ارشيف من :آراء وتحليلات
الصحوة الدينية... لكي تسير على درب التحرر والخلاص
عقيل الشيخ حسين
لا يمكن للأحداث الكبرى التي تعصف بعالم اليوم أن تمر من دون أن يكون للدين رأي فيها وموقف منها وعمل للتفاعل معها وتوجيه مسارها. ذلك طبيعي جداً بالنظر إلى طبيعة المسعى الديني وارتباطه الوثيق بمشكلة الإنسان وهمومه وهواجسه وآماله وتطلعاته منذ فجر التاريخ.
وإذا كان الدين قد سجل تراجعاً كبيراً على ساحة "هذا العالم" في ظل الانتصارات التي حققتها الحداثة خلال القرون الخمسة الأخيرة، فإن البؤس والجوع والحروب والفساد وحالة الضياع وانسداد الآفاق التي تعاني منها الأكثرية الساحقة من بني البشر، وهي الآفات التي تفشت بالتوازي مع تلك الانتصارات، قد فتحت الأبواب واسعة أمام الصحوة الدينية التي يشهدها عالم اليوم.
وقد رأينا وما نزال نرى كيف أن الإسلام الذي شكل لاعباً رئيسياً في تقرير مصير العالم خلال القرون الخمسة عشر المنصرمة، قد عاد بقوة إلى المسرح السياسي على المستوى الدولي بغض النظر عن طبيعة ما يحكمه من مواقف تذهب في هذا الاتجاه أو ذاك.
وما يقال عن الإسلام، يقال أيضاً عن المسيحية التي لعبت دوراً مشابهاً منذ ألفي عام، أو عن اليهودية التي ظهرت قبلهما بقرون.
ولعل هذه العودة القوية التي تتزامن مع ظهور أعراض تفسخ الرأسمالية بعد انهيار الشيوعية تقدم تأكيداً لوجهة النظر القائلة بأن القرن الواحد والعشرين سيكون دينياً أو لن يكون.
وبالاقتصار على هذا القرن وإرهاصاته التي بدأت بالظهور في القرن العشرين، ومن دون اعتماد ترتيب تاريخي للأحداث، شهدنا قيام الدولة اليهودية في فلسطين، والجمهورية الإسلامية في إيران، وبروز المسيحية المتصهينة والمحافظين الجدد في أميركا، وظهور لاهوت التحرر المسيحي في أميركا اللاتينية، ووصول العديد من الأحزاب المسيحية إلى الحكم في أوروبا، وصعود الإسلاميين في بلدان الثورات العربية، وقبلهم صعود طالبان في افغانستان وباكستان، والقاعدة والهجمات على نيويورك وواشنطن وما تلاها من غزو أفغانستان والعراق.
وعلى المستويات المحلية، ظهرت حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وشهد لبنان ظهور حزب الله وحركة أمل. وبالرغم من طابعها المحلي، فإن لتلك التطورات تداعيات وامتدادات اقليمية ودولية واضحة وأكيدة ليس أقلها ما شكلته من تغير في ميزان القوى حرب تموز/ يوليو 2006 بين لبنان و"إسرائيل"، أو حرب أواخر العام 2008 بين هذه الأخيرة وقطاع غزة.
وظهرت في المجال نفسه المواقف اللافتة للبطريركية المارونية التي جاءت تعبيراً عن وعي مسيحي عميق بالانتماء العربي وبرفض التضحية بمسيحيي الشرق على مذبح مشاريع الهيمنة الصهيو ـ أميركية.
وعلى مستوى الأفكار، ظهرت مفاهيم التعصب والتسامح والطائفية والأصولية والتمامية والفتنة والتكفير والاستبعاد والتوفيق وحوار الأديان...
وبالطبع، لا تكفي عودة الديني للقول بأن العالم قد وجد طريقه أخيراً نحو الخلاص. فالمعروف أن وباء النفاق كان على الدوام دائم الجهوزية ليحرف الأديان عن مسيرتها ويحولها إلى أدوات في خدمة أغراض تتناقض مع رسالتها. كما إن وباء التكفير قد استشرى بين الأديان وشكل منطلقاً لحروب غير عادلة عصفت بالعالم طيلة حقب مديدة.
لكن هذين الوباءين لم ينفردا بالساحة الدينية التي لم يغب عنها مرة هاجس التصحيح والعودة إلى المنابع الصافية. وإذا كان التعصب والاحتراب قد احتلا حيزاً في عودة الديني، كما في حالة الصهيونية والمسيحية المتصهينة والتكفير الإسلاموي، فإن التاريخ قد شهد وما يزال نماذج مشرقة في مجال الانفتاح والتعاون والتكامل.
