ارشيف من :آراء وتحليلات

خطة أنان في حسابات التحالف الغربي ـ الخليجي: مناورة.. أم تسليم نهائي بالحل السياسي

خطة أنان في حسابات التحالف الغربي ـ الخليجي: مناورة.. أم تسليم نهائي بالحل السياسي
ما زالت الأزمة السورية تطغى على ما سواها من القضايا في المنطقة. وهي ما زالت تحتل بنداً أولياً في سلم الاهتمامات الدولية والاقليمية لدرجة أنها حاضرة في المناسبات التي تمت اليها بصلة مباشرة كالقمة العربية في بغداد، والتي لا تمت اليها بصلة مباشرة كقمة سيول النووية في كوريا الجنوبية، ولا يتوقع أن يتراجع هذا الاهتمام، وإن كان من المتوقع أن يأخذ وجهة جديدة، في ظل التطورات المستجدة التالية:
أولاً: المبايعة العامة لمبادرة أنان، وبالتالي التسليم بالحل السياسي عبر الحوار بين الحكومة السورية والمعارضة، ما يعني اقراراً وتجاوزاً لشرط تنحي الرئيس السوري بشار الأسد الذي سبق للمبادرة العربية أن وضعته في سياق مطالبته بتفويض صلاحياته لنائب الرئيس للقيام بحوار مع المعارضة.
وهذا التجاوز ما أكدت اليه قمة بغداد،ما عني بدوره أن مطلب التنحي لم يعد مطروحاً عربياً على الأقل في العلن.
 مطلب تنحي الرئيس بشار الاسد لم يعد مطروحاً عربياً على الأقل في العلن
التراجع الغربي ـ الخليجي يعبر في الحقيقة عن انصياع لخلاصة التوازنات التي آلت اليها الأزمة السورية، وللحقائق الصلبة التي تشكلت على الأرض دولياً واقليمياً وداخل سوريا نفسها، حيث أدرك هذا التحالف أن الموقف الروسي ـ الصيني ليس تكتيكياً، ولا هشاً، وأن النظام أقوى بكثير مما كان يعتقد، وأنه الأقوى ميدانياً في مواجهة معارضة هشة. وأن لا سبيل في المدى المنظور  على الأقل لإحداث خرقٍ أو تغيير في هذه الحقائق.
ثانياً: لا يبدو أن الجهود الفرنسية والتركية والقطرية نجحت أيضاً في ترميم صورة المعارضة السورية من خلال دمجها في الهيكلية التنظيمية للمجلس الوطني، ولا من خلال التوافق على برنامج عمل موحد. فهذه المعارضة بقيت مفتتة ومختلفة حول الواقع التنظيمي وبرامج العمل، كما بقيت موزعة بين معارضة داخل ومعارضة خارج ، حيث شرعت الأولى للتحضير لمؤتمر يخصها تحت عنوان ملاقاة مبادرة أنان، مستفيدة من أنها الأقدر على حجز موقعها في الحوار نظراً لبعدها الوطني الرافض للتدخل الخارجي، وللعسكرة، في حين أن  الخارجية لن يكن سهلاً قبولها تماهي حيلة، وفي مطلق الأحوال، فإن ترتيب بيت المعارضة الخارجية بات ملحاً لثلاثة اعتبارات أساسية، وهي:
أ ـ حاجة التحالف الغربي ـ الخليجي الى صورة موحدة للمعارضة يمكن البناء عليها في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي سيعقد في اسطنبول في الأول من نيسان المقبل.
ب ـ حاجة هذا التحالف الى هذه المعارضة كممثل لمصالحه الخاصة في الحوار المفترض مع النظام وفق مبادرة أنان.
ج ـ الحاجة اليها كمرتكز داخلي لإعادة انتاج التوازن مع النظام انطلاقاً من تحريك الشارع، وبالاستفادة من الظروف التي يمكن ان توفرها لها مبادرة أنان، تماماً كما كان الرهان مع البعثة العربية والمراقبين العرب.
ثالثاً: بمعزل عن الدوافع العقلية، بدأت ترتسم في القضاء العربي عموماً والخليجي تحديداً بوادر تمايز في الموقف من الأزمة السورية. فعلى خلفية الموقف من حركة الاخوان المسلمين، والخوف من دورها في بعض أنظمة الخليج، واعتبار هذه الأنظمة أن سوريا اليوم تشكل خط دفاع رئيسي في مواجهة رياح التغيير القادمة اليها، أخذت بعض هذه الأنظمة تعلن بعض ما كانت تضمره في حقيقة موقفها مما يجري من سوريا، كالكويت، والإمارات وسلطنة عمان .. الخ..
صحيح، أن هذه الأنظمة أضعف من أن تنقلب بالكامل من قوة الهيمنة السعودية ـ القطرية، وقوة الهيمنة الاميركية عليها، إلا أن مواقفها هذه تؤشر الى  رغبة منها في تحيين الوقت المناسب للقيام بتفلت مدروس، وإن كان يحتاج الى المزيد من الوقت ليتبلور في صيغته النهائية.
ولا شك ، أنه كلما نجح النظام في سوريا في الصمود وتقوية مواقعه، وبالتالي نجح في إفشال المؤامرة عليه، سيزيد من فرص تفلت هذه الأنظمة باتجاه ما تراه مصالحها الفعلية.
رابعاً: حافظ الموقفان الروسي والصيني على ثباتهما، وهما تحدثا بلغة واضحة بأن لا تسوية بدون الأسد والنظام، واعتبار أي كلام مغايير لا يمت الى الواقع بصلة، ويعبر عن قصر نظر. وفي نفس الوقت، كان الروسي واضحاً لجهة التأكيد بأن الخيار اليوم في سوريا هو بين أحد أمرين: حل سياسي مع بشار والنظام، أو دفع الأمور باتجاه حرب أهلية لن تقف عند حدود سوريا، ما يعني بلغة سياسية، أن لا خيار إلا الحل السياسي الواقع، أي مع الرئيس بشار الأسد ومع النظام.
