ارشيف من :آراء وتحليلات
من بغداد إلى الرباط... لا قمم عربية ولا ثورات بلا فلسطين أولاً!
عقيل الشيخ حسين
خلال الفترة الممتدة بين العام 1948 وبدايات الاندحار الإسرائيلي في لبنان ثم في غزة، يظل الخط البياني لتاريخ القضية الفلسطينية هابطاً بشكل مأساوي. حتى في الحالات التي بدا فيها أن هذا الخط قابل لأن يصحح مساره، كما في فترة النهوض القومي العربي، أو تفجر الثورة الفلسطينية، جاءت هزيمة 5 حزيران 1967، وضبابيات أنور السادات التي أعقبت حرب العبور، لتفتح الباب على مصراعيه أمام اتفاقيات الاستسلام التي وقعتها كل من مصر والسلطة الفلسطينية والأردن، وأمام التطبيع الذي انخرطت فيه بأشكال مباشرة أو غير مباشرة معظم الأنظمة العربية.
ولعل المأساوية بلغت ذروتها مع المفاجآت التي أحدثتها مواقف بعض الإسلاميين الذين افتتحوا وصولهم إلى السلطة في بلدان الثورات العربية بالتأكيد على تمسكهم بالاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني، أو حتى على إبداء استعدادهم للاعتراف بهذا الكيان.
لكن مواقف مختلفة انبثقت عن الثورات العربية عبّرت عن رفض السياسات الاستسلامية وعن التمسك بخيار المواجهة والعمل من أجل تحرير فلسطين. برز ذلك في شعارات الثورة اليمنية التي كشفت عن وعي الشعب اليمني بوحدة المشروع الصهيو ـ أميركي وأدواته الخليجية وغير الخليجية. كما برز بأشكال مختلفة في كل من تونس ومصر.
وقد شهد المغرب الأقصى يوم الأحد الماضي حدثاً بالغ الأهمية يدلل على عودة الحياة إلى القضية الفلسطينية في ذلك البلد العربي المعروف بعمق علاقاته المباشرة وغير المباشرة مع الكيان الصهيوني.
ففي إطار التعاون الأورومتوسطي، عقدت في مبنى البرلمان المغربي في العاصمة الرباط جلسة شارك فيها ممثل عن الكيان الصهيوني هو الديبلوماسي دافيد سيرنغا.
وبينما كان المجتمعون في الداخل يناقشون مسائل التعددية والانفتاح الثقافي والمرأة وغيرها من المسائل المشابهة، كانت في الخارج مظاهرة ضخمة شارك فيها أكثر من مئة ألف مغربي رفعوا الأعلام الفلسطينية وقاموا بإحراق العلم الإسرائيلي وهتفوا بشعار "الشعب يريد تحرير الأقصى".
وعلى الفور، قامت أجهزة الأمن المغربية بإخراج المندوب الإسرائيلي من باب خلفي ورافقته إلى المطار حيث ركب طائرة أقلعت به إلى بروكسل.
لا يعني ذلك أن أشكال الوجود الإسرائيلي في المغرب، والعلاقات الإسرائيلية المغربية، قد طارت مع دافيد سيرنغا. فالمعروف ان البلد الذي اعتلى ملكه الحسن الثاني رئاسة لجنة القدس بين العام 1975 وعام وفاته 1999، ثم أسلمها لخليفته محمد السادس، هو بين أبرز البلدان العربية التي تقيم أشكالاً ظاهرة وخفية من العلاقات والتعاملات وأشكال التعاون مع الكيان الصهيوني رغم كل ما يرتكبه من مجازر وتعديات على حقوق الفلسطينيين والعرب، من أهمها تلك التي تستهدف المسجد الأقصى الذي دخله في ذلك اليوم عشرات الجنود الإسرائيليين بكامل أسلحتم وأعتدتهم العسكرية ودنسوه بأن أقاموا فيه بعض طقوسهم الدينية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، كثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين يعرفون المغرب ومدنه السياحية ومراكز قراراته كما يعرفون أي بلد من تلك البلدان العربية أو غير العربية التي يحملون إليها فسادهم، ويعقدون فيها صفقاتهم ومؤامراتهم.
وقد يكون التذكير كافياً بالـ 250 دولارا أميركيا التي حصل عليها النظام المغربي مقابل كل واحد من الـ 700 ألف يهودي مغربي سهل أمامهم سبل السفر والاستيطان في فلسطين.
أو بمجموعة المجوهرات النادرة التي قدمتها الأميرة سلوى، قرينة العاهل المغربي محمد السادس، إلى وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني التي كانت في زيارة سرية للمغرب بالتزامن مع صدور مذكرة اعتقال صدرت بحقها عن إحدى المحاكم البريطانية التي وجهت إليها تهمة ارتكاب جرائم حرب في لبنان وغزة.
مؤدى الكلام، في ظل القوانين الإسرائيلية التي تنص على أن ما يتلقاه الرسميون الإسرائيليون من هدايا هي ملك للشعب، وبالتالي للجيش الإسرائيلي، أن أموالاً مغربية أهديت إلى الجيش الإسرائيلي لتتحول إلى قنابل تسقط على رؤوس الأطفال في لبنان وغزة، أو تستخدم في تدريب وتسليح من يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية.
تظاهرة الشعب المغربي هذه سبقتها مظاهرات عديدة في مجال نصرة قضية الشعب الفلسطيني. والأرجح أنها ستتكرر وستتصاعد في ظل حالة الاهتراء التي يعيشها المستسلمون والمطبّعون والمتصهينون العرب. وهو اهتراء سيعتريه المزيد من الاهتراء وصولاً إلى الهرب بما سرقوه من أموال العرب وحملوه إلى بلدان الغرب التي يطيب لهم فيها المقام لكثرة ما على قائمة المعروضات من مشتهيات موروثة عن عُقد الجوع ما قبل النفطي.
يتأكد ذلك على ضوء الخروج الوشيك لسوريا من المحنة أقوى مما كانت، مع التداعيات الكارثية لذلك النصر على أعداء سوريا من العرب وغير العرب. وكذلك على ضوء قمة بغداد بكل ما لها وما عليها: كان الصراع العربي ـ الإسرائيلي قد سحب من التداول، ليستبدل بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ثم، وفقاً للخط الهابط، بالصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني حتى الزواريب. لكن قمة بغداد التي عقدت رغم عتوّ الرياح، وطوت كشحاً عن بعض القضايا، شكلت خطوة هامة على طريق إعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها المركزي... بما هي صراع إسرائيلي ـ عربي (وردت العبارة في إعلان بغداد الذي سيعرض على القمة العربية لإقراره).
خلال الفترة الممتدة بين العام 1948 وبدايات الاندحار الإسرائيلي في لبنان ثم في غزة، يظل الخط البياني لتاريخ القضية الفلسطينية هابطاً بشكل مأساوي. حتى في الحالات التي بدا فيها أن هذا الخط قابل لأن يصحح مساره، كما في فترة النهوض القومي العربي، أو تفجر الثورة الفلسطينية، جاءت هزيمة 5 حزيران 1967، وضبابيات أنور السادات التي أعقبت حرب العبور، لتفتح الباب على مصراعيه أمام اتفاقيات الاستسلام التي وقعتها كل من مصر والسلطة الفلسطينية والأردن، وأمام التطبيع الذي انخرطت فيه بأشكال مباشرة أو غير مباشرة معظم الأنظمة العربية.
ولعل المأساوية بلغت ذروتها مع المفاجآت التي أحدثتها مواقف بعض الإسلاميين الذين افتتحوا وصولهم إلى السلطة في بلدان الثورات العربية بالتأكيد على تمسكهم بالاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني، أو حتى على إبداء استعدادهم للاعتراف بهذا الكيان.
لكن مواقف مختلفة انبثقت عن الثورات العربية عبّرت عن رفض السياسات الاستسلامية وعن التمسك بخيار المواجهة والعمل من أجل تحرير فلسطين. برز ذلك في شعارات الثورة اليمنية التي كشفت عن وعي الشعب اليمني بوحدة المشروع الصهيو ـ أميركي وأدواته الخليجية وغير الخليجية. كما برز بأشكال مختلفة في كل من تونس ومصر.
وقد شهد المغرب الأقصى يوم الأحد الماضي حدثاً بالغ الأهمية يدلل على عودة الحياة إلى القضية الفلسطينية في ذلك البلد العربي المعروف بعمق علاقاته المباشرة وغير المباشرة مع الكيان الصهيوني.
ففي إطار التعاون الأورومتوسطي، عقدت في مبنى البرلمان المغربي في العاصمة الرباط جلسة شارك فيها ممثل عن الكيان الصهيوني هو الديبلوماسي دافيد سيرنغا.
وبينما كان المجتمعون في الداخل يناقشون مسائل التعددية والانفتاح الثقافي والمرأة وغيرها من المسائل المشابهة، كانت في الخارج مظاهرة ضخمة شارك فيها أكثر من مئة ألف مغربي رفعوا الأعلام الفلسطينية وقاموا بإحراق العلم الإسرائيلي وهتفوا بشعار "الشعب يريد تحرير الأقصى".
وعلى الفور، قامت أجهزة الأمن المغربية بإخراج المندوب الإسرائيلي من باب خلفي ورافقته إلى المطار حيث ركب طائرة أقلعت به إلى بروكسل.
لا يعني ذلك أن أشكال الوجود الإسرائيلي في المغرب، والعلاقات الإسرائيلية المغربية، قد طارت مع دافيد سيرنغا. فالمعروف ان البلد الذي اعتلى ملكه الحسن الثاني رئاسة لجنة القدس بين العام 1975 وعام وفاته 1999، ثم أسلمها لخليفته محمد السادس، هو بين أبرز البلدان العربية التي تقيم أشكالاً ظاهرة وخفية من العلاقات والتعاملات وأشكال التعاون مع الكيان الصهيوني رغم كل ما يرتكبه من مجازر وتعديات على حقوق الفلسطينيين والعرب، من أهمها تلك التي تستهدف المسجد الأقصى الذي دخله في ذلك اليوم عشرات الجنود الإسرائيليين بكامل أسلحتم وأعتدتهم العسكرية ودنسوه بأن أقاموا فيه بعض طقوسهم الدينية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، كثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين يعرفون المغرب ومدنه السياحية ومراكز قراراته كما يعرفون أي بلد من تلك البلدان العربية أو غير العربية التي يحملون إليها فسادهم، ويعقدون فيها صفقاتهم ومؤامراتهم.
وقد يكون التذكير كافياً بالـ 250 دولارا أميركيا التي حصل عليها النظام المغربي مقابل كل واحد من الـ 700 ألف يهودي مغربي سهل أمامهم سبل السفر والاستيطان في فلسطين.
أو بمجموعة المجوهرات النادرة التي قدمتها الأميرة سلوى، قرينة العاهل المغربي محمد السادس، إلى وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني التي كانت في زيارة سرية للمغرب بالتزامن مع صدور مذكرة اعتقال صدرت بحقها عن إحدى المحاكم البريطانية التي وجهت إليها تهمة ارتكاب جرائم حرب في لبنان وغزة.
مؤدى الكلام، في ظل القوانين الإسرائيلية التي تنص على أن ما يتلقاه الرسميون الإسرائيليون من هدايا هي ملك للشعب، وبالتالي للجيش الإسرائيلي، أن أموالاً مغربية أهديت إلى الجيش الإسرائيلي لتتحول إلى قنابل تسقط على رؤوس الأطفال في لبنان وغزة، أو تستخدم في تدريب وتسليح من يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية.
تظاهرة الشعب المغربي هذه سبقتها مظاهرات عديدة في مجال نصرة قضية الشعب الفلسطيني. والأرجح أنها ستتكرر وستتصاعد في ظل حالة الاهتراء التي يعيشها المستسلمون والمطبّعون والمتصهينون العرب. وهو اهتراء سيعتريه المزيد من الاهتراء وصولاً إلى الهرب بما سرقوه من أموال العرب وحملوه إلى بلدان الغرب التي يطيب لهم فيها المقام لكثرة ما على قائمة المعروضات من مشتهيات موروثة عن عُقد الجوع ما قبل النفطي.
يتأكد ذلك على ضوء الخروج الوشيك لسوريا من المحنة أقوى مما كانت، مع التداعيات الكارثية لذلك النصر على أعداء سوريا من العرب وغير العرب. وكذلك على ضوء قمة بغداد بكل ما لها وما عليها: كان الصراع العربي ـ الإسرائيلي قد سحب من التداول، ليستبدل بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ثم، وفقاً للخط الهابط، بالصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني حتى الزواريب. لكن قمة بغداد التي عقدت رغم عتوّ الرياح، وطوت كشحاً عن بعض القضايا، شكلت خطوة هامة على طريق إعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها المركزي... بما هي صراع إسرائيلي ـ عربي (وردت العبارة في إعلان بغداد الذي سيعرض على القمة العربية لإقراره).