ارشيف من :ترجمات ودراسات

الحكومة الإسرائيلية الجديدة: "خفض التوتر مع واشنطن"

الحكومة الإسرائيلية الجديدة: "خفض التوتر مع واشنطن"

إعداد: علي شهاب
عشية الإعلان عن تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، أصدر برنامج "دراسات السلام في الشرق الأوسط" التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تقريرا موسعا وضعه الباحث، من أصل يهودي، "دايفيد ماكوفسكي" في محاولة لاستشراف الطابع العام الذي ستسير عليه الحكومة الجديدة.
واستهل ماكوفسكي تقريره بالإشارة الى أنه "على الرغم من أن وسائل الاعلام الأميركية كانت قد ركزت على إدراج أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني، في الحكومة المقبلة، فإن الخبر السياسي الأهم هو استمرار إيهود باراك في منصبه وزيراً للدفاع. وفي حين ينتمي باراك وبنيامين نتنياهو إلى جناحين سياسيين مختلفين، يبدو أنهما يتشاطران وجهات نظر مشتركة حول "القضايا المتعلقة" بإيران وسوريا والسلطة الفلسطينية. فإيهود باراك، وجه مألوف لكبار المسؤولين الأميركيين، وقد يساعد ناتانياهو أيضاً في تجنب تصعيد التوتر مع واشنطن".

تركيب الحكومة الجديدة
تشمل الحكومة التي يقودها حزب «الليكود» ـ 69 مقعداً في الكنيست من أصل 120  ـ ما يصل الى 30 وزيراً، وتعتبر الأوسع في تاريخ "إسرائيل". لقد كان الفشل الرئيسي الذي واجه ناتانياهو منذ الانتخابات هو عدم قدرته على إقناع وزيرة الخارجية المنتهية ولايتها وزعيمة حزب «كاديما»، تسيبي ليفني، بالانضمام إلى ائتلافه بعد أن حصل حزبها على 28 مقعداً في الكنيست. فقد رفضت ليفني دعوة ناتانياهو، مشيرة إلى عدم رغبته في الالتزام بـ"عملية السلام" مع الفلسطينيين المبنية على أساس حل الدولتين.
وفي حين لاحظ الكثير من المراقبيين الأميركيين "تجديدات" ليبرمان ـ رئيس حزب المهاجرين الروس ووزير الخارجية الجديد المثير للجدل ـ وهو يتحدث بصراحة والاحتمال الوارد بأنه قد يقود "إسرائيل" نحو اليمين بصورة أكبر، يعتقد معلقون إسرائيليون بأنه سيكون أقل أهمية، خصوصاً وقد "بدأت" تلوح في الأفق لائحة اتهام محتملة ضده "حول ملف معين يتم التحقيق فيه منذ مدة طويلة". وفي الواقع، هناك ما يدعو للاعتقاد بأن ناتانياهو وزعيم حزب "العمل" إيهود باراك سيكونان أركان التحالف "في الحكومة الجديدة". ففي "إسرائيل"، وزير "الدفاع" هو بمثابة الحاكم العسكري للضفة الغربية ويتمتع بسلطة على القضايا الأمنية الإقليمية أكبر بكثير من تلك التي يمتلكها وزير الخارجية، الذي كثيراً ما استُبعد في الماضي من عمليات صنع القرار.

ناتانياهو وباراك: تعاون رجال "الكوماندو"

