ارشيف من :آراء وتحليلات

المشهد السوري": من خيبة المعترضين الى جولات الاسد على الارض

المشهد السوري": من خيبة المعترضين الى جولات الاسد على الارض
سركيس أبو زيد

يشهد الحدث السوري تغيرات وتبدلات مستمرة وفق التحولات الميدانية واتجاه الدول الاقليمية والدولية . ونتيجة التطورات الاخيرة ، احتوت المواقف المواكبة على كمية كبيرة من الخيبة والإحباط على جبهة المعارضات وداعميها ، بينما اظهرت السلطة عن قدراتها في فرض الامن والهيبة المستعادة من خلال زيارات على الارض قام بها الرئيس بشار الاسد الى باب عمرو والسويداء والجامع الاموي وهي رسائل عن قوة النظام وتوجهه نحو الحسم. ولا يسع المراقب الا ان يسجل في العواصم المعنية ،المشاهد التالية :

1 - في اشنطن استدارة خجولة ، فقد تحولت مواقفها الى "دعم خطة أنان" بعد ان ركز قاموسها السوري على عبارة "تنحي الأسد" والتي استعيض عنها بعبارة "حوار سياسي حقيقي بين النظام والمعارضة" . هذا التبدل خيب آمال المعترضين خاصة لأن خطة أنان لا تقول بتنحي الأسد عن الحكم ... وهي تصب في مصلحة الأسد لأنها : من جهة تسلم باستمرار حكمه وتوفر لدبلوماسيته الراحة من الحملة الدولية ، كما توفر لقواته استراحة لاستعادة الانفاس وكسب الوقت... ومن جهة اخرى تحرج المعارضة وتسلط الضوء على الخلافات بين أعضائها وهي الان في حالة ارباك وتشرذم رغم الدعوات والمساعي العربية والدولية .

2- في اسطنبول ترقب وحيرة ، و تطورات ادت الى تشويش الصورة منها : عدم دعوة تركيا الى مؤتمر القمة العربية ، وانكفاء كل الخيارات العسكرية من تسليح المعارضة الى إقامة منطقة عازلة لأنها تؤدي الى حرب أهلية والى "عرقنة أو لبننة سوريا"... وبالتالي لم تعد فصائل المعارضة رهاناً رابحاً لورثة العثمانية .

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حائر من جهة كان لقاؤه الأخير مع الرئيس الأميركي باراك أوباما محبطاً في الموضوع السوري اذ تيقن أن لا خطط لدى واشنطن لاسقاط النظام ...
ومن جهة اخرى كان يعلق الآمال على نتائج زيارته الى طهران ومعه وفد رفيع المستوى حيث اجرى محادثات معمقة شملت بالتأكيد الملف السوري. الحوار المفتوح بين اسطنبول وطهران يجري في ظل توتر مع حكومة العراق ، وانقطاع تام مع سوريا بعد اقفال السفارة التركية ووقف رحلات الخطوط الجوية التركية والتلويح بورقة المنطقة العازلة...


مجمل هذه الحركة التركية المتوزعة بين واشنطن وطهران وبين الجامعة العربية والدول الخليجية وبين تنظيمات المعارضة ، تعكس حال ارتباك وعدم استقرار في سياسة تركيا ومواقفها حيال الوضع في سوريا...وهكذا عاكست تركيا نظريتها من صفر مشاكل الى زنار الازمات .
هذه التطورات فضحت الدور التركي الذي يتصرف وكأنه " نمر إقليمي" وفي الواقع عاجز عن التحرك من دون قرار أميركي ودولي، وهو ما وضع تركيا في امتحان مع المصداقية والواقعية .


يبدو أن حكومة أردوغان تراهن على الزمن و حساباتها لم تكن دقيقة، وبعد مرور عام على الحدث السوري تجد تركيا نفسها في مأزق لأسباب كثيرة منها ان النظام السوري ما زال قوياً حيث نجح في بسط سيطرته على مختلف مناطق الداخل، حتى أن الجيش السوري وصل إلى النقطة الحدودية مع الأراضي التركية بعد أن كان ذلك ممنوعاً عليه بموجب الاتفاقات الأمنية الموقعة بين البلدين.

