ارشيف من :آراء وتحليلات

بيكين وموسكو: توازن عالمي جديد

بيكين وموسكو: توازن عالمي جديد
حمزة عباس جمول*
ان احداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر، أحدثت تغييرات ذات درجة عالية من الخطورة على عمل منظمة الأمم المتحدة وعلى مضمون العلاقات الدولية، فكان غزو افغانستان والعراق دليلاً واضحاً على تبدل المفاهيم القانونية، فأصبح القانون وسيلة لخرق القانون، وحجة الدفاع عن حقوق الانسان أصبحت حجة لقتل الانسان وانتهاك حقوقه، ومبدأ سيادة الدول اصبح في خبر كان.
على هذا النمط، استمرت الولايات المتحدة الاميركية بسياستها الخارجية. كل ذلك في ظل صمت روسي ـ صيني حائر بين الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع، وهو صمت اغرق المنطقة بويلات وحروب كنا في غنى عنها. ما حصل في لبنان عام 2006 من انتصار للمقاومة ضد الحرب الصهيونية ـ الأمريكية، كان بمثابة جرس انذار لاستيقاظ كل من روسيا والصين، وكانت الرسالة واضحة إن هزيمة "اسرائيل" في لبنان هي بالدرجة الأولى هزيمة لأمريكا، وبالتالي سياسة القطب الواحد بدأت بالانهيار".

لقد شهدت المنطقة العربية منذ العام الماضي أحداثا تاريخية تمثلت في انتفاضة الشعوب ضد الأنظمة الاستبدادية التي كانت معروفة بولائها للمعسكر الغربي، والتي أُدرجت عناوينه المتمثلة بحقوق الإنسان والديمقراطية تحت عنوان "الربيع العربي" التي سرعان ما استُغلت لتكون أداة لشن الحروب وقلب الأنظمة المعارضة للمعسكر الغربي ـ الاميركي واستبدالهما بأنظمة موالية.

إن بداية الأزمة السوريّة كانت فرصة لبكين وموسكو كي يقدما الى العلن النظام العالمي الجديد المتوازن والمتعدد الاقطاب. نظام قائم ليس فقط على مبدأ المصالح، بل أيضا على مبدأ احترام القانون الدولي، وتطبيق روح القانون المبني على تحقيق العدالة واحترام سيادة الدول. ان السؤال المثير في هذا المجال، هل تأثرت بكين بموسكو ام العكس في اتخاذ قرار استعمال حق النقض (الفيتو)؟
في مقالة للبروفيسر لي كنغسي تحت عنوان "رفض دبلوماسية الزوارق الحربية" قال إن "الفيتو الصيني في مجلس الأمن لم يكن نزوة عابرة بتأثير روسي، بل نتيجة تجربة طويلة وقاسية، كان الدافع الأساسي له همّ دعم تحقيق القانون الدولي ".


بيكين وموسكو: توازن عالمي جديد

أما فيما يتعلق بموسكو، فإن قرار الفيتو جاء أيضا بناء لتسلسل عدة احداث من أهمها، موضوع منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا، ورغبة موسكو بوضع حدّ للتعنت الاميركي، وانتقاما من واشنطن لدعمها للتظاهرات الأخيرة المعادية للنظام في موسكو.

ان التجربة الروسية في الحالة الليبية، كان لها أثر أيضا في تحديد استراتيجية موسكو الجديدة في مجلس الأمن. وكان فلاديمير بوتين صريحا في هذا المجال، اذ إنه في مقالته عن روسيا والعالم المتغير كتب يقول إنه "استنادا إلى التجربة المريرة، نحن ضد اتخاذ قرارات مثل التي اتخذها مجلس الأمن والتي من الممكن تأويلها كإذن بالتدخل العسكري في العملية السورية الداخلية ".

ولكن من الواضح بأن هناك تنسيقا روسيا ـ صينيا وتناغما في فهم مشاكل العالم، وهذا ما أشار اليه بوتين في مقالته السابقة الذكر، "بكين لها نفس الرؤية للنظام العالمي العادل الناشئ، كما هي لدينا. سوف نستمر في دعم بعضنا البعض على الصعيد الدولي وحل المشاكل العالمية والمحلية وتعزيز التعاون في مجلس الأمن الدولي وفي منظمة شانغهاى للتعاون، وفي مجموعة الدول الـ "20" للتعاون، وفي المنظمات المتعددة الأطراف الأخرى ".

يضاف الى ما سبق، أن لسوريا وضعا خاصا لدى روسيا والصين نظراً لتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية وحتى الدينية. ان ما طرأ من تغيير على السياسة الخارجية للصين وروسيا يدعو للبحث والتأمل بما هو آت بعد ذلك في ظل العوامل التالية:
1ـ نجاح الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد في اشارة واضحة الى بداية نهاية الأزمة السورية.
2ـ فشل كافة الضغوط الغربية على إيران واستمرار الجمهورية الاسلامية بالمشروع النووي السلمي.
3ـ فوز بوتين في الانتخابات الرئاسية الروسية.
4ـ بقاء العراق في الفلك السوري ـ الايراني.
اذاً وبفعل الأزمة السورية، فقد تبدلت موازين القوى ولم نعد نعيش في ظل هيمنة القطب الواحد، وهذا سيجعل العالم أكثر أمنا وأكثر خطورة على حد سواء. أكثر أمناً لأن توازن القوى هذا سيمنع انقضاض الدول الكبرى على دولة واحدة على غرار ما حدث في افغانستان والعراق وليبيا مؤخراً، وأكثر خطورة لأنه في حال نشوب أي صراع في المنطقة، سيكون صراعاً شاملا لإعادة فرض سيطرة قطب واحد على العالم.
ان المعطيات السياسية وإعادة التموضع الجيوسياسي الحالي، يشيران الى ان المنطقة مقبلة على مرحلة " تكسير الرؤوس"، فالصين وروسيا من جهة لن تسمحا بعودة الأمور الى ما قبل جلسة مجلس الامن في الرابع من شباط /فبراير وخصوصا بعد نجاح حليفهما الاسد باجتياز المرحلة الخطيرة من الازمة. ومن جهة ثانية، فان الولايات المتحدة الأميركية ما زالت ترفض قبول الواقع العالمي الجديد المتعدد الأقطاب، وأصبحت الادارة الاميركية المصابة بجنون القوة، كالملكة التي اصابها جنون الجمال في قصة بياض الثلج، وباتت بدورها تسأل المرآة المعلقة على الجدار، أيتها المرآة من الأقوى أنا أم بكين وموسكو؟

*كاتب لبناني
2012-03-23