ارشيف من :آراء وتحليلات

مبادرة أنان والبيان الرئاسي: بداية مشوار الحل السياسي للأزمة السورية

مبادرة أنان والبيان الرئاسي: بداية مشوار الحل السياسي للأزمة السورية

هل ثمة شيء بدأ يتحرك في المياه الراكدة للأزمة السورية؟ هل دخلت الأطراف المتصارعة على سوريا وفيها مرحلة الاقتناع بأنه قد آن أوان الشروع في ايجاد حل سياسي للأزمة السورية؟ وأخيراً هل تكليف الرئيس السابق للأمم المتحدة كوفي أنان هو تعبير عن هذا الاقتناع، أم مجرد حاجة لملء المزيد من الوقت لأزمة يخشى أن يؤدي أي فراغ فيها الى ما لا تحمد عقباه؟
نطرح هذه الأسئلة بمناسبة مزدوجة: الأولى، تحويل ورقة كوفي أنان من لا ورقة بالمعنى الديبلوماسي للكلمة، والكشف عن بنودها الستة في صياغتها المتفق عليها دولياً. والثانية، صدور بيان رئاسي غير ملزم يؤيد مهمة أنان، ثمة ملاحظات تسجل هنا، أبرزها:
أولاً: أن مبادرة أنان هي أول مبادرة تعني الأزمة السورية، تشكل محل اجماع دولي، وإذا أخذنا بالاعتبار، أن أنان قدم بوصفه مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة والجامعة العربية، فمقتضيات ذلك، أن هذه المهمة أيضاً تحظى بدعم عربي عام.
ثانياً: إن صدور بيان رئاسي لا يتمتع بصفة الإلزام يُبقي هامش مناورة متوازناً لكل الأطراف التي وافقت عليه داعمة مبادرة أنان. كما إن هذا البيان يشكل بديلاً إسنادياً تعذر الحصول عليه من مجلس الأمن الذي يبقى المرجعية الدولية الوحيدة التي بإمكانها أن توفر الأسباب اللازمة لفرض تنفيذ أي قرار.
ومن المعلوم، أن أنان كان يدرك أنه كلف بمهمة تفتقد الى الإسناد المطلوب، ولذا أصرّ على صدور بيان رئاسي في هذا الاتجاه.
كما إن أنان المتحدر من تجربة طويلة في ألاعيب مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة، يعرف تماماً الشروط اللازمة لإنجاح أي مسعى ومن بينها التوقيت الملائم، وعامل الوقت الضروري لإيجاد المخرج المطلوب. وهذا ما طالب به، ويبدو أنه حصل عليه اضافة الى الدعم اللوجستي.
ثالثاً: ان مبادرة أنان، وصدور بيان رئاسي مؤيد وداعم لها، ما كانا ليكونا لولا ما آلت اليه التوازنات الخاصة بالأزمة السورية:
أ ـ قوة دولية وخليجية لم تتمكن من أن تترجم نفسها الى قدرة ديبلوماسية في مجلس الأمن بفعل القوة المعطلة الروسية ـ الصينية المشتركة.
ب ـ عجز التحالف الغربي ـ الخليجي عن جمع المعارضة السورية وتحويلها الى واقع سياسي وشعبي يمكن البناء عليه، ويمكن ان يتحول الى نقطة ارتكاز استراتيجية وازنة في مواجهة النظام. فالمعارضة بقيت تعاني من أزمات بنيوية وهيكلية ببعديها السياسي والعسكري، وبدلاً من أن تتوحد عانت المزيد من التشرذم والانقسام.
ج ـ نجاح النظام في رفع شعبيته، وفي توجيه ضربات ذات مغزى استراتيجي للمعارضة العسكرية، ما وفر له المزيد من تأرجح المعادلة الداخلية لمصلحته.
وفي هذا الإطار، جاءت التفجيرات الأمنية لتعوّض الخسارة العسكرية، ولتلقي المفاعيل السياسية والأمنية للانجازات العسكرية للنظام، إلا أن شأنها شأن من يستخدم هذا النوع من الأسلحة، فهو من حيث قد يسجل بعض النقاط، يخسر نقاطاً لا تقل أهمية، لا سيما على صعيد الرأي العام الداخلي والخارجي، وبما يعزز وجهات نظر النظام على حساب وجهات نظر المعارضة.
خلاصة هذه التطورات الرئيسية أفضت الى نوع من التوازن السلبي في المواجهة المفتوحة دولياً وإقليمياً ومحلياً، لا سيما في ظل إمساك التحالف الغربي ـ الخليجي بأوراق مؤلمة وإن لم تكن حاسمة كورقة العزل الدولي وورقة الحصار والاطباق الاقتصادي ـ المالي، اضافة الى الورقة الأمنية.
رابعاً: ان الاصرار على تقديم أنان بصفته مبعوثا مشتركا أمميا وعربيا يراد منه التأكيد على جملة أمور أبرزها:
أ ـ أن أنان لا يحظى بغطاء دولي فحسب، وإنما بغطاء عربي أيضاً، ما يزيد من قوة الدعم الضرورية لمهمته.
ب ـ ان الدور العربي حاضر في مبادرة أنان، وأن مبادرته ليست بعيدة عن المبادرات العربية المعلنة.
ج ـ صحيح أن الرئيس الأسد أبلغ أنان أنه يتعامل معه بوصفه مبعوثاً دولياً فقط، إلا أن هذا لا يلغي عملياً صفة التكليف الخاصة به، خصوصاً بعد صدور البيان الرئاسي.
خامساً تزامن مع تكليف أنان وصدور البيان الرئاسي صدور مواقف غربية تحاول الاقتراب من الموقف الروسي، وبالتالي تسجل تغييراً وإن كان لا يرتقي الى درجة القول بأن الحل السياسي بات وشيكاً.
سادساً: الأمر عينه صدر عن موسكو وإن كان على نحوٍ لافت، حيث ـ ولأول مرة ـ تخرج موسكو انتقاداتها الضمنية لدمشق الى العلن، هذه الانتقادات ـ وبحسب ما يعرف كثيرون ـ ليست جديدة، وإذا كان من جديد فيها، فهو إخراجها الى العلن بهذا التوقيت، وعلى نحوٍ مكرر، ما يعني أن موسكو تريد أن تحتوي الضغوط الهائلة التي تمارس عليها في سياق عملية تشويه حقيقة موقفها من الأزمة السورية، لتقول بأنها وهي تؤيد النظام ترسم مسافة مهمة عنه، وتتعاطى معه من موقع نقدي، وبما تراه الأنسب لتقليل معاناة السوريين وإيجاد الحل السياسي المناسب من جهة، ومن جهة أخرى، لتمارس نوعاً من الضغط الديبلوماسي غير المباشر لإقناع دمشق بتسهيل مخارج الحل باعتباره الأنسب لها ولدمشق ولحلفائهما.
ولا يبعد هنا أيضاً، ان يكون الموقف الروسي يقع في هامش المناورة المسموح به في ظل التحالف والدعم الاستراتيجي التي تقدمه موسكو لدمشق.
سابعاً: بالنسبة لمضمون المبادرة، يمكن تسجيل الملاحظات الرئيسية التالية:
أ ـ ان المبادرة هي أشبه بالمبادرة العربية التي سبقت ارسال موفدين أو بعثة مراقبة عربية الى دمشق، إلا أنه جرى تطعيمها بمواقف روسية خصوصاً في ما يعني التركيز على الحل السياسي وبقيادة سورية وعبر حوار جامع.
صحيح هنا، أن المبادرة لم تُسمِّ النظام او الحكومة السورية، وإنما اكتفت بتعبير عام، إلا أنه بالتالي وبالنظر الى واقع الأمور، لا تصرف، إلا من القيادة هنا الا على النظام بمكوناته الرئيسية.
ب ـ وضعت المبادرة الأنانية المبادرة القطرية الأخيرة وراءها، حيث لم تنطلق من نقطة الدعوة الى استقالة الرئيس الأسد، وتسليم السلطة الى قيادة انتقالية، ما يعني عملياً التسليم بأن لا حل إلا مع القيادة السورية الحالية، وشخصياً مع الرئيس الأسد.
ج ـ ان دعوة المبادرة الى تكليف جهة محاورة مقررة قد يشتم منها مراعاة للمعارضة لكي لا تخوض حواراً مباشراً مع النظام، الأمر الذي سيعني من قبلها العودة الى الاعتراف به وبقوّته التمثيلية بعدما بنت كل سياستها ومواقفها على النقيض من ذلك، إلا أن هذا الأمر يبقى شكلياً بالقياس الى أن الشخصية المقررة ستبقى لها مرجعيتها المكلفة والمقررة أيضاً.
د ـ سجلت المبادرة اعترافاً دولياً عاماً وعربياً أيضاً هو الأول من نوعه لجهة وجود معارضة عسكرية، وعنف متبادل، وان أوحت بأنه من جهة النظام أكثر نظراً لانعدام التوازن القوي بين الاثنين.
هـ ـ النقاط الأخيرة ذات الطابع الانساني أو الاعلامي او الذي يمس الحريات العامة سبق ووردت في المبادرات العربية، وبالتالي هي ليست بالأمر الجديد، نعم الجديد هو وضع، سواء وقف اطلاق النار، أو انسحاب القوات المسلحة، او تنفيذ هذه البنود تحت اشراف "فاعل" من الأمم المتحدة، من دون تحديد معنى "فاعل"، ولا الكيفية اللازمة لجعله فاعلاً. ربما هنا، قد يكون المنظور اليه تعويض ما فات في تجربة المراقبين العرب، حيث جاءت تقاريره لمصلحة النظام أكثر منها لمصلحة المعارضة، كما أن الهدف المركزي منه، المتمثل بتشجيع الناس من النزول الى الشارع لم يتحقق، فقد يكون الهدف هو استخدام أو توسل نفس الوسائل لقلب التوازنات الداخلية من الداخل برهان مضمر على أن رقابة متمرسة وخبيرة من شأنها أن توفر فرصاً من هذا النوع.
و ـ في مطلق الأحوال، إن مبادرة أنان أولاً، مبادرة كلية ـ اجمالية تحتاج بنودها الى تفصيلات، وبالتالي الى المزيد من الأخذ والرد.
وثانياً، هي مبادرة تعكس واقع التوازنات الدولية والاقليمية والداخلية التي آلت اليها الأزمة السورية، ثالثاً، هي مبادرة تشكل سلّماً لكل الأطراف خصوصاً التحالف الغربي ـ الخليجي والمعارضة السورية للنزول عليه باتجاه حل سياسي، خصوصاً بعد السقوف المرتفعة التي وضعها هؤلاء في تعاطيهم مع الأزمة السورية.
هل يعني هذا ان الحل بات في متناول اليد؟ أقصى ما يمكن قوله إنه اذا صلحت النوايا وكانت جدية للتحالف الغربي ـ الخليجي والمعارضة، فإننا سنشهد أول خطوة أساسية في مسار الحل، إلا أنه وكأي حل سياسي لأزمة متشابكة الابعاد والأهداف الجيو استراتيجية دولياً وإقليمياً وداخلياً، فإن مساره سيكون متعرجاً، وعرضة لضغوط متنوعة لتحسين الشروط، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المطالب، كما سيكون دونه عقبات ليست بالسهلة.
ما عدا ذلك، أي في حال فشلت مبادرة أنان فنحن أمام محطة جديدة من مسار أزمة ستبقى مفتوحة على لعبة عامل الوقت.

2012-03-26