ارشيف من :آراء وتحليلات
المال الانتخابي... فساد عالمي
نزيهة صالح
تظهر بين الحين والآخر بعض التسريبات حول عملية تمويل لانتخابات جرت في بلد ما، وعملية تمويل هناك لنظام ما، أو لمنظمة في سبيل الوصول الى هدف سياسي يخدم الجهة الممولة. ويسميه البعض بالفساد السياسي المصنف تحت عنوانين: "الرشوة والابتزاز"، تقوم الجهة المستفيدة باستخدام هذين العنوانين للضغط على الأداة التي تنفذ، ويمكن ان تكون هذه الأداة عبارة عن أشخاص معنويين أو اعتباريين ككيان دولة ما. ولا يمكن حصر هذه العملية في بلد بعين، اذ إنها من المسلّمات التي يعتمدها السياسيون والحكام والأنظمة في كل أنحاء العالم، سواء كانت أنظمة رأسمالية أو اشتراكية أو علمانية، أو سواء كانت دولا متقدمة أو نامية أو متخلفة. ولأن العملية تعتمد على المال بشكل مبدئي فيكون بذلك الاعتماد على الشركات الكبرى والأثرياء من أشخاص ودول في عملية التمويل، وبالمقابل تحصل هذه الشركات على نتائج يمكن أن تكون أضعاف ما قد تحصّله في عمليتها التجارية الربحية المعتادة.
في الغرب وخاصة في أميركا، كل الأحزاب تشتري خدمات من شركات عملاقة لها صفة علاقات عامة لتسويق صورتها عبر الصحافة المرئية والمكتوبة والمسموعة، أو لتسويق فضائح حقيقية أو مفبركة لخصومها، وتقوم بتسويق شخص أو شركة أو حزب أو مرشح. فكيف يحصل ذلك، ومن هي اهم الدول والشركات التي تمول أو تتمول في الانتخابات الخاصة وتصل الى أهدافها السياسية:
1- الولايات المتحدة الأميركية: تعتبر الأعلى نسبة في العالم في التمويل السياسي للانتخابات الرئاسية ومجلس الشيوخ والكونغرس وحتى الانتخابات البلدية على صعيد مصغّر. وفي الوقت نفسه تنادي العالم للسير في التحضر والتمدن والشفافية واعتماد الديمقراطية ومحاربة الفساد السياسي. ويتوقع المراقبون أن تشهد الانتخابات المقبلة عام 2013 أعلى نسبة تمويل انتخابي في العالم يفوق الستة مليارات دولار، وخاصة بعد أن ذلل أوباما بعض العقبات التي كانت تحدد سقفا معينا من التمويل الذي يُلزم المرشح التقيد به في تلقيه للمال أو انفاقه خلال العملية الدعائية لحملته، مع تحديد جهة الممول ووجهة الصرف، وهنا تتحرك الشركات الممولة بحرية وتحت عناوين متعددة منها هبات أو مساهمات أو تبرعات المشتركين في الحزب، بينما هي بالأصل، كما يكشف بعض الخبراء الاستراتيجيين، عبارة عن صفقة تدور بين المرشح والشركات، يعطي المرشح صلاحيات معينة لهذه الشركات في حال فوزه. وبالتالي ومن خلال استثمارها في الانتخابات تؤمن هذه الشركات عملية الربح المستدامة. كما وتقوم الشركات بابتزاز المرشح في حال عدم التزامه بتعهداته من خلال تهديده بدعاية يمكن ان تقضي على مستقبله السياسي والى الأبد. أو أن يقوم لوبي معين كما اللوبي اليهودي عبر شركات عملاقة يملكها معظم اليهود بفرض رئيس للولايات المتحدة الأميركية بعد صفقة سياسية معه تتعلق بالشركات وبأمن "اسرائيل" مثلا، ولذلك نجد أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية هي نفسها في عهد الجمهوريين وفي عهد الديمقراطيين.
2- فرنسا: تأتي فرنسا ثاني أكبر بلد في التمويل الانتخابي واستغلال المال السياسي، على الرغم من أن القانون في فرنسا يحظر قيام الشركات بتمويل الأحزاب السياسية والمرشحين، الا أن الالتفاف على الحظر القانوني يأتي من أعلى سلطة ومن مرشحي أعلى منصب في الدولة. فقد قام ساركوزي بالطلب شخصيا من معمر القذافي بتمويل حملته الانتخابية استنادا الى ما كشفه موقع "ميديابارت" للتحقيقات عن وثيقة تثبت أن ساركوزي استلم 42 مليون جنيه من القذافي لتمويل حملته الانتخابية بعد ان زار ليبيا مرات عدة لهذا الهدف الى أن تم تسليمه المال في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2005 مقابل أن يسمح ساركوزي الذي فاز بانتخابات 2007 للقذافي بنصب خيمته في شوارع باريس. وما زال ساركوزي يحصد التمويل العربي من خلال تمويل أمير قطر السخي لحملته الانتخابية، فانقلب على القذافي بهذا الدعم المالي وكانت الطائرات الفرنسية هي أول من قام بضرب القذافي ومعاقله، كما إن وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه متهم الآن بانقياده الى قطر والسعودية من خلال العلاقة الوثيقة التي تربط بعض رجال الأعمال الفرنسيين المقربين من الان جوبيه بشيوخ قطر الأثرياء الذين دخلوا الى الأسواق الفرنسية ببذخٍ مُبالغٍ فيه هدفه تحقيق نفوذ سياسي من دون حساب الخسائر أو الأرباح المالية، وقد ظهرت قدرة التمويل في الحجم الهائل للحملات الاعلامية المدفوعة على فعل التحول الدراماتيكي في شعبية الرئيس ساركوزي في فرنسا، وخلال اسبوع ارتفعت شعبيته بشكل ملحوظ بعد أن تم نشر بعض المقالات وبعض التقارير الاعلامية التلفزيونية، حتى إن زوجته السابقة دفعوا لها المال لتصرح بأنها سوف تنتخب ساركوزي لأنه الأفضل لفرنسا.
وليس بالمال الليبي والقطري فقط يعوم ساركوزي، بل إن هناك تسريبات حول تمويل الرئيس الجزائري بوتفليقة لحملة ساركوزي ايضا لقاء دعم سياسي ما ربما له علاقة بما يجري في العالم العربي من ثورات.
3- بريطانيا: تكشف بعض التسريبات عن بعض التمويلات غير الشرعية لبعض المرشحين كل فترة من الزمن ولكن فقط عندما لا يكون هذا السياسي في الحكم، الا أن الاعلام البريطاني والوسط الاعلاني هو بمثابة شركات تنافس شركات العلاقات العامة الأوروبية والأميركية بغية الحصول على حسابات وعقود، خاصة القطرية والسعودية، لخدمة ما يقدمونها لمن يدفع المال، وقد رأينا ذلك من خلال الحملة الاعلامية الشرسة على الرئيس السوري وعائلته عبر الاعلام. وقد اختارت الشركة التي وقعت عليها مناقصة الحملة الاعلامية على الرئيس الأسد صحيفة "الغارديان" البريطانية المعروفة لبدء الحملة المعدة جيداً والممولة بسخاء خليجي.
4- السعودية وقطر: على الرغم من ان هاتين الدولتين لا تعرفان النظام الانتخابي، فقد أصبح واضحا كيف أن هاتين الدولتين تمولان الحملات الانتخابية في العالم لقاء دعم عالمي من مرشح يفوز، وتدعمان التنظيمات المحلية في البلدان العربية كما كشف ضابط استخبارات فرنسي سابق عن أن الخليجيين وفي سبيل كسر شوكة المقاومة في لبنان مولوا مجموعات سياسية لبنانية وأيضا مولوا تنظيمات مسلحة في سوريا ضد النظام الحاكم، وقد صرح المسؤولون في هذين البلدين بذلك علناً فيما بعد. كما وكشفت بعض المصادر بأن قطر قد دعمت ومولت الانتخابات النيابية في المغرب بـ3 مليارات دولار لقاء موقف للملك المغربي محايد لأي قرار تتخذه قطر تجاه أي دولة عربية وخاصة سوريا.
مع هذا كله هل يمكن ان نقر بوجود رؤساء ومسؤولين منتخبين بصورة شرعية وديمقراطية، أو أن هناك انتخابات تأتي بالرؤساء في العالم بحسب كفاءاتهم، أو أن الحملات الاعلامية شفافة وبعيدة عن الغرض الخاص للشركة الممولة؟ مع تعدد أساليب الدعاية والاعلان التي لا يمكن رصدها بسهولة، لا يمكن أن يقوم أي نظام قضائي في العالم سواء في ما يسمى العالم المتمدن أو المتخلف برصد هذا الفساد العالمي، ووضع المعايير والضوابط لتقنين الانفاق الدعائي ومعرفة مصادر التمويل، والرُّشى والفساد يبقيان في ظل هذه التشكيلة العالمية كبقاء الأرض الى أن يأتي من يرثها.
تظهر بين الحين والآخر بعض التسريبات حول عملية تمويل لانتخابات جرت في بلد ما، وعملية تمويل هناك لنظام ما، أو لمنظمة في سبيل الوصول الى هدف سياسي يخدم الجهة الممولة. ويسميه البعض بالفساد السياسي المصنف تحت عنوانين: "الرشوة والابتزاز"، تقوم الجهة المستفيدة باستخدