ارشيف من :آراء وتحليلات

الإرهاب الأميركي: من ماي لاي إلى دمشق، مروراً بكابول وبغداد!

الإرهاب الأميركي: من ماي لاي إلى دمشق، مروراً بكابول وبغداد!
عقيل الشيخ حسين

المجزرة التي ارتكبها في بانجوى بأفغانستان بتاريخ 12 آذار/ مارس 2012 جندي أميركي، بحسب الرواية الرسمية (عدة جنود على ما أكده الشهود الأفغان) ليست مشابهة، على ما يقوله الرئيس الأميركي باراك أوباما بمجزرة ماي لاي التي ارتكبها الجيش الأميركي في فيتنام بتاريخ 16 آذار/ مارس 1968.

وأوباما محق في قوله فقط إذا لم يأخذ في الاعتبار غير عدد الضحايا في الحالتين: 16 في بانجوى، مقابل 500 في ماي لاي.

أما في ما عدا ذلك، فكل شيء متطابق: نساء وأطفال قتلوا بدم بارد في بلد محتل غزاه الأميركيون وحلفاؤهم بقصد تحضيره وتعليمه الديموقراطية وحقوق الإنسان.

وقد أعرب أوباما عن "حزنه العميق" إزاء هذا العمل الذي وصفه: كما وصفه غيره من قادة الدول الغربية الأعضاء في حلف الناتو بأنه "مأساوي" و"معزول".

"مأساوي"؟ لا ريب في ذلك. لا شيء أكثر مأساوية من أن يقوم رجل مسلح حتى أسنانه بإطلاق الرصاص على نساء وأطفال بلا حماية. أو بذبح إنسان مقيد بالأغلال والسلاسل.

"معزول"؟ لا ريب في ذلك أيضاً شرط النظر إلى جميع الفظاعات التي ترتكب يومياً في أفغانستان على أنها أعمال معزولة. فظاعات منها قيام الجنود الأميركيين بالتبول على جثث الضحايا الأفغان أو بإحراق نسخ من القرآن الكريم.

الإرهاب الأميركي: من ماي لاي إلى دمشق، مروراً بكابول وبغداد!

من الصعب، على ما يقوله وزير خارجية بريطاني سابق، معرفة الأسباب التي قد تدفع جندياً إلى قتل أشخاص مدنيين. ومع هذا، قدمت أطروحة الإصابة بالجنون والقتل تحت تأثير السكر الشديد. لكن تم بشكل منهجي استبعاد أسباب كالكراهية التي تتولد عن غسل الدماغ الذي يخضع إليه الجنود والمواطنون العاديون عندما تقدم لهم الأعراق الأخرى على أن أفرادها هم كائنات مرعبة ينبغي إبادتها.

أو كالضغينة والإحساس بالإحباط والمرارة اللذين يعيشهما الجندي عندما يلاحظ أن قادته يقيمون الاتصالات ويعقدون الصفقات مع الإرهابيين المزعومين الذين قطعوا آلاف الكيلومترات من أجل محاربتهم.

جندي يترك موقعه فجراً، وبكامل عدته الحربية يقتحم قرية مجاورة ثم يطلق النار فيقتل 16شخصاً قبل أن يعود إلى قاعدته دون أن يراه أو يسمعه أحد من زملائه أو رؤسائه! أين ذهبت اليقظة العسكرية لجيش الاحتلال الأميركي الذي تستهدفه يومياً هجمات رجال المقاومة الأفغانية المتمرسة بفنون حرب العصابات؟

ثم يتم سحب الجندي الجاني من أفغانستان وبعد أن يودع في مكان أمين داخل الولايات المتحدة، تنطلق الوعود بمحاكمته، دون أية مساءلة لرؤسائه!

لا بد للمرء أن يكون ساذجاً بما في الكفاية ليصدق مثل هذه الألاعيب: هذه العملية الإجرامية مخطط لها بعناية وتهدف إلى إرهاب الشعب الأفغاني في وقت تتصاعد فيه عمليات المقاومة.

ومن هنا فهي تنخرط في سياق منطق الاحتلال شأنها في ذلك شأن جميع الأعمال العدوانية التي تنفذ فوق الأراضي الأفغانية. ففي أفغانستان وباكستان تمحى قرى من الوجود ويموت المدنيون كل يوم تحت قنابل الطائرات بدون طيار التي يفترض أنها تلاحق إرهابيي طالبان والقاعدة التي تتنامى وتكتسح المزيد من الآفاق الجغرافية والسياسية.

الإرهاب الأميركي: من ماي لاي إلى دمشق، مروراً بكابول وبغداد!

وعلى المستوى العالمي، تحتل هذه العملية موقعها الطبيعي في التاريخ الإجرامي الطويل للولايات المتحدة وعلى لائحة الموت التي تضم الملايين من بني البشر الذين أبيدوا خلال فتح أميركا، أو تحت قنابل هيروشيما وناغازاكي، أو في الحرب العالمية ـ العربية بواسطة صدام حسين على إيران، أو في الحصار والحرب اللذين فرضا على العراق، أو في عشرات التدخلات العسكرية الأميركية التيي شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكل ذلك دون حساب ملايين الأشخاص الذين يموتون جوعاً في العالم الثالث وحتى في الولايات المتحدة وأوروبا بفعل إصلاحات البنك وصندوق النقد الدولي وبطشة الرأسمالية المتوحشة.

لقد شكل إرهاب الدولة جزءاً لا يتجزأ من الحروب التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها على الشعوب. وهذا الإرهاب عبر عن نفسه من خلال أوائل السيارات المفخخة التي كان يفجرها الصهاينة في شوارع المدن الفلسطينية عام 1948، أو في أوائل عمليات خطف الطائرات التي نفذتها الاستخبارات الأميركية والفرنسية خلال الأزمة الكوبية وحرب التحرير الجزائرية.

أما الآن، وفي ظروف احتضار القوى الإمبريالية بفعل ما مُنيت به من هزائم عسكرية في فييتنام والعراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين، فقد أخلت الحرب التقليدية المجال للحرب الناعمة وحصانها الرئيسي المتمثل بالإرهاب.

إن الولايات المتحدة وحلفاءها الأطلسيين والإقليميين من العثمانيين الجدد وعرب الخليج هم من يقفون وراء إرهاب مشابه لذاك الذي ضرب ماي لاي في فييتنام وبانجوى في أفغانستان. هذا الإرهاب يستهدف الآن سوريا، أي البلد العربي الذي أطلق ورشة القضاء على الأنظمة العميلة والوجود الإسرائيلي والهيمنة الأميركية في المنطقة... وذلك منذ اللحظة التي أفشل فيها عملية الاستسلام العربي أمام الكيان الصهيوني.

2012-03-20