3- في بيروت إحباط وخيبة عبّر عنهما بوضوح وليد جنبلاط في حديث صحفي حيث اكتشف على عكس توقعاته وتمنياته ان النظام السوري هو حاجة للاتحاد الروسي، كما كان في القديم حاجة للاتحاد السوفياتي السابق، ويكشف أنه تبلغ من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن لا حل في سوريا الا تحت سقف نظام الاسد .
ويستطرد جنبلاط "المعارضة السورية ذهبت في مراهناتها مسافات بعيدة بعدما سمعت من الاميركيين والاوروبيين كلاماً كبيراً تارة عن سقوط النظام خلال أيام وتارة اخرى ان الأسد فقد شرعيته، حتى ظن البعض أن المسألة انتهت، ولكن الحقيقة خلاف ذلك، اذ ان النظام لم يسقط... " ونعى مؤتمر المعارضة السورية في تونس، وفي تركيا ونعتهما بالفشل .
ما صرح به جنبلاط في العلن هو لسان حال 14 آذار في الكواليس ومن هنا ارتباكها وترددها وضياعها .

4- في دمشق تحول المشهد من الداخل الى الخارج حيث برز تداخل كل أنواع الصراعات الإقليمية والدولية في الأزمة السورية، وما عاد ممكناً الحديث عن ثورة أو أزمة بل عن صراع دولي على سوريا. وهكذا اصبحت الأزمة السورية الداخلية أزمة دولية بامتياز بعد الاصطفاف العالمي الذي حصل، فالمعسكر العربي الخليجي التركي الأوروبي الأميركي الساعي إلى إسقاط النظام يقابله معسكر حلفاء سوريا، أي إيران والصين وروسيا.
والضفة المواجهة للنظام تشهد تراجعاً وارتباكاً : بدأ "المجلس الوطني السوري" يعاني من انسحابات واستقالات ولم يبرز حتى الآن بديل واضح لنظام الأسد. كما أن "الجيش السوري الحر" لم يستطع أن يحقق أي إنجاز، بل فقد آخر مرتكزاته بعد سقوط حمص وإدلب وهروب عناصره إلى تركيا ولبنان. وبعد ان طرح نفسه كجيش تحرير سوريا من نظام الاسد اصبح مجرد عصابات تروع المواطنين .


5- في الختام

شكلت قمة بغداد انتصاراً للعراق لمجرد انعقادها في بلاد الرافدين رغم جراحه . لكن نتائجها هي اقرب الى اعلان موت الجامعة العربية التي عجزت عن مقاربة المسائل العربية الجدية لا سيما فلسطين والبحرين بينما سوريا جيرت الى "مهمة أنان" ... والأهم من كل ذلك التلاقي الحاصل بين الولايات المتحدة وروسيا على دعم مهمة أنان وحض أطراف النزاع في سوريا والمنطقة على التجاوب معها. وهذا أول تقاطع أميركي روسي من نوعه وحجمه حول الأزمة السورية منذ اندلاعها، خاصة وان موسكو تلعب دور الراعي للحل السياسي بينما واشنطن لا رغبة ظاهرة لديها بدور قيادي في المسألة السورية ، أو التورط في سنة "الانتخابات" وفي ظل استراتيجية الانسحاب ... لذلك ليس لديها ما هو أفضل من "مهمة أنان" لتعبئة الفراغ الدولي وتغطية "اللاقرار" الأميركي وأيضاً لحشر روسيا واستدراجها، فاذا فشلت مهمة أنان ستعود الكرة الى ملعب مجلس الأمن ، وستكون موسكو محرجة في ممارسة "الفيتو" ضد قراره هذه المرة...

2012-03-31