ارشيف من :آراء وتحليلات

التهديد بالحرب على ايران: هكذا تستبيح واشنطن و"تل ابيب" القانون الدولي؟

التهديد بالحرب على ايران: هكذا تستبيح واشنطن و"تل ابيب" القانون الدولي؟
لا أحد بمقدوره تفسير ظاهرة التهديد الأميركي والاسرائيلي بالحرب ضد ايران. فجأة تهب عاصفة من التصريحات تملأ شاشات الفضائيات وصفحات الصحف من مختلف الجنسيات تنذر بأن النيران ستنطلق في غضون أيام او ساعات، وفجأة تختفي التصريحات النارية وتخبو وكأن الطير على رؤوس القوم في واشنطن و"تل أبيب". تؤخذ الناس عموماً بالمشهد وتنساق معه في التحليل وترقب الاحداث، وبمرور الزمن يصبح التهديد الأميركي والإسرائيلي بالحرب كأنه "عمل مشروع" لا غبار عليه، وكأنه "حق مكتسب" لهذين الطرفين يحق لهما اللجوء اليه في أي وقت يريدون دونما مساءلة او دونما احساس بالمسؤولية الاخلاقية والقانونية والجزائية، وتصبح جملة من نوع ان "كل الخيارات مطروحة على الطاولة ازاء ايران" وكانها عبارة عادية بامكان اي طرف استخدامها، في حين انها تنطوي على جرم كبير يستوجب المعاقبة.

فتحت كثافة التصريحات اليومية تختفي الاسئلة الحقيقية عن الجهة التي أعطت الجانبين الأميركي والاسرائيلي الحق بالتلويح بالقوة العسكرية ضد بلد يمارس حقوقه المشروعة المكفولة من جانب القانون الدولي في تأمين قدراته في مختلف المجالات بما يؤمن له الاكتفاء الذاتي. والعبارة الاخيرة، أي القانون الدولي، هي بيت القصيد في هذه المقالة. فمنذ اتفقت المجموعات البشرية على ارساء قواعد قانونية في التعامل فيما بينها وتطورت الى ان تجمعت في منظومة من الحقوق والواجبات جمعت كلها في مرجع نصي واحد اسمه القانون بين الامم، او القانون الدولي، باتت جميع المكونات السياسية الدولية ملزمة بالتقيد باحكامه، لا سيما بعدما اتفقت الجماعة البشرية على ميثاق الامم المتحدة كمرجعية عليا في تنظيم وقوننة هذه العلاقات بين الدول.

التهديد بالحرب على ايران: هكذا تستبيح واشنطن و"تل ابيب" القانون الدولي؟

وهذا الميثاق حدد الحالات التي يمكن فيها اللجوء الى القوة العسكرية، الحرب، وفي المقابل الحالات التي يتوجب فيها على الدول الدفاع عن نفسها واقليمها وشعبها وسيادتها، وواجب جميع الاطراف في الدفاع عن هذا الحق ومساندته. وعليه فإن السؤال الذي يختفي تحت حجم التضليل والضوضاء الاعلامية الاميركية والغربية والاسرائيلية حول الحرب على ايران على خلفية مشروعها النووي يتعلق بالشق القانوني الذي يعطي "المشروعية" لهكذا سلوك (تهديد بالحرب) ضد بلد مسالم لم يثبت بالدليل الحسي الملموس انه يسعى لامتلاك سلاح نووي، او ان لبرنامجه النووي السلمي خلفيات وامكانيات عسكرية.

