ارشيف من :ترجمات ودراسات

ماذا قال أولمرت عن لبنان في "خطاب الوداع"؟

ماذا قال أولمرت عن لبنان في "خطاب الوداع"؟
كتب علي حيدر
اختار رئيس الحكومة السابق ايهود اولمرت، مناسبة القاء كلمته الوداعية امام اعضاء الكنيست، خلال جلسة التصويت على الثقة بحكومة نتنياهو، ليقدم صورة موجزة عن اهم القضايا والتحديات التي واجهتها حكومته طوال ولايتها التي انتهت قبل حوالي عشرين شهرا من موعدها الاصلي. وكان من الطبيعي ان تحتل حرب تموز حيزا اساسيا فيها، باعتبارها الحدث الابرز (كما سماها في كلمته) خلال فترة حكومته.
وفي هذا المجال لوحظ ان اولمرت لم يثن على لجنة فينوغراد التي حققت في اصل قرار شن هذه الحرب وادارتها ونتائجها، واصدرت تقريرين تضمنا ملاحظاتها واحكامها. بل على العكس فقد عبر اولمرت عن اعتراضه بشكل ضمني على النتائج التي خلصت اليها هذه اللجنة وعلى احكامها، عندما قال ان هذه اللجنة اصدرت حكمها بخصوص الحرب وانا لم آت كي اناقش هذا الحكم. وهو ما يؤكد رفضه ومعارضته لاحكامها وخاصة انها اقرت بأن حزب الله الذي يملك بضعة الاف من المقاتلين استطاع ان يصمد بوجه اقوى جيش في الشرق الاوسط فضلا عن لائحة مطولة من الاعترافات والاحكام التي تضمنها التقرير العلني وتعكس جانبا من حقيقة الحرب، فكيف بما تضمنه التقرير السري.
كما اقر اولمرت بشكل صريح ومباشر خلال كلمته بأن هناك في اسرائيل من يتجاوز في وصفه لنتائج حرب تموز، بأنها كانت فاشلة ويذهب الى حد اعتبارها هزيمة لاسرائيل. واعرب عن رفضه وانكاره لهذه النتيجة مؤكدا ان هذا الوصف مجاف للحقيقة وشكل "هدية مجانية" دعائية لحزب الله، بل وهو "بعيد جدا عن حقيقة الواقع".
وحاول اولمرت ان يستدل على صحة دعواه، بالقول ان الحرب كانت لها نتائج استراتيجية هامة بالنسبة لاسرائيل انطلاقا من انها الان اصبحت اكثر وضوحا مما كانت عليه مع نهاية الحرب مباشرة. وقدم عرضا مفصلا نوعا ما في هذا المجال، مبررا ذلك بأن الذاكرة الجماهيرية هي ذاكرة قصيرة:
قارن اولمرت بين وضع الحدود خلال الفترة الفاصلة بين العام 2000 وحتى بداية الحرب وبين الوضع الذي ساد ما بعد الحرب وصولا الى المرحلة الحالية. واورد بأن حزب الله كان يتحصن على طول الجدار على الحدود وان الجيش اللبناني لم يكن مسيطرا على تلك المنطقة، وان حزب الله كان يُدخل مخربين كلما اراد ذلك الى الداخل الاسرائيلي للقيام بعمليات، فضلا عن قيامه بعمليات قصف بالكاتيوشا للمستوطنات الشمالية اضافة الى قتل وخطف جنود ومواطنين. ثم اتت "حرب لبنان الثانية وغيرت الوضع من اساسه"، بحسب كلام اولمرت، وابعدت حزب الله عن الحدود واعادت الجنوب الى سيطرة الجيش اللبناني، والى مسؤولية الدولة اللبنانية، كما تم نشر قوة دولية اكثر نجاعة في تلك المنطقة، اضافة الى ترميم الردع الاسرائيلي الذي ادى الى حصول هدوء مستقر وطويل للمستوطنات الشمالية.
فالى اي مدى كان اولمرت دقيقا في دعواه؟
بداية، من الواضح ان اولمرت حاول ان يستغل ذاكرة الجمهور الاسرائيلي القصيرة، كما وصفها بنفسه، اذ تجاوز في عرضه الاهداف الحقيقية التي شنت من اجلها هذه الحرب.
اذ لم يتحدث اولمرت عن حقيقة الهدف الاسرائيلي المتمثل بتدمير قدرات حزب الله العسكرية. وعليه نسأل اين الحديث عن فشل عملية "الوزن النوعي" التي شنها الطيران الاسرائيلي في بداية الحرب، لتدمير قدرات حزب الله الصاروخية البعيدة والمتوسطة المدى كما قال قادة الجيش؟ في حين ان الجميع يعلم بان سقوط الصواريخ استمر طوال الحرب واخذ منحى تصاعديا حتى اليوم الاخير منه الذي سجل سقوط اكثر من 250 صاروخا.
اين الحديث عن فشل العملية البرية الواسعة في اليومين الاخيرين من الحرب والتي ادت الى مقتل 33 جنديا وجرح حوالي 200 اخرين، باعتراف المصادر الاسرائيلية، ثم طلب الجيش نفسه وقف العملية والانسحاب فورا.
اين الحديث عن فشل الجيش في المهمة التي كلفته بها الحكومة الاسرائيلية بعد سبعة ايام من بداية الحرب (19 تموز) لوقف اطلاق الصواريخ على المستوطنات الشمالية، في حين ان استمرار سقوط الصواريخ في الداخل الاسرائيلي استمر، كما اشرنا سالفا.
