ارشيف من :ترجمات ودراسات

الحكومة الإسرائيلية الجديدة: توجهات وقدرات وملفات ساخنة

الحكومة الإسرائيلية الجديدة: توجهات وقدرات وملفات ساخنة

كتب حسان إبراهيم
يشكل انتقال السلطة في الكيان الإسرائيلي، من رئاسة إيهود أولمرت إلى رئاسة بنيامين نتنياهو، فرصة للإطلالة على توجهات حكومة يمين إسرائيلية، مطعمة من قبل حزب العمل برئاسة إيهود باراك، الذي واصل إمساكه بوزارة الحرب الإسرائيلية، بعد ثلاث سنوات من توليه المنصب نفسه في الحكومة السابقة.
تستند الحكومة الإسرائيلية الجديدة على ائتلاف من أحزاب وكتل، تضم 69 عضو كنيست، من أصل 120، أي أنها تستند إلى قاعدة نيابية غير مريحة، إذ يمثل انسحاب أي حزب مؤتلف فيها، إسقاطها، الأمر الذي يدفع نتنياهو إلى مراعاة كل الأحزاب المؤتلفة، التي تطالب بمعظمها باتخاذ مواقف متطرفة من مختلف القضايا الممكن أن يواجهها نتنياهو، سواء في الساحة الداخلية الإسرائيلية نفسها، أو تجاه ساحات المواجهة في الخارج، إضافة إلى العلاقة مع الولايات المتحدة، مع توجهات جديدة للإدارة الأميركية الجديدة.

وبرغم أن اغلب وزراء الحكومة الإسرائيلية هم من اليمين الإسرائيلي، وأيضا من اليمين الإسرائيلي المتطرف، ومن بينهم وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الذي يرأس حزب "إسرائيل بيتنا" المعروف بمواقفه المتطرفة، إلا أن القرار الإسرائيلي سيكون محصورا، والى حد كبير جدا، برئيس الحكومة نتنياهو، الذي يملك تأثيرا كبيرا على قراراتها، علما انه سيكون معنيا، كثيرا جدا، بان لا يقفز من فوق وزير حربه إيهود باراك، خاصة فيما يتعلق بالقرارات الأمنية والعسكرية، الممكن أن تتخذها الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

تضم الحكومة الجديدة ثلاثين وزيرا، وبالتالي تعتبر الحكومة الأكبر لجهة العدد، منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي في العام 1948، وقد اضطر نتنياهو إلى ذلك كي يرضي العدد الأكبر من المؤتلفين معه، ومن القيادات في حزب "الليكود" نفسه، إذ عمد إلى تقسيم عدد من الوزارات وتوزيعها على رجالات حزبه، كترضية بعد أن تنازل عن الوزارات الأساسية لإرضاء حزب العمل للدخول في حكومته.

وبرغم أن وزير خارجية إسرائيل الجديد، افيغدور ليبرمان، قد حظي بالاهتمام الأكبر من قبل المعلقين والمحللين، كونه الأكثر تطرفا من بين وزراء حكومة نتنياهو، وتحديدا بسبب توليه وزارة الخارجية ومسؤولية "تمتين" علاقات "إسرائيل" بالخارج ودول الغرب التي طالما وصفها بالمارقة والكارهة لإسرائيل، إلا أن الثنائي، نتنياهو – باراك، يعتبر أساسيا ومركزيا في القرارات الإسرائيلية، سواء ما يتعلق بالساحة الفلسطينية أو الساحة اللبنانية، وعموم الساحات الإقليمية، وصولا إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث يتشاركان في الرؤية تجاهها. ويزيد على أهمية "قطبي الحكومة"، أن القطب الثالث نظريا، ليبرمان، لن يبقى طويلا في وزارة الخارجية، خاصة أن ملفه القضائي مليء بالأدلة المباشرة على ضلوعه في قضايا فساد وسرقة أموال عامة، أكثر بكثير مما كان لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود أولمرت.

يتشارك كل من نتنياهو باراك، من حيث الشكل والمضمون في كثير من الرؤى، فكلاهما ترأس الحكومة الإسرائيلية في التسعينيات، وهزم بشكل كبير في الانتخابات أمام منافسه، كما أن القطبين عملا معا، فنتنياهو عمل تحت إمرة باراك في وحدة النخبة الإسرائيلية التابعة لهيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي (سييرت متكال)، الأمر الذي يشير إلى رؤية من منظور هجومي غير تسووي للمسائل الأمنية المختلفة التي تواجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. إضافة إلى ذلك، يتشارك الاثنان في عدم الحديث العلني عن نواياهما ويتوسلان السرية شبه المطلقة ضمن الدائرة الضيقة التي تحيط بهما، كما أنهما يستسهلان استخدام الطرق غير التقليدية للوصول إلى أهدافهما، دون مستوى المواجهة الشاملة والحروب، الأمر الذي يشير إلى إمكان تلمس عمليات أمنية في أكثر من ساحة من ساحات المواجهة.

وعلى عكس التحالف السابق بين أولمرت وباراك في الحكومة السابقة، لا يعتبر تحالف الأخير مع نتنياهو مشابها، خاصة أن البقاء معا في الحكومة الإسرائيلية يخدم المصلحة الذاتية لكليهما. إذ من منظور باراك، لا يمكن الاستمرار على الحلبة السياسية كرئيس لحزب العمل، في حال وضع نفسه في صفوف المعارضة بعيدا عن الحكومة، ذلك أن الاحتمال مرتفع جدا أن يسقط من على كرسي رئاسة حزب العمل في الانتخابات الداخلية المزمع إجراؤها قريبا، إلا أن هذا التحالف بين الاثنين سيكون بالتأكيد على حساب حزب العمل نفسه، إذ يمكن القول ان نتنياهو استطاع كسر هذا الحزب وجعله رديفا لحزب الليكود.

من جهة نتنياهو، يعتبر باراك شخصية مقبولة لدى المسؤولين الأميركيين، الذين يخشون رؤية نتنياهو لمختلف الملفات التي ينوون مباشرتها في المرحلة المقبلة، وهو ما لا تخفيه الإدارة الأميركية التي تلمح، على غير عادة، عن إمكان حصول خلافات جوهرية مع حكومة الليكود، واليمين الإسرائيلي. من هنا تأتي أهمية باراك بالنسبة لنتنياهو، القادر على المساعدة في تفادي تصعيد التوتر مع واشنطن.

انتظار الحوار الأميركي الإيراني
من ناحية نظرية، يبدو أن مشاركة نتنياهو لباراك، رؤيته حيال الملف النووي الإيراني والأسلوب الواجب إتباعه للحيلولة دون وصول طهران إلى التقنية النووية، وبالتالي إلى القنبلة التي تشكل تهديدا وجوديا على إسرائيل بحسب تعابير الأدبيات الإسرائيلية، هي مشاركة رؤية تدفع للقول إن المقاربة العسكرية أصبحت إمكانية مرتفعة، أكثر من ذي قبل في الحكومة الإسرائيلية السابقة.
ومن ناحية نظرية، أيضا، فان شن "إسرائيل" هجوما عسكريا ضد المنشآت النووية الإيرانية، إذا فشلت المقاربة الدبلوماسية الأميركية لإيران، أو تبين أنها تسير نحو الفشل، هو عمل لن يجد أمامه أي معارض في "إسرائيل"، لان الحيلولة دون نووية إيران هو قضية إجماع داخل الدولة العبرية.
من ناحية عملية، وبغض النظر عن الإمكانيات المادية المتوافرة لنتنياهو وباراك لضرب إيران، إلا أنهما لا يستطيعان إعاقة "الحوار" الأميركي الإيراني، وبالتالي سيعمدان في المرحلة المقبلة إلى إقناع واشنطن بان المحادثات بينها وبين طهران يجب أن تكون محدودة من ناحية زمنية، كي يُحال دون قدرة إيران على استغلال الوقت للسير قدما في مشروعها النووي، وصولا على عدم القدرة النظرية على ضربها.

سحب دمشق من محور الشر
برغم أن نتنياهو وباراك يفضلان نظريا أن تقدم سوريا على تغيير نهجها والانسحاب من "محور الشر الذي تقوده إيران"، وبالتالي قطع علاقاتها الداعمة لحزب الله في لبنان ولحركة حماس في فلسطين، إلا أنهما يختلفان لجهة الثمن الواجب على إسرائيل دفعه. باراك من جهته، يطرح إمكان الانسحاب من هضبة الجولان، و"التوسط" لدى واشنطن لتحسين وضع الاقتصاد السوري، لكنه يشترط مراعاة المصلحة الأمنية الإستراتيجية الإسرائيلية من خلال التوصل إلى اتفاق حول ما يمكن "إسرائيل" من الإنذار المبكر في الجولان والمناطق المنزوعة السلاح وغيرها، بينما لا يقدر نتنياهو، من جهته، على "التنازل" عن الجولان نتيجة المواقف التي أطلقها طوال السنوات الماضية، إضافة إلى انه سيجازف في فرط انعقاد ائتلافه الحكومي وانسحاب الأحزاب اليمينية منه، الأمر الذي يدفعه إلى تجميد أي مقاربة "تسووية" حيال سوريا والتوجه نحو المسار الفلسطيني، الذي يمكنه أن يلعب به كما يشاء، خاصة في ظل القيادة الفلسطينية الرسمية، المتمثلة في رئاسة السلطة، والقادرة على تسويق أي مفاوضات حتى وإن كانت شكلية، والارتضاء بها.

تعايش مع محمود عباس ومفاوضات شكلية
يتشارك نتنياهو وباراك في الرؤية تجاه الفلسطينيين، برغم اعتقادهما أن لا مسيرة سياسية قادرة وفاعلة على تحريك المفاوضات والوصول إلى اتفاق نهائي، وبالتالي يريان وجوب العمل على تأجيل ما يمكن، وكسب مزيد من الوقت لإتاحة الفرصة أمام تغيير ما على الواقع يسمح لإسرائيل بإملاء اتفاق يصب في مصلحتها مع الفلسطينيين.
ويؤكد كل من نتنياهو وباراك على وجوب العمل على إبقاء السلطة الفلسطينية وعدم الإضرار بها، فسلطة الرئيس محمود عباس أثبتت قدرتها وفاعليتها في المناورة مع "إسرائيل" تجاه العناصر الفلسطينية التي تسمى إسرائيليا بالإرهابية، بل أن لعباس القدرة على تحريك الواقع التفاوضي الشكلي ليبدو كأنه واقع تفاوضي في المضمون، وهو ما يضمن عدم تعكير الأجواء الإسرائيلية الأميركية.
 قد تشكل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتأكيد على ضرورة توسعتها من قبل الحكومة الحالية، مدار خلاف مع الأميركيين في ظل توجهات الإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة باراك أوباما. لكن يراهن نتنياهو على قدرة إيهود باراك على تليين المواقف الأميركية و"تفهم" الضرورات الإسرائيلية في ظل التركيبة الحاكمة في إسرائيل.

يبقى الحديث عن قطاع غزة، فهل تقدم الحكومة الإسرائيلية الجديدة على مغامرة شبيهة بمغامرة حكومة إيهود أولمرت.. للحديث صلة، وبشكل مطول.
الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009

2009-04-04