حافظ الموقفان الروسي والصيني على ثباتهما وهما تحدثا بلغة واضحة بأن لا تسوية بدون الأسد والنظام 
خامساً: بقي الموقف الاميركي ملتزماً  الآتي:
أ ـ عدم الحماس لعسكرة المعارضة.
ب ـ اعتبار وحدة المعارضة، والتوافق على برنامج عمل مقبول من الجميع شرط ضروري لا بد منه في المواجهة.
ج ـ استمرار العمل على مسألة الأقليات، ومحاولة استدراج الفاتيكان للمشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا.
د ـ التشكيك بنوايا النظام لجهة مصداقيته في ترجمة قبوله مبادرة أنان الى أفعال.
هـ ـ التشجيع على ضرورة الحوار مع روسيا والصين وايران لايجاد حل للأزمة السورية.
و ـ الاحتفاظ بكل أوراق الضغط المفترضة والمقررة على النظام.
بدا الموقف التركي مربكاً ومشوشاً، فهو من جهة قد ذهب بعيداً في معاداة النظام والأسد، ومن جهة ثانية يقف عاجزاً عن الاقدام على أي خطوة عملية من شأنها أن تبل في خريطة توازنات القوة كما يأمل 
سادساً: نجاح النظام في توجيه ضربات استراتيجية لمعاقل المعارضة العسكرية، وتشتيت قواها، وهو يتعامل مع جيوبها بهدوء، وعلى قدر المطلوب. هذا في الوقت الذي قام الرئيس الأسد بزيارة مفاجئة الى منطقة بابا عمرو في حمص، وهي زيارة بالغة الدلالة في نفسها وفي توقيتها ، فهي:
أولاً: وجهت رسالة واضحة لكل من يعنيه الأمر الى أن الرئيس ومن موقعها الرسمي  موجود، وفي موقع قوي، ما عكس تحدياً بالغاً للمعنيين بهذه الرسالة.
ثانياً: اذا كانت بابا عمرو هي المنطقة التي أريد لها أن تشكل نقطة الانطلاق لكسر الرئيس الأسد والنظام، فإن زيارة الأسد لها بتت عنواناً معاكساً يؤكد على بقاء الأس والنظام وهزيمة المعارضة.
ثالثاً: هي رسالة ثقة وقوة ذات شحنة معنوية عالية للنظام وللشعب السوري.
رابعاً: هي رسالة تؤكد عمق التلاحم بين الرئيس والمؤسسة العسكرية.
سابعاً: بدا الموقف التركي مربكاً ومشوشاً، فهو من جهة قد ذهب بعيداً في معاداة النظام والأسد، وفي رهاناته، ومن جهة ثانية يقف عاجزاً عن الاقدام على أي خطوة عملية من شأنها أن تبل في خريطة توازنات القوة كما يأمل، أي الإقدام على احتلال جزءاً من الأراضي السورية وتحويلها الى منطقة عازلة يسلمها للمعارضة السورية، في ظل التحذيرات الشديدة له من روسيا وايران، وفي ظل عدم توفر الغطاء الدولي الضروري لها.
خلاصة القول، يبدو الجميع اليوم متلحفاً بمبادرة أنان، ويريد الجميع تقريباً منحها الفرصة المطلوبة، لكن في ظل شكوك متبادلة في حقيقة النوايا، ويمكن القول هنا، أن مصلحة روسيا ـ الصين ـ ايران وسوريا أن تتيح مبادرة أنان في فتح الطريق نحو حل سياسي واقعي يطوي الأزمة الحالية، يعيد سوريا الى دائرة الاستقرار، إلا أن مصالح التحالف الغربي ـ الخليجي ليست أكيدة للاعتبارات التالية:
أ ـ يدرك هذا التحالف أن التوازنات الحالية لن تفضي الى تسوية تحقق له ولو بعض مصالحه الاستراتيجية الخاصة. وبالتالي، هو يفضل تمديد الأزمة أطول فترة ممكنة عن أن ينجح في تعديل هذه التوازنات، أو عكسها مجدداً لمصلحته. من هنا، فإن احتمال التعاطي الايجابي لهذا التحالف أن يكون مناورة لشراء الوقت ومن ثم لدفع النظام الى افشال المبادرة لتحميله المسؤولية قبل الذهاب مجدداً الى مجلس الأمن يحرج به روسيا والصين ويستطيع تمريره، أمر وارد.
ب ـ لا مصلحة اسرائيلية على الأقل في تهدئة الأمور في سوريا، وهي تفضل في الحد الأدنى ابقاء الأزمة في حال من المراوحة ، كما أن واشنطن قد تفضل تقطيع الوقت لما بعد الانتخابات الاميركية، حتى تتمكن من  التحرك بحرية أكثر في ما يعني هذه الأزمة.
بناء عليه، فإن هذا التحالف قد يتعاطى مع مبادرة أنان لتقطيع الوقت، ولأخذ استراحة المحارب لإعادة تنظيم صفوف المعارضة بشقيها، والاستفادة من الفرص التي تتيحها مبادرة أنان داخلياً بهذا الاتجاه، الأمر الذي سيعني حتماً أن الأزمة لن تطول سريعاً حتى لو نجح أنان في تنظيم عملية التفاوض وجلب الجميع الى الطاولة، لأن مقتضيات التفاوض تتطلب أيضاً تمديداً في عمليات الضغوط المتبادلة.
2012-03-31