في مؤامرته على الشعب السوري قبل نظامه؟
إن جملة وقائع تقود الى الاستنتاج بأن فرص الانخراط الجدي في ايجاد تسوية سياسية باتت تتمتع بمصداقية، أبرز هذه الوقائع، هي:
أولاً: توافر شبكتي أمان دولية وإقليمية للنظام، الدولية قامت بنسجها كل من روسيا والصين. أهمية هذه الشبكة أنها عطلت أي امكان لقوننة أو تشريع أي تدخل خارجي من خلال الحصول على قرار من مجلس الأمن، هذا القرار الذي خاض التحالف المتآمر على سوريا معارك كبيرة، ومارس ضغوطا غير مسبوقة للحصول عليه، باعتباره المرتكز الضروري لإخضاع سوريا للسيناريو الليبي، أي فتح الطريق أمام عمل عسكري خارجي للتأثير على التوازنات الداخلية لمصلحته.
أما الشبكة الاقليمية فلقد نسجتها كل من ايران والعراق، اللتين وفرتا منافذ مهمة لاحتواء الضغوط الاقتصادية والمالية على الشعب السوري.
ثانياً: فشل التحالف الآنف في بلورة حركة معارضة داخلية عسكرية وسياسية ذات عمق شعبي فعلي:
 " مهمة أنان هي في الدرجة الأولى لايجاد مخرج يحفظ ماء وجه الغرب وغيره من الدول التي بدأت تجد نفسها أنها قد تسرعت في رفع سقوفها ورهاناتها "
أ ـ لقد بات معروفاً اليوم نوع الخطة العسكرية الداخلية التي كان يراهن عليها التحالف الآنف، والتي عمل لاتجاهها على إغراق المعارضة بالسلاح، وعلى إقدام مقاتلين غبّ الطلب من أكثر من دولة، هذه الخطة اعتمدت على ثلاثة محاور رئيسية: محور ريف دمشق الذي أريد له أن يشكل قاعدة للانقضاض على العاصمة، محور إدلب للانقاض على حلب. ومحور حمص وهو محور استراتيجي أساسي لإحداث فصل بين حلب والعاصمة. إلا أن النظام نجح في توجيه ضربات استرايتجية لهذه البؤر المركزية ما وجه ضربة قاصمة لعملية التغيير العسكرية وقلب المعادلة على نحوٍ نوعي لمصلحة النظام. أما المعارضة السياسية فلا تكاد تتفق على شيء، وبشهادة من يعمل على دعمها ليل ـ نهار، ولدرجة ذهب فيها الرئيس الفرنسي الى مخاطبة هذه المعارضة صراحة بأن وضع المعارضة يشكل عقبة أساسية، ولا إمكان لأي تدخل خارجي بدون معارضة قوية ومتماسكة.
ثالثاً: وجود قناعة معلنة لدى التحالف الآنف بأن لا سبيل لإحداث تغيير في توازنات القوة داخل سوريا، وأن النظام استطاع أن يحسم معركة الإمساك بالأرض لمصلحته.
رابعاً: ادراك التحالف الآنف بأنه يملك الآن أوراق ضغط قاسية لم يتمكن من تسييلها في مؤامرة اسقاط النظام، إلا أنه يستطيع تحويلها الى أوراق تفاوض مهمة لانتزاع بعض ما يطمح اليه.
هذه المعطيات توفر أرضية ملائمة وظروفاً مناسبة للدفع باتجاه حل سياسي، وخصوصاً أن إبقاء الأمور في حال من المراوحة القاسية من شأنه أن يفتح التكهنات على سيناريوهات لا تحمل أي تطمينات فعلية لأي طرف من الأطراف المعنية.
بناءً عليه بدأنا نشهد تحركاً من أكثر من جهة دولية ـ وإن لكل منها حساباته الخاصة أيضاً ـ تستهدف فتح ثغرة في جدار الأزمة باتجاه البحث عن حل سياسي. تحركت بكين وموسكو ومن ثم جاء التحرك الدولي عبر تكليف بان كي مون الرئيس السابق للأمم المتحدة كوفي أنان بمهمة مبعوث خاص لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، إضافة الى تسرب معطيات عن مبادرة عراقية لعرضها على القمة العربية التي ستعقد في بغداد أواخر الشهر الجاري.
