ارشيف من :ترجمات ودراسات
نتيجة ردع حزب الله: باراك يقلب أولويات النظرية الأمنية الاسرائيلية
كتب علي حيدر
برغم أننا لا نتوقع أن يبادر وزير الأمن في كيان العدو، ايهود باراك، أو غيره من المسؤولين الاسرائيليين، الى الإفصاح عن الخطة الاسرائيلية المبيتة للبنان، الا انه لا يمكن القفز فوق مجموعة المواقف التي اطلقها باراك طوال فترة توليه للحقيبة الامنية في الحكومة الاسرائيلية، والتي تنطوي على اقرار مباشر او ضمني بأن اسرائيل غير قادرة على تغيير الواقع في لبنان، بشكل جذري، لمصلحتها ومصلحة الولايات المتحدة وحلفائهما في المنطقة العربية.
لكن الصياغة التي استخدمها باراك في التعبير عن موقفه كانت مغايرة، هذه المرة، من جهة تأكيده على اهمية ان الحكمة الاسرائيلية تفرض ان لا تخدع اسرائيل نفسها "بأننا قادرون على توجيه ضربة خاطفة والتخلص من كل التهديدات بضربة واحدة".
وحتى لا يفهم احد من هذا الكلام ما لا نقصده، ينبغي التأكيد على ان اسرائيل ما زالت وستبقى تكيد للبنان وشعبه ومقاومته، بل هذا ما يؤكده كلام باراك نفسه عندما يتحدث عن عجز اسرائيلي عن توجيه ضربة خاطفة وحاسمة، وليس عن تخلي اسرائيل عن نواياها العدوانية تجاه لبنان. بل اكثر من ذلك ينطوي كلامه على اقرار بأن ما منع الحرب من الحصول حتى الان هو جهوزية المقاومة وقدراتها.
لكن الجانب الاكثر اهمية في كلام باراك انه تحدث عن اولويات معاكسة تماما للنظرية الامنية الاسرائيلية القائمة، منذ تأسيس الكيان، على الردع والانذار والحسم.
بمعنى ان تبني هذه النظرية، وهو ما اكده تاريخ اسرائيل، يفرض عليها عندما لا يجدي الردع في مواجهة عدوها، وتحديدا فيما يتعلق بمراكمة قدراته التي تشكل خطرا عليها وعلى اطماعها، فإنها تبادر الى شن حرب وقائية في اسرع وقت وقبل ان يبلغ مراحل تصبح فيها المهمة اصعب والاثمان اكبر.
لكن من الناحية العملية نلاحظ ان اسرائيل في الوقت الذي تؤكد بنفسها ان قدرات حزب الله اصبحت اقوى بأضعاف مما كانت عليه قبل حرب 2006، وتيقنت من عدم نجاح كل تهديداتها واجراءاتها ومحاولاتها الحؤول دون مراكمة حزب الله لقدراته حتى تحول المقدر الاستخباري الى عداد للقدرات الصاروخية لحزب الله، لم تبادر الى شن حرب وقائية ضد حزب الله حتى الان.
وبعبارة اكثر مهنية متصلة بعناصر النظرية الامنية الاسرائيلية، بالرغم من فشل الردع الاسرائيلي الذي كان يفرض على قيادة العدو في ظل توافر الانذار (العنصر الثاني في النظرية الامنية) المتواصل بأن حزب الله ماض في بناء قدراته وانه كلما مر الوقت سيصبح اقوى مما كان عليه، لم تبادر اسرائيل طوال الفترة التي مضت، وفي ظل ادارة الرئيس بوش، الى شن حرب وقائية تحول دون وصول حزب الله ما وصل اليه.
هل يعني ذلك ان اسرائيل تخلت عن هذا الهدف؟
بالتأكيد الجواب هو النفي المطلق، بل لا يمكن لاسرائيل ان تتخلى عن هذا الهدف لأنه مرتبط بأمنها القومي وعلى المدى البعيد مرتبط بوجودها خاصة بعدما تحول حزب الله، بكل ما للكلمة من معنى، الى ركيزة اساسية في التوازنات الاقليمية.
لكن بدلا من ان يدفع فشل الردع اسرائيل للانتقال الى خيار الحسم، نجد ان باراك يسوّق لمقولة انه في ظل عدم امكانية توجيه ضربة خاطفة (اي في ظل عدم توافر امكانيات وظروف الحسم) ينبغي العمل على تعزيز عنصر الردع، ويقصد ردع حزب الله عن المبادرة لعمليات مباشرة على الحدود الشمالية وليس ردعه عن بناء القدرات (لأنه فشل)، انطلاقا من فرضية ان "تعزيز الردع يمنحنا هامشاً زمنياً لمدى طويل، وان اسرائيل تنمو وتزدهر في الهوامش الزمنية بين الحروب، وهذه هي حقيقة منطقتنا".
اما الى اي مدى ستبقى اولوية خيار الردع على خيار محاولة الحسم هي الحاكمة للسياسة الاسرائيلية فإن ذلك مرتبط بجهوزية الجيش الاسرائيلي، وبالتطورات السياسية الدولية والاقليمية.