وإذا كان الدين قد استخدم طويلاً كأفيون للشعوب، فإن تجارب كثيرة بينت أنه يشكل رافعة بالغة القوة ومفجراً للكثير من ثورات التحرر والانعتاق. ومن دون التوقف عند تعبيرات ذلك في العالم الإسلامي، تجدر الإشارة إلى أن الكثير من اليهود يدينون الصهيونية ويتبرأون منها، والكثير من المسيحيين يرفضون سياسات الغرب الاستعمارية والعنصرية ويناضلون ضد سياسات الفساد والرأسمالية المتوحشة.
ولعل أبرز الظواهر الراهنة على مستوى الحضور المسيحي في هذا المجال تلك التوترات التي كانت في أساس تصريحات بابا الفاتيكان التي أدان فيها إصلاحات أوباما "المغرقة في الليبرالية الأخلاقية" (شرعنة الانحراف ومنع الحمل وما إلى ذلك)، وهو الأمر الذي عبر عنه أسقف نيويورك تيموتي دولان باستنكار مسعى الحكومة الأميركية لتصوير مسائل الزواج والحمل والإنجاب على أنها أمراض ينبغي استئصالها.
كما ينبغي التنويه بتصريحات البابا التي عبرت عن رفض توجه المجتمعات الغربية (حيث الفصل بين الدين والدولة) نحو تقليص الدين وحصره في المجال الشخصي، وكذلك عن سعي الولايات المتحدة إلى إعاقة النمو الاقتصادي عن طريق "الحصار الذي يهدد العالم"، وعن أعمال القمع التي تمارسها الولايات المتحدة في العديد من بلدان العالم.
هنالك إذاً صحوة دينية لكنها محفوفة بالكثير من المخاطر. ضمانة استمرارها هي عودة كل دين إلى تعاليمه السامية وإثبات قدرته على حل المشكلات البالغة الخطورة التي تثقل كاهل البشرية وتحقيق الالتفاف حول " الكلمة السواء" الجامعة والموحدة... لكي يصبح بإمكان البشرية أن توظف جهودها في مجال العمل على بناء عالم يسوده الحق والعدل والمحبة... كشرط للحياة الكريمة في هذا العالم الزائل، وخصوصاً للفوز الكبير في عالم الحياة الأبدية والنعيم الدائم.
لا يمكن للأحداث الكبرى التي تعصف بعالم اليوم أن تمر من دون أن يكون للدين رأي فيها وموقف منها وعمل للتفاعل معها وتوجيه مسارها. ذلك طبيعي جداً بالنظر إلى طبيعة المسعى الديني وارتباطه الوثيق بمشكلة الإنسان وهمومه وهواجسه وآماله وتطلعاته منذ فجر التاريخ.
وإذا كان الدين قد سجل تراجعاً كبيراً على ساحة "هذا العالم" في ظل الانتصارات التي حققتها الحداثة خلال القرون الخمسة الأخيرة، فإن البؤس والجوع والحروب والفساد وحالة الضياع وانسداد الآفاق التي تعاني منها الأكثرية الساحقة من بني البشر، وهي الآفات التي تفشت بالتوازي مع تلك الانتصارات، قد فتحت الأبواب واسعة أمام الصحوة الدينية التي يشهدها عالم اليوم.
وقد رأينا وما نزال نرى كيف أن الإسلام الذي شكل لاعباً رئيسياً في تقرير مصير العالم خلال القرون الخمسة عشر المنصرمة، قد عاد بقوة إلى المسرح السياسي على المستوى الدولي بغض النظر عن طبيعة ما يحكمه من مواقف تذهب في هذا الاتجاه أو ذاك.
وما يقال عن الإسلام، يقال أيضاً عن المسيحية التي لعبت دوراً مشابهاً منذ ألفي عام، أو عن اليهودية التي ظهرت قبلهما بقرون.
ولعل هذه العودة القوية التي تتزامن مع ظهور أعراض تفسخ الرأسمالية بعد انهيار الشيوعية تقدم تأكيداً لوجهة النظر القائلة بأن القرن الواحد والعشرين سيكون دينياً أو لن يكون.
وبالاقتصار على هذا القرن وإرهاصاته التي بدأت بالظهور في القرن العشرين، ومن دون اعتماد ترتيب تاريخي للأحداث، شهدنا قيام الدولة اليهودية في فلسطين، والجمهورية الإسلامية في إيران، وبروز المسيحية المتصهينة والمحافظين الجدد في أميركا، وظهور لاهوت التحرر المسيحي في أميركا اللاتينية، ووصول العديد من الأحزاب المسيحية إلى الحكم في أوروبا، وصعود الإسلاميين في بلدان الثورات العربية، وقبلهم صعود طالبان في افغانستان وباكستان، والقاعدة والهجمات على نيويورك وواشنطن وما تلاها من غزو أفغانستان والعراق.
