ارشيف من :آراء وتحليلات
قمة بغداد: انعطافة لافتة نحو ولادة جامعة عربية جديرة بهذا الاسم!
عقيل الشيخ
حسين
ليس بين الزعماء العرب، ممن حضروا قمة بغداد أو أرسلوا مندوبين عنهم من ذوي المستوى المنخفض، ليس بينهم زعيم واحد لا يعاني حكمه من أزمات يعجز عن حلها. لا فرق أكانت هذه الأزمات نتيجة لسياساته الفاشلة أم نتيجة لأعمال الزعزعة التي تمارسها قوى الهيمنة.
لذا فإنه من المضحك المبكي أن نراهم يتلبسون بلبوس أهل الحل والعقد ويتصدون لوضع حلول للأزمة الناشئة في سوريا عن المؤامرة التي ارتضى بعضهم فيها لأنفسهم دور ادوات من المستوى المنخفض.
الأجدر بهم، بدل الطموح بأبصارهم إلى خارج حدودهم، أن ينتبهوا إلى المياه التي تجري تحت عروشهم والتي بدأت بالتحول إلى سيول جارفة، وأن يبتعدوا بخيرهم وشرهم عن سوريا التي لم يسبق لها أن احتاجت إلى احد ولم يسبق لأحد إلا واحتاج إليها.
على أي حال، أضافت الجامعة العربية إلى فشلها الناجم عن تحيزها ووقوفها إلى جانب المؤامرة على سوريا ( إفشال بعثة المراقبين العرب برئاسة الفريق محمد الدابي) فشلاً جديداً عندما تخلت عن نفسها واعترفت بأنها غير معنية بقضية فلسطين وغيرها من قضايا العرب على أساس أن جميع هذه القضايا أصبحت من اختصاص الباب العالي الدولي.
وباعتمادها هذا النهج الذي سبقها إليه الدعاة إلى محكمة دولية في لبنان تحت الفصل السابع، لم تفعل الجامعة العربية غير إلغاء ذاتها بعدما توسمت هزالها الذاتي وعجزها المزمن عن الاضطلاع بدورها المفترض.
ربما يكون من الصحيح أن قمم الجامعة العربية قد اتخذت في ماضي أيامها قرارات وصفت بأنها تاريخية كقمة الخرطوم التي عقدت في أعقاب هزيمة العام 1967، وعرفت باسم قمة "اللاءات الثلاث" الشهيرة حيث أجمع العرب على شعار "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع العدو الإسرائيلي"، أو قمة الصمود والتصدي التي عقدت في بغداد عام 1978 لمواجهة الأوضاع التي نشأت عن خروج مصر من الصف العربي مع زيارة السادات لـ "إسرائيل" وتوقيعه بعد ذلك على اتفاقيات كامب دافيد.
لكن تاريخيتها لم تلبث أن أصبحت مثاراً للسخرية بقدر ما جاء الفعل الرسمي العربي ليشكل انقلاباً صريحاً على القرارات المذكورة، وبقدر ما تحولت الجامعة إلى إطار فارغ أو منتدى لمماحكات الأنظمة التي بات كل منها يحدد سياساته من دون الحد الأدنى من المرجعية إلى ما يسمى بالتضامن العربي.
وفي ظل حالة الانكفاء التي يعيشها العالم العربي على المستويين الدولي والإقليمي، دب النشاط فجأة في جسد الجامعة مع التطور الأخطر في تاريخها، وهو التطور الذي تمثل باختطافها من قبل قطر والسعودية ووضعها على خط الهجوم الأول في الحرب الكونية على سوريا.
غير أن محاولة الاستقواء بالجامعة العربية انقلبت وبالاً عليها وعلى مختطفيها عندما جاءت تقارير المراقبين العرب مخالفة للتخرصات التي دأبت دوائر الاستكبار الغربي والعربي على تلفيقها بهدف تصوير ما يجري في سوريا على أنه قمع يمارسه النظام ضد المظاهرات السلمية.
وقد قيل الكثير عن الوضع الاستثنائي للقمة العربية الأخيرة التي انعقدت ليوم واحد في بغداد. والأكيد، فيما يتجاوز طوفان المواقف والآراء المتعارضة حول هذه القمة لجهة نجاحها أو فشلها، ولجهة قيمة ما اتخذته من قرارات، أن هذه القمة قد شكلت مؤشر انعطافة حاسمة في تاريخها.
والأرجح أن هذه الانعطافة هي في مصلحة قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة، أي في اتجاه قيام جامعة عربية جديرة بقيادة العرب نحو الالتزام بقضاياهم التاريخية وبضرورات تأكيد موقعيتهم القومية على المسرحين الإقليمي والدولي.
لقد انعقدت القمة في العراق وأفشلت كل المحاولات المحمومة التي بذلت من أجل منع انعقادها، وهي المحاولات التي تمثلت ميدانياً بالتصاعد الكبير في التفجيرات الإرهابية التي شهدتها بغداد والتي لم تتوقف حتى أثناء انعقاد القمة. وكذلك بانخفاض مستوى المشاركة واقتصارها، من قبل السعودية وقطر، على مسؤولين ثانويين، ما يعكس إحباطهما الناشئ عن إفلات الجامعة من قبضتيهما وعن تعزز دور العراق فيها.
وانعقادها في العراق المنتصر على الاحتلال الأميركي وعلى القوى العربية والإقليمية التي استجلبت الاحتلال ودعمته وشاركت فيه يكفي دليلاً على أن رياح المنطقة قد بدأت تهب في مصلحة مقتضيات التحرر الحقيقي.
ومن خلال مشاركة الرئيس السوداني عمر البشير، جاءت قمة بغداد بمثابة صفعة للقوى السوداء التي تحرك المحكمة الجنائية الدولية.
وإذا كان بعض من يركبون حصان الأماني ويتشبثون بقشة الغريق عندما يراهنون على تغير في موقف روسيا والصين تجاه سوريا، أو عندما يفسرون سحب موضوع البحرين من جدول أعمال القمة، أو عندما يبتهجون لعدم دعوة إيران إلى المشاركة فيها، على اعتبار أنها تعني خروج العراق من الحضن الإيراني وعودته إلى الحضن الغربي ـ العربي ـ الإسرائيلي... فإن أمانيهم هي أشبه بالقشة التي تحاول إخفاء الشجرة والشجرة التي تحاول إخفاء الغابة.
لقد اقترف العرب جناية كبرى عندما استبعدوا سوريا من جامعتهم. لكن هذا الاستبعاد البيروقراطي المصطنع ليس غير استبعاد أصغر، لأن الاستبعاد الأكبر هو ما سيحيق بأولئك الذين بدأوا يندحرون وينجحرون من خلال مستوى المشاركة المنخفض.
ليس بين الزعماء العرب، ممن حضروا قمة بغداد أو أرسلوا مندوبين عنهم من ذوي المستوى المنخفض، ليس بينهم زعيم واحد لا يعاني حكمه من أزمات يعجز عن حلها. لا فرق أكانت هذه الأزمات نتيجة لسياساته الفاشلة أم نتيجة لأعمال الزعزعة التي تمارسها قوى الهيمنة.
لذا فإنه من المضحك المبكي أن نراهم يتلبسون بلبوس أهل الحل والعقد ويتصدون لوضع حلول للأزمة الناشئة في سوريا عن المؤامرة التي ارتضى بعضهم فيها لأنفسهم دور ادوات من المستوى المنخفض.
الأجدر بهم، بدل الطموح بأبصارهم إلى خارج حدودهم، أن ينتبهوا إلى المياه التي تجري تحت عروشهم والتي بدأت بالتحول إلى سيول جارفة، وأن يبتعدوا بخيرهم وشرهم عن سوريا التي لم يسبق لها أن احتاجت إلى احد ولم يسبق لأحد إلا واحتاج إليها.
على أي حال، أضافت الجامعة العربية إلى فشلها الناجم عن تحيزها ووقوفها إلى جانب المؤامرة على سوريا ( إفشال بعثة المراقبين العرب برئاسة الفريق محمد الدابي) فشلاً جديداً عندما تخلت عن نفسها واعترفت بأنها غير معنية بقضية فلسطين وغيرها من قضايا العرب على أساس أن جميع هذه القضايا أصبحت من اختصاص الباب العالي الدولي.
وباعتمادها هذا النهج الذي سبقها إليه الدعاة إلى محكمة دولية في لبنان تحت الفصل السابع، لم تفعل الجامعة العربية غير إلغاء ذاتها بعدما توسمت هزالها الذاتي وعجزها المزمن عن الاضطلاع بدورها المفترض.
ربما يكون من الصحيح أن قمم الجامعة العربية قد اتخذت في ماضي أيامها قرارات وصفت بأنها تاريخية كقمة الخرطوم التي عقدت في أعقاب هزيمة العام 1967، وعرفت باسم قمة "اللاءات الثلاث" الشهيرة حيث أجمع العرب على شعار "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع العدو الإسرائيلي"، أو قمة الصمود والتصدي التي عقدت في بغداد عام 1978 لمواجهة الأوضاع التي نشأت عن خروج مصر من الصف العربي مع زيارة السادات لـ "إسرائيل" وتوقيعه بعد ذلك على اتفاقيات كامب دافيد.
لكن تاريخيتها لم تلبث أن أصبحت مثاراً للسخرية بقدر ما جاء الفعل الرسمي العربي ليشكل انقلاباً صريحاً على القرارات المذكورة، وبقدر ما تحولت الجامعة إلى إطار فارغ أو منتدى لمماحكات الأنظمة التي بات كل منها يحدد سياساته من دون الحد الأدنى من المرجعية إلى ما يسمى بالتضامن العربي.
وفي ظل حالة الانكفاء التي يعيشها العالم العربي على المستويين الدولي والإقليمي، دب النشاط فجأة في جسد الجامعة مع التطور الأخطر في تاريخها، وهو التطور الذي تمثل باختطافها من قبل قطر والسعودية ووضعها على خط الهجوم الأول في الحرب الكونية على سوريا.
غير أن محاولة الاستقواء بالجامعة العربية انقلبت وبالاً عليها وعلى مختطفيها عندما جاءت تقارير المراقبين العرب مخالفة للتخرصات التي دأبت دوائر الاستكبار الغربي والعربي على تلفيقها بهدف تصوير ما يجري في سوريا على أنه قمع يمارسه النظام ضد المظاهرات السلمية.
وقد قيل الكثير عن الوضع الاستثنائي للقمة العربية الأخيرة التي انعقدت ليوم واحد في بغداد. والأكيد، فيما يتجاوز طوفان المواقف والآراء المتعارضة حول هذه القمة لجهة نجاحها أو فشلها، ولجهة قيمة ما اتخذته من قرارات، أن هذه القمة قد شكلت مؤشر انعطافة حاسمة في تاريخها.
والأرجح أن هذه الانعطافة هي في مصلحة قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة، أي في اتجاه قيام جامعة عربية جديرة بقيادة العرب نحو الالتزام بقضاياهم التاريخية وبضرورات تأكيد موقعيتهم القومية على المسرحين الإقليمي والدولي.
لقد انعقدت القمة في العراق وأفشلت كل المحاولات المحمومة التي بذلت من أجل منع انعقادها، وهي المحاولات التي تمثلت ميدانياً بالتصاعد الكبير في التفجيرات الإرهابية التي شهدتها بغداد والتي لم تتوقف حتى أثناء انعقاد القمة. وكذلك بانخفاض مستوى المشاركة واقتصارها، من قبل السعودية وقطر، على مسؤولين ثانويين، ما يعكس إحباطهما الناشئ عن إفلات الجامعة من قبضتيهما وعن تعزز دور العراق فيها.
وانعقادها في العراق المنتصر على الاحتلال الأميركي وعلى القوى العربية والإقليمية التي استجلبت الاحتلال ودعمته وشاركت فيه يكفي دليلاً على أن رياح المنطقة قد بدأت تهب في مصلحة مقتضيات التحرر الحقيقي.
ومن خلال مشاركة الرئيس السوداني عمر البشير، جاءت قمة بغداد بمثابة صفعة للقوى السوداء التي تحرك المحكمة الجنائية الدولية.
وإذا كان بعض من يركبون حصان الأماني ويتشبثون بقشة الغريق عندما يراهنون على تغير في موقف روسيا والصين تجاه سوريا، أو عندما يفسرون سحب موضوع البحرين من جدول أعمال القمة، أو عندما يبتهجون لعدم دعوة إيران إلى المشاركة فيها، على اعتبار أنها تعني خروج العراق من الحضن الإيراني وعودته إلى الحضن الغربي ـ العربي ـ الإسرائيلي... فإن أمانيهم هي أشبه بالقشة التي تحاول إخفاء الشجرة والشجرة التي تحاول إخفاء الغابة.
لقد اقترف العرب جناية كبرى عندما استبعدوا سوريا من جامعتهم. لكن هذا الاستبعاد البيروقراطي المصطنع ليس غير استبعاد أصغر، لأن الاستبعاد الأكبر هو ما سيحيق بأولئك الذين بدأوا يندحرون وينجحرون من خلال مستوى المشاركة المنخفض.