اين الحديث عن عدم ارغام حزب الله على اطلاق سراح الاسيرين دون قيد او شرط. ولماذا رضخت اسرائيل لاحقا بتلبية مطالب حزب الله بالموافقة على اطلاق سراح الاسرى اللبنانيين. ونضيف ايضا هل استطاعت هذه الحرب ان تفرض على حزب الله خيارات سياسية تتصل بالساحة اللبنانية وخارجها؟.
ايضا تجاوز اولمرت الحديث عن ان من الاهداف المحلية للحرب كان تعبيد الطريق امام اتباع الولايات المتحدة في لبنان لاستكمال تنفيذ مشروعها في لبنان ومنه، عبر استغلالهم لضعف حزب الله المفترض ان تحققه الضربة العسكرية الاسرائيلية.
كما تجاوز اولمرت الحديث عن الهدف الاميركي المباشر من هذه الحرب، والذي لولاه لما اعطت الولايات المتحدة لاسرائيل الضوء الاخضر بشن هذه الحرب، على امل اعطائه فرصة لتحقيق انجازات عسكرية يمكن تثميرها سياسيا. ويكفي للتذكير ايراد موقف وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كونداليزا رايس التي اعتبرت ان هذه الحرب تهدف الى اقامة شرق اوسط جديد.
أما بخصوص ما قاله اولمرت عن ازالة المواقع التي كان ينشرها حزب الله في نقاط محددة بالقرب من الجدار، فيكفي القول ان كل من يملك حد ادنى من المعرفة العسكرية يدرك بأن هذه المواقع لا تصلح للاستخدام العسكري سواء فيما يتعلق بالهجوم او الدفاع، كونها نقاطا عسكرية ساقطة تلقائيا وانها ولم تكن سوى نقاط مراقبة. وفي هذا المجال نضيف بأن التقارير الاسرائيلية نفسها تحدثت بان حزب الله استبدل هذه النقاط بأساليب اخرى للقيام بهذه المهمة، هذا ما يقوله الاسرائيليون.
اما بخصوص حديثه عن نشر الجيش اللبناني في هذه المنطقة واعتباره من انجازات اسرائيل، فهذا مما نرفضه لما فيه من اساءة ضمنية الى الجيش الذي نؤمن بوطنيته وتكامله مع المقاومة في الدفاع عن الوطن. اما بخصوص نشر القوات الدولية واعطائها صلاحيات اوسع مما كانت عليه سابقا فهذا صحيح، ولكن القادة الاسرائيليين تحدثوا في اكثر من مرة ومناسبة بأن هذه القوات لم تمنع حزب الله من اعادة مراكمة قدراته العسكرية حتى وصلت بحسب تقارير الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية وباقرار من وزير دفاعها ايهود باراك بأنها اصبحت اكبر بثلاثة اضعاف، واخرها كان حديث نائب رئيس الاركان متان فيلنائي الذي اكد انه على الرغم من امتلاك اسرائيل سيطرة جوية بفعل الطيران الحديث الا ان اعداءها قادرون على تغطية الاراضي الاسرائيلية، من اقصاها الى اقصاها بالصواريخ.
اما بخصوص ما ادعاه من ان حزب الله كان يطلق صواريخ الكاتيوشا ويخطف جنودا ومواطنين عبرالحدود، فهذا مما يكذبه الواقع (باستثناء اسر الجنديين الذي شنت اسرائيل حربها في اعقابه) ويكفي ان نذكر ان الباحث في مركز جافي للدراسات الاستراتيجية (والذي اصبح اسمه لاحقا مركز دراسات الامن القومي)، دانيال سوبلمان، اكد في دراسة قدمها في حينه بأن كل عمليات ونشاطات حزب الله العسكرية ما بعد العام 2000 كانت دفاعية محضة وردا على استفزازات واعتداءات قامت بها القوات الاسرائيلية (طبعا يستثنى من ذلك العمليات التذكيرية المحدودة التي شنها حزب الله على مواقع العدو في مزارع شبعا).
اما بخصوص ترميم قدرة الردع الاسرائيلية؟ نطرح سؤالا، وجه ذات مرة لامين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وكان جوابه في حينه شفافا ومنطلقا من اعتبارات انسانية محضة، ونقول لو كان اولمرت وكل القادة العسكريين الذين استقالوا او استُقيلوا منذ ما بعد انتهاء الحرب بدءا من قادة الكتائب على الحدود الشمالية ومرورا بقائد المنطقة الشمالية وقادة الفرق، وصولا الى رئيس الاركان دان حالوتس، جراء تسليمهم بفشل وهزيمة اسرائيل في هذه الحرب، لو كان هؤلاء يعلمون بأن نتائج هذه الحرب ستكون على ما كانت عليه هل كانوا سيشنونها، لعل استقالاتهم وتشكيل لجنة تحقيق (لجنة فينوغراد) خير اجابة على ذلك. 
كما تنبغي الاشارة الى ان هناك توازن ردع لأن اولى اولويات حزب الله هو ان ينعم حزب الله وخاصة سكان المنطقة الجنوبية، كونهم في المناطق المتاخمة للعدو، بالهدوء، وهو الذي حُرموا منه لعشرات السنين، أليس ذلك من نتائج ردع حزب الله للعدو. ثم اين هو الردع الاسرائيلي لمنع حزب الله من مراكمة قدراته العسكرية وهو الذي تحدث ويتحدث عنه قادة العدو بأنه اصبح يشكل تهديدا استراتيجيا لاسرائيل.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009
2009-04-04