وعلى المستويات المحلية، ظهرت حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وشهد لبنان ظهور حزب الله وحركة أمل. وبالرغم من طابعها المحلي، فإن لتلك التطورات تداعيات وامتدادات اقليمية ودولية واضحة وأكيدة ليس أقلها ما شكلته من تغير في ميزان القوى حرب تموز/ يوليو 2006 بين لبنان و"إسرائيل"، أو حرب أواخر العام 2008 بين هذه الأخيرة وقطاع غزة.
وظهرت في المجال نفسه المواقف اللافتة للبطريركية المارونية التي جاءت تعبيراً عن وعي مسيحي عميق بالانتماء العربي وبرفض التضحية بمسيحيي الشرق على مذبح مشاريع الهيمنة الصهيو ـ أميركية.
وعلى مستوى الأفكار، ظهرت مفاهيم التعصب والتسامح والطائفية والأصولية والتمامية والفتنة والتكفير والاستبعاد والتوفيق وحوار الأديان...
وبالطبع، لا تكفي عودة الديني للقول بأن العالم قد وجد طريقه أخيراً نحو الخلاص. فالمعروف أن وباء النفاق كان على الدوام دائم الجهوزية ليحرف الأديان عن مسيرتها ويحولها إلى أدوات في خدمة أغراض تتناقض مع رسالتها. كما إن وباء التكفير قد استشرى بين الأديان وشكل منطلقاً لحروب غير عادلة عصفت بالعالم طيلة حقب مديدة.
لكن هذين الوباءين لم ينفردا بالساحة الدينية التي لم يغب عنها مرة هاجس التصحيح والعودة إلى المنابع الصافية. وإذا كان التعصب والاحتراب قد احتلا حيزاً في عودة الديني، كما في حالة الصهيونية والمسيحية المتصهينة والتكفير الإسلاموي، فإن التاريخ قد شهد وما يزال نماذج مشرقة في مجال الانفتاح والتعاون والتكامل.
وإذا كان الدين قد استخدم طويلاً كأفيون للشعوب، فإن تجارب كثيرة بينت أنه يشكل رافعة بالغة القوة ومفجراً للكثير من ثورات التحرر والانعتاق. ومن دون التوقف عند تعبيرات ذلك في العالم الإسلامي، تجدر الإشارة إلى أن الكثير من اليهود يدينون الصهيونية ويتبرأون منها، والكثير من المسيحيين يرفضون سياسات الغرب الاستعمارية والعنصرية ويناضلون ضد سياسات الفساد والرأسمالية المتوحشة.
ولعل أبرز الظواهر الراهنة على مستوى الحضور المسيحي في هذا المجال تلك التوترات التي كانت في أساس تصريحات بابا الفاتيكان التي أدان فيها إصلاحات أوباما "المغرقة في الليبرالية الأخلاقية" (شرعنة الانحراف ومنع الحمل وما إلى ذلك)، وهو الأمر الذي عبر عنه أسقف نيويورك تيموتي دولان باستنكار مسعى الحكومة الأميركية لتصوير مسائل الزواج والحمل والإنجاب على أنها أمراض ينبغي استئصالها.
كما ينبغي التنويه بتصريحات البابا التي عبرت عن رفض توجه المجتمعات الغربية (حيث الفصل بين الدين والدولة) نحو تقليص الدين وحصره في المجال الشخصي، وكذلك عن سعي الولايات المتحدة إلى إعاقة النمو الاقتصادي عن طريق "الحصار الذي يهدد العالم"، وعن أعمال القمع التي تمارسها الولايات المتحدة في العديد من بلدان العالم.
هنالك إذاً صحوة دينية لكنها محفوفة بالكثير من المخاطر. ضمانة استمرارها هي عودة كل دين إلى تعاليمه السامية وإثبات قدرته على حل المشكلات البالغة الخطورة التي تثقل كاهل البشرية وتحقيق الالتفاف حول " الكلمة السواء" الجامعة والموحدة... لكي يصبح بإمكان البشرية أن توظف جهودها في مجال العمل على بناء عالم يسوده الحق والعدل والمحبة... كشرط للحياة الكريمة في هذا العالم الزائل، وخصوصاً للفوز الكبير في عالم الحياة الأبدية والنعيم الدائم.