عملياً، تبدو المبادرة الفعلية المطروحة على الطاولة هي مبادرة كوفي أنان وذلك لاعتبارات عدة أبرزها:
أولاً: إن أنان ما كان ليكلف لولا وجود قناعة آخذة في التبلور لدى التحالف المناوئ لسوريا، بأنه آن أوان البحث عن حل سياسي. وما كان أنان ليقبل لولا شعوره بأنه سيحظى بالدعم المطلوب.
ثانياً: ان مهمة أنان ـ وكما يبدو من سياق العديد من المؤشرات ـ هي في الدرجة الأولى لايجاد مخرج يحفظ ماء وجه الغرب وغيره من الدول التي بدأت تجد نفسها أنها قد تسرعت في رفع سقوفها ورهاناتها.
ثالثاً: ان مهمة أنان تأتي في لحظة التقاط فرصة التوازن الملائمة التي من شأنها أن تنزع بعض المكاسب قبل فوات الأوان.
هل ما تقدم، يعني أن مهمة أنان ستكون سهلة، وأن الوصول الى تسوية سيكون سريعاً؟
الواقع لا يقول بهذا، وذلك للأسباب التالية:
" أمام الشعب السوري المزيد من الانتظار المكلف، هذا من دون إلغاء السيناريو الآخر المتمثل بإصرار التحالف الجهنمي على أهدافه الا ان عامل الوقت يبقى سيفاً ذو حدين " 
أولاً: نحن لسنا بصدد البحث عن حل سياسي لأزمة داخلية بحتة، فهذا فهم مجتزأ لطبيعة هذه الأزمة، ان أي حل سياسي في بعده الداخلي يراد له ان يمثل على الأقل جزءاً من المصالح الاستراتيجية للأطراف الاقليمية والدولية المعنية مباشرة بهذه الأزمة، وهذا يقتضي بالدرجة الأولى تفاهماً دولياً ـ اقليمياً لتسهيل الحل السياسي. وهذا التفاهم لا يبدو سهلاً، كما لا توجد مؤشرات كافية عليه.
ثانياً: ان المعارضة تسلّم اليوم بأن توازن القوة الحالية ليس لمصلحتها، وبالتالي هي تفضل استعادة شيء من التوازن قبل الجلوس الى طاولة التفاوض، وإلا فإنها ستكون في عملية تفاوض فيها منتصر وفيها منهزم.
ثالثاً: النظام الذي قطع أشواطاً مهمة في خطة الاصلاحات السياسية، وتمكن في الآن نفسه من الإمساك بالأرض على نحوٍ استراتيجي، مع الاحتفاظ بكل أوراق قوّته الرئيسية، لا يتوقع منه ان يقبل بالتفاوض وكأن شيئاً لم يحدث، وبالتالي اعادة الأمور الى البدايات الأولى، وهو بالتالي سيصر على التفاوض من ضمن السقف الذي سبق له ورسمه.
هذه الاعتبارات تجعل من الصعب تصور ان الحل السياسي سيكون سهلاً، وبالتالي فإن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من الحشد لأوراق الضغط المتنوعة، في محاولة من كل طرف لتحسين شروط التفاوض لمصلحته، ولتسييلها مكاسب فعلية،ما يجعل مخاض الحل صعباً، وبالتالي فإن أمام الشعب السوري مزيداً من الانتظار المكلف، هذا من دون إلغاء السيناريو الآخر المتمثل بإصرار التحالف الجهنمي على أهدافه المركزية رهاناً منه على أن عامل الوقت سيعمل لمصلحته، وسيسمح له بتجاوز العديد من الاستحقاقات المكبّلة له الآن (التحضير للانتخابات الرئاسية في اميركا، والانتخابات الرئاسية الفرنسية... الخ) الا ان عامل الوقت يبقى سيفاً ذو حدين.
2012-03-17