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009
برغم أننا لا نتوقع أن يبادر وزير الأمن في كيان العدو، ايهود باراك، أو غيره من المسؤولين الاسرائيليين، الى الإفصاح عن الخطة الاسرائيلية المبيتة للبنان، الا انه لا يمكن القفز فوق مجموعة المواقف التي اطلقها باراك طوال فترة توليه للحقيبة الامنية في الحكومة الاسرائيلية، والتي تنطوي على اقرار مباشر او ضمني بأن اسرائيل غير قادرة على تغيير الواقع في لبنان، بشكل جذري، لمصلحتها ومصلحة الولايات المتحدة وحلفائهما في المنطقة العربية.
لكن الصياغة التي استخدمها باراك في التعبير عن موقفه كانت مغايرة، هذه المرة، من جهة تأكيده على اهمية ان الحكمة الاسرائيلية تفرض ان لا تخدع اسرائيل نفسها "بأننا قادرون على توجيه ضربة خاطفة والتخلص من كل التهديدات بضربة واحدة".
وحتى لا يفهم احد من هذا الكلام ما لا نقصده، ينبغي التأكيد على ان اسرائيل ما زالت وستبقى تكيد للبنان وشعبه ومقاومته، بل هذا ما يؤكده كلام باراك نفسه عندما يتحدث عن عجز اسرائيلي عن توجيه ضربة خاطفة وحاسمة، وليس عن تخلي اسرائيل عن نواياها العدوانية تجاه لبنان. بل اكثر من ذلك ينطوي كلامه على اقرار بأن ما منع الحرب من الحصول حتى الان هو جهوزية المقاومة وقدراتها.
لكن الجانب الاكثر اهمية في كلام باراك انه تحدث عن اولويات معاكسة تماما للنظرية الامنية الاسرائيلية القائمة، منذ تأسيس الكيان، على الردع والانذار والحسم.
بمعنى ان تبني هذه النظرية، وهو ما اكده تاريخ اسرائيل، يفرض عليها عندما لا يجدي الردع في مواجهة عدوها، وتحديدا فيما يتعلق بمراكمة قدراته التي تشكل خطرا عليها وعلى اطماعها، فإنها تبادر الى شن حرب وقائية في اسرع وقت وقبل ان يبلغ مراحل تصبح فيها المهمة اصعب والاثمان اكبر.
لكن من الناحية العملية نلاحظ ان اسرائيل في الوقت الذي تؤكد بنفسها ان قدرات حزب الله اصبحت اقوى بأضعاف مما كانت عليه قبل حرب 2006، وتيقنت من عدم نجاح كل تهديداتها واجراءاتها ومحاولاتها الحؤول دون مراكمة حزب الله لقدراته حتى تحول المقدر الاستخباري الى عداد للقدرات الصاروخية لحزب الله، لم تبادر الى شن حرب وقائية ضد حزب الله حتى الان.
وبعبارة اكثر مهنية متصلة بعناصر النظرية الامنية الاسرائيلية، بالرغم من فشل الردع الاسرائيلي الذي كان يفرض على قيادة العدو في ظل توافر الانذار (العنصر الثاني في النظرية الامنية) المتواصل بأن حزب الله ماض في بناء قدراته وانه كلما مر الوقت سيصبح اقوى مما كان عليه، لم تبادر اسرائيل طوال الفترة التي مضت، وفي ظل ادارة الرئيس بوش، الى شن حرب وقائية تحول دون وصول حزب الله ما وصل اليه.
هل يعني ذلك ان اسرائيل تخلت عن هذا الهدف؟
بالتأكيد الجواب هو النفي المطلق، بل لا يمكن لاسرائيل ان تتخلى عن هذا الهدف لأنه مرتبط بأمنها القومي وعلى المدى البعيد مرتبط بوجودها خاصة بعدما تحول حزب الله، بكل ما للكلمة من معنى، الى ركيزة اساسية في التوازنات الاقليمية.
لكن بدلا من ان يدفع فشل الردع اسرائيل للانتقال الى خيار الحسم، نجد ان باراك يسوّق لمقولة انه في ظل عدم امكانية توجيه ضربة خاطفة (اي في ظل عدم توافر امكانيات وظروف الحسم) ينبغي العمل على تعزيز عنصر الردع، ويقصد ردع حزب الله عن المبادرة لعمليات مباشرة على الحدود الشمالية وليس ردعه عن بناء القدرات (لأنه فشل)، انطلاقا من فرضية ان "تعزيز الردع يمنحنا هامشاً زمنياً لمدى طويل، وان اسرائيل تنمو وتزدهر في الهوامش الزمنية بين الحروب، وهذه هي حقيقة منطقتنا".
اما الى اي مدى ستبقى اولوية خيار الردع على خيار محاولة الحسم هي الحاكمة للسياسة الاسرائيلية فإن ذلك مرتبط بجهوزية الجيش الاسرائيلي، وبالتطورات السياسية الدولية والاقليمية.
الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009