هناك الكثير من أوجه الشبه بين "نتنياهو" و"باراك". فقد انتخب كل منهما رئيساً للوزراء في تسعينيات القرن الماضي، وكلاهما كان قد هُزم بصورة واضحة في انتخابات لاحقة. وقبل ذلك بعقدين - في أوائل السبعينيات - خدم "نتنياهو" في الجيش الإسرائيلي تحت قيادة "باراك"، في وحدة الكوماندو النخبوية، "سييريت مطكال" (وحدة مجوقلة خاصة تابعة لرئاسة الأركان).
على هذا النحو، يبدو أنهما يتشاركان مع "الكوماندو" وجهة النظر تجاه العالم وهي: السرية المطلقة بين دائرة ضيقة (من الضباط) واستخدام وسائل غير تقليدية للوصول إلى أهداف ثابتة. والمعروف أن كليهما يتمتع بثقة غير عادية بالنفس، والتي غالباً ما ينظر إليها كغطرسة، ولكن يبدو أن كلاً منهما يحترم الآخر كمفكر استراتيجي.
بالطبع، إن التحالف هو ليس مجرد لقاء عقول، فهو يخدم المصلحة الذاتية السياسية لكلا الزعيمين. فمن جانبه، احتاج "إيهود باراك" إلى الانضمام الى التحالف (الحكومي) من أجل المحافظة على منصبه السياسي، لأنه لو بقي في المعارضة لكان قد أُطيح به، على الأرجح، كرئيس لحزب "العمل".
بالخطوة التي اتخذها ناتانياهو بإضافته إيهود باراك إلى حكومته - الغامضة (في سياستها) تجاه القضية الفلسطينية - قوض زعيم حزب «الليكود» هوية حزب «العمل» كإيديولوجية بديلة.
وفي الوقت نفسه، سيقوم ناتانياهو بالإشارة الى إيهود باراك كوسيلة لاحتواء الهجمات التي (ستشنها) ليفني من قبل المعارضة (والتي ستدّعي) بأن حكومته لا تدعم السلام بما فيه الكفاية.
ومن خلال توسيع قاعدة حكومته، يخفف ناتانياهو من اعتماده على الاحزاب الصغيرة العضوة في الائتلاف الحكومي.
واذا نجح في إدخال حزب «يهودية التوراة المتحد» (إلى الائتلاف الحكومي) كما هو متوقع، سيتضمن ائتلافه 74 عضواً، وهذا يعني أنه حتى في حالة انسحاب حزب «العمل» من الحكومة، فإن ذلك لن يحرمه من الأغلبية البرلمانية.
علاوة على ذلك، ستكون المعارضة منقسمة بين أولئك الذين هم يساراً من ناتانياهو (في الخارطة السياسية الإسرائيلية) وبين فصيل «الاتحاد الوطني» اليميني المؤيد للمستوطنين، وهي مجموعة تعتقد بأن ناتانياهو ليس ملتزماً بشكل كاف بمشاريع المستوطنين.

القضايا الإقليمية

يبدو أن ناتانياهو وإيهود باراك، يتشاطران وجهات نظر مشتركة حول عدد من القضايا الرئيسية، بالرغم من أنهما يمثلان أطرافا سياسية مختلفة. وفي الواقع، أن القضية الوحيدة التي يبدو أنهما يختلفان حولها ولها نتائج مستقبلية (مهمة لإسرائيل)، هي كيفية المضي قدماً حول موضوع غزة.

"إيران"
 يثير الجمع بين ناتانياهو وإيهود باراك تكهنات بأن إسرائيل قد تقوم بشن غارة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا ما فشلت (المحادثات) الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران. فالمعارضة لإيران كدولة نووية، هي موضوع يوجد حوله (إجماع وطني) وتوافق في الآراء داخل إسرائيل، ما يجعل الأمور سهلة لكل من إيهود باراك وبنيامين ناتانياهو إذا ما تقرر اتباع هذه الاستراتيجية. وبما أن إسرائيل تعلم أنها لا تسطيع أن تحبط قيام الحوار الوشيك بين الولايات المتحدة وإيران، سوف تسعى إلى إقناع واشنطن بأنه يتعين أن تكون المحادثات محدودة الوقت وليست مفتوحة وغير محددة زمنياً، لأن المحادثات المطولة ستمكن طهران (من استغلال الفرصة) حتى "انتهاء الوقت"، في حين تقوم بإكمال برنامجها النووي.

"سوريا"
 في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حاول كل من ناتانياهو وإيهود باراك التوصل الى اتفاقات انفراجية مع دمشق، وكانا قاب قوسين أو أدنى من (الوصول إلى انفراجة). ومن المحتمل انهما سيحاولان مرة أخرى (التوصل إلى اتفاق مع سوريا). ففي عام 1998، كان ناتانياهو قد استخدم قنوات خلفية عن طريق رجل أعمال أميركي، ولكن الاتفاق ألغي من قبل أريئيل شارون، الذي كان في ذلك الوقت شخصية بارزة في حكومة ناتانياهو. وفي آذار/مارس 2000، حاول إيهود باراك (استغلال) جهود الوساطة الأميركية، ولكنه رأى فشل محاولته بسبب نزاع على مئات الأمتار من الأراضي المتاخمة لبحيرة طبرية. ويرجح أن يشاطر الاثنان رأي كبار الضباط في الجيش الاسرائيلي بأنه ينبغي السعي نحو محادثات سلام (مع دمشق)، لتفتيت المحور الإقليمي الذي يضم سوريا العلمانية-القيادة، وإيران وحزب الله الإسلاميي-القيادة.

