ارشيف من :آراء وتحليلات

وبعد تنفيذ المهمة... يكافأ الإرهابي العميل برصاصة في الرأس!

وبعد تنفيذ المهمة... يكافأ الإرهابي العميل برصاصة في الرأس!
عقيل الشيخ حسين

كيف يمكن لشخص من عيار محمد مراح، فرنسي من أصل جزائري، يلتحق بأفغانستان حيث يقاتل لسنوات في صفوف القاعدة، ثم يعتقل من قبل الجيش الأميركي، ويسجن لمدة ثلاث سنوات... كيف يمكن له أن يهرب من سجنه داخل قاعدة أميركية؟

وكيف يمكنه بعد ذلك أن يخرج من أفغانستان وأن يخترق الحدود والمطارات وأن يعود إلى فرنسا، رغم الإجراءات الصارمة المعروفة في مكافحة الإرهاب، وخصوصاً رغم كونه معروفاً وخاضعاً لمراقبة أجهزة الاستخبارات الفرنسية؟

ثم، ورغم ذلك كله يتمكن من تنفيذ هجوم إرهابي يقتل فيه، من على ظهر دراجته النارية، جنديين فرنسيين (بعد أن كان أخوه قد قتل جندياً آخر)؟ ثم ينتظر أياماً قبل أن ينفذ هجومه الثاني، من على ظهر دراجته ذاتها، فيقتل حاخاماً يدرّس في مدرسة يهودية، إضافة إلى ثلاثة أطفال من تلامذة المدرسة نفسها؟

إجابات عن هذه التساؤلات، وعن تساؤلات أخرى، كان يمكن الحصول عليها لو وضعت السلطات الفرنسة يدها على محمد مراح وأخضعته لتحقيق من النوع النادر الذي يتوخى الكشف عن الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. لقد وضعت السلطات الفرنسية يدها على محمد مراح. لكنه كان جثة هامدة مقتولاً برصاصة في الرأس بعد أن حوصرت شقته... وبعد مفاوضات طويلة أبدى خلالها استعداده لتسليم نفسه.

وهكذا، لم يعد من الممكن ـ اللهم إلا إذا شاءت المقادير والصدف ـ أن يقتات الناس على غير "الحقائق" المفبركة المسيسة. كما هو الحال، على سبيل المثال لا الحصر، مع الديباجات ذات الصلة بالهجمات على نيويورك وواشنطن، وتفجيرات مدريد ولندن، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وما تبع اغتياله من اغتيالات في الساحة اللبنانية.

وبعد تنفيذ المهمة... يكافأ الإرهابي العميل برصاصة في الرأس!

لا بل مسيسة في غاية التسييس، عناصرها ضحايا وإرهابي قاتل. الضحايا هم جندي فرنسي أصيل، وجنديان فرنسيان من أصل جزائري (الفرنسيون غالباً ما يقفزون فوق الحدود الوطنية ويطلقون صفة العربي دونما تمييز كبير بين جزائري ومغربي ومصري)، وأربعة فرنسيين من الطائفة اليهودية (على العكس من الفرنسيين المسلمين، اليهود معروفون في فرنسا بوصفهم يهودا فرنسيين). أما القاتل فهو إرهابي عربي لأن كلمة عربي اكتسبت حالياً وقعاً أكثر إثارة من كلمة جزائري في زمن حرب الجزائر، وذلك رغم التطور الكبير الذي تمثل مؤخراً بظهور كلمة " عربي" ملتصقة كأشد ما يكون الالتصاق بكلمة "غربي" في التحالفات الدولية.

وإذا حاولنا أن نترجم الرسالة التي تنطق بها هذه المعطيات بالشكل الذي ترتسم به في مخيال المواطن الفرنسي العادي والغربي عموماً، نحصل على الصياغة التالية: إرهابي عربي يقتل جنوداً فرنسيين ومواطنين من اليهود. تكريس للتقليد الغربي القديم الذي يشيطن العربي حتى ولو كان ولاؤه للغرب أكبر من ولائه لوطنه ولنفسه. ودليل إضافي على صحة وضرورة التحالف بين فرنسا والكيان الصهيوني.

وإذا ما تسلل بعض الشك بهذه المقولة إلى بعض الأذهان، يأتي المعطى الذي لا يقهر ليزيل كل الشكوك: الضحايا اليهود هم رجل دين يمارس مهنة التدريس في إحدى المدارس اليهودية، وثلاثة أطفال من تلامذة المدرسة ذاتها. وهل من جريمة توازي قتل الأطفال؟!

أما إذا حاولنا أن نتتبع مسارها إلى المخيال العربي فسنجد صورة مضطربة أيّما اضطراب. إضافة إلى حرج المسؤولين عن المؤسسات الإسلامية الفرنسية الذين يداومون على عقد الاجتماعات الانفتاحية والتوافقية مع ممثلي الطوائف الأخرى، وفي طليعتها الطائفة اليهودية، يضاف حرج آخر: هنالك أيضاً ضحايا مسلمون من أصل عربي.

وهكذا تبرز بوضوح معالم جبهة المواجهة، محلياً وفي الإطار الدولي. الإرهابي العربي يقتل الفرنسيين واليهود والعرب. وهؤلاء مدعوون للدفاع عن أنفسهم إزاء ذلك الإرهابي.

وبالطبع، مات الإرهابي وشبع موتاً. لكن المشكلة لا تزال قائمة، ولا بد من إيجاد ترجمة للمشكلة. ودون أن نبحث طويلاً نجدها في صورة الوضع الذي آل إليه ما يسمى بالثورات العربية.

وبعد تنفيذ المهمة... يكافأ الإرهابي العميل برصاصة في الرأس!

هنالك دائماً عربي مشيطن: النظام السوري، حزب الله، بعض فصائل الثورة الفلسطينية، أو اليمنية، النظام السوداني وإيران (الفرنسيون والغربيون لا يدركون الفرق بين الإيراني والعربي). إنه معسكر الشر في وجه معسكر الخير المتمثل بعرب الاعتدال والتعقل وباليهود والغربيين.

على هذا تكون عمليات محمد مراح قد عززت التحالف الغربي ـ الإسرائيلي ـ العربي المعتدل. وعززت بوجه خاص حظوظ نيكولا ساركوزي بولاية رئاسية ثانية بعد أن كانت تعاني من هبوط يتسارع مع اقتراب المعركة الانتخابية.

كما عززت الخطاب الإسرائيلي الذي بطش بكاترين آشتون، المندوبة السامية في الاتحاد الأوروبي لشؤون الخارجية والأمن، لأنها حاولت الظهور بمظهر المتوازن عندما ذكرت، في معرض كلامها عن الضحايا اليهود في تولوز، ما تتعرض له غزة وأطفالها من أشكال الاضطهاد.

إذ لا يمكن من وجهة النظر الإسرائيلية أن نقارب بين الإسرائيليين الذين "يدافعون عن أنفسهم" وبين الإرهابيين الذين يطلقون عليهم الصواريخ من غزة. وعليه، بات على آشتون أن تقدم اعتذاراً صريحاً للإسرائيليين... وإلا.

خلاصة: الغرب يخلق الإرهاب ويكلفه القيام بأنشطة معادية ظاهرياً ولو كانت ضحاياها من مواطني الغرب، لكنها تخدم الاستراتيجيات الغربية وسياسات الهيمنة. أما الإرهابي، وهذا ينطبق على مختلف أصناف العملاء، فيتخلصون منه ومن كنوز معلوماته... برصاصة في الرأس.

2012-03-23