فايران كما هو معلوم تعمل في برنامجها النووي تحت سقف القانون الدولي الذي ينظم هذا الحق وهي ملتزمة بالاتفاقيات والقواعد الدولية المرعية الاجراء، لذا فتحت ابواب منشآتها النووية امام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذين دأبوا على زيارتها وفحصها، ولم يرد في اي تقرير اي دليل حسي ملموس يعتد به يشي برغبة ايران في استخدام وتطوير منشآتها النووية لاغراض عسكرية. اكثر ما يمكن أن يقال انه ورد حتى الان هو مجرد شبهة افتراضية غير مبنية على اي ادلة حسية وقاطعة. وعلى فرض انه في يوم من الايام عثر مفتشو الوكالة على ادلة قاطعة فمن هي الجهة المخولة البت بهذا الامر، ومن ثم اتخاذ قرار الحرب ضد ايران؟ مهمة جمع الادلة القاطعة والحاسمة هي من وظيفة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وليس استخبارات الدول المعادية للجمهورية الاسلامية. اما مهمة اصدار قرار الحرب فهي حصراً من اختصاص مجلس الامن الدولي، وضمن شروط وقواعد شديدة التعقيد، لكنه لم يثبت في اي يوم من الايام ان هذه المؤسسة الدولية تقيدت بها، بل دائما كانت تتوخى مصالح ومقاصد الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس التي منحت نفسها حق النقض الفيتو على اي قرار دولي بالحرب او السلم. وعليه فانه ليس معلوماً لدى احد في المجتمع الدولي ان وكالة الطاقة الدولية قد تخلت عن صلاحياتها لاجهزة الاستخبارات الاميركية والاوروبية والاسرائيلية لكي تقرر نيابة عنها اذا كانت ايران تطور برنامجها النووي لاغراض عسكرية.

التهديد بالحرب على ايران: هكذا تستبيح واشنطن و"تل ابيب" القانون الدولي؟

كما أنه ليس معلوماً ان مجلس الأمن الدولي فوض صلاحياته للولايات المتحدة و"اسرائيل"، مجتمعتين او متفردتين، باتخاذ قرار الحرب ضد ايران نيابة عن البشرية جمعاء. صحيح ان الحديث عن مجلس الامن وقراراته يثير السخرية في سياق الحديث عن دوره في منع انتشار السلاح النووي، حيث ان اعضاءه الخمسة الدائمين هؤلاء هم قوى نووية رسمية وقادرة على الفتك بالبشرية عن بكرة ابيها في اي لحظة جنون، ولم يعرف ان البشرية هذه اجتمعت في يوم من الايام لاجراء استفتاء منحت بموجبه الحق لهذه الدول الخمس في ان تحتكر السلاح النووي وان تمنع احداً من امتلاكه غيرها، رغم ان مالكيه وصانعيه تجاوزوا على مرأى ومسمع هؤلاء الخمسة، وبمساعدتهم، اطرافاً كثيرة في تصنيع ونشر السلاح النووي، وعلى راسها "اسرائيل".

وبمعزل عن هذه الاشكالية الكبيرة فإن ما تقدم يشير الى ان اي احد لم يعط الولايات المتحدة وهي دولة نووية عسكرية، و"اسرائيل" وهي ايضاً قوة نووية عسكرية كبرى، الحق في التصرف نيابة عن المجتمع الدولي في منع الجمهورية الاسلامية من تطوير قدراتها النووية، حتى ولو كانت لاغراض عسكرية حسب زعمهم، وبالتالي فإن ما يقال يومياً من تهديد بالحرب والغارات والقصف والتدمير ضد ايران يقع في خانة العدوان المباشر الذي يوجب على ايران ويعطيها الحق في الدفاع عن نفسها، وحتى القيام باجراءات استباقية، ذلك انه ووفق ميثاق الامم المتحدة فإن التهديدات الاميركية والاسرائيلية بالحرب ضد ايران هي تهديد فاضح وصارخ للسلم والامن الدوليين يستوجب من مجلس الامن الدولي التحرك فوراً لوضع حد له، لا سيما وان الاميركيين والاسرائيليين انفسهم وهم يلوحون بالحرب يتحدثون عن عواقب وخيمة لها على المنطقة وعلى العالم وعلى امن الطاقة وغيرها. ويمكن العثور على آلاف الادلة الحسية والقطعية عن العواقب الوخيمة لهذه الحرب في تصريحات ودراسات مؤسسات صنع القرار في واشنطن و"تل أبيب" وغيرهما من العواصم، سواء الغربية ام الاسيوية او غيرها. وعليه فإن ما تقدم يفيد بأن التهديد بالحرب كما تمارسه الادارتان الاميركية والاسرائيلية هو عمل عدواني غير مشروع يمنح ايران الحق في المبادرة الاستباقية للدفاع عن نفسها ويوجب من ناحية اخرى على المجتمع الدولي ان يبادر الى التدخل لوضع حد لهذه الاستباحة الاميركية والاسرائيلية للسلم والامن الدوليين ومصادرة دور المجلس والتصرف نيابة عنه، وكأن العالم يعيش في غابة من الذئاب والوحوش.

عبد الحسين شبيب
2012-03-30