"الضفة الغربية"
 يؤمن ناتانياهو وإيهود باراك بأنه في ظل المناخ الحالي، لا يمكن حل بعض قضايا الوضع النهائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكن كل منهما يعتقد بأنه ينبغي متابعة موضوع بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، كلاهما يواجه تحدياً، وهو أن بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية لن يكون مستداماً على مر الزمن إذا أدرك الفلسطينيون والمجتمع الدولي بأن اسرائيل تقوم باستغلال الوضع (الراهن) لتوسيع المستوطنات القائمة بحيث يجعل قيام دولة فلسطينية غير قابل للتحقيق. وتنفي إسرائيل بأن لديها أي دافع دنيء، وتعتقد أن نشاطها الاستيطاني يتركز في المناطق التي يَعرف عنها الفلسطينيون بأنها سوف تصبح جزءاً من دولة إسرائيل في أي اتفاق نهائي بين الجانبين. وفي حين ليس هناك ما يشير إلى أن ناتانياهو وإيهود باراك، والولايات المتحدة، يريدون أن "يتشاجروا" حول موضوع المستوطنات، فسيكون التحدي الذي تواجهه حكومة ناتانياهو الجديدة هو التوصل الى تفاهم مع واشنطن حول هذه القضية. وسوف يؤدي عدم النجاح في هذا المضمار إلى قيام البعض بالتشكك في نوايا الحكومة الإسرائيلية الجديدة. فإيهود باراك الذي يتمتع بالسلطة في الضفة الغربية ويعتقد أن لديه علاقة وثيقة مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، يمكن أن يكون الشخصية المحورية في تجنب (أي) توتر ثنائي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

"السياسة الاقتصادية"
 تتركز أغلب نقاط اتفاق الائتلاف الحكومي بين إيهود باراك وبنيامين ناتانياهو على موضوع الاقتصاد بدلاً من النزاع العربي ـ الإسرائيلي. فقد قلص ناتانياهو من برامجه المتعلقة بالسوق الحرة، في خطوة تهدف الى إسكات اتحاد نقابات العمال (الهستدروت) النشط تاريخياً، التابع لحزب "العمل". ومن بين التنازلات الأخرى، موافقة ناتانياهو أيضاً على تمديد استحقاقات البطالة، وتحسين الدعم للمسنين، وتعزيز إعادة تدريب العمال، وإنشاء صندوق لمساعدة الشركات المتضايقة (اقتصادياً) لتجنب ارتفاع معدل البطالة.

"غزة"
 من المرجح أن تكون الخلافات بين ناتانياهو وإيهود باراك، أكثر وضوحاً في سياساتهما تجاه قطاع غزة. فقد كرر ناتانياهو علناً رغبته في إسقاط حركة «حماس»، في حين أن إيهود باراك، جنباً إلى جنب مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي اشكنازي، هما أكثر تشككاً، حيث يعتقدان أن السلطة الفلسطينية غير مستعدة لتولي المسؤولية في حالة غياب «حماس». وفي الواقع، كان كذلك أيهود باراك الذي أيد وقف إطلاق النار مع «حماس» في حزيران/ يونيو الماضي، وهو الاتفاق الذي استمر حتى كانون الأول/ديسمبر المنصرم. سيكون من المثير للاهتمام (تتبع الأحداث) لرؤية ما إذا كان ناتانياهو "سيعود" إلى الممر الجنوبي في قطاع غزة من أجل إغلاق أنفاق تهريب الاسلحة - ما يهدد بتجدد الصراع - أو إذا كان إيهود باراك هو الذي سيقود إسرائيل نحو (إبرام) اتفاقية جديدة لوقف اطلاق النار يقرها المجتمع الدولي.

الخاتمة

إن (انضمام) إيهود باراك إلى حكومة ناتانياهو هو إضافة مهمة (لمحور السلام)، حيث بالإمكان قيام (وزير الدفاع) بدور رئيسي في توفير التوازن والاستقرار. فلكلا الرجلين وجهات نظر متماثلة حول العديد من القضايا، كما يكن كل منهما الآخر فائق التقدير والاحترام. وبرغم أن علاقتهما قد تتأزم بسبب قطاع غزة أو مستقبل النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، فبالإمكان أن يؤدي انضمام إيهود باراك إلى حكومة ناتانياهو لتخفيف التوتر المحتمل في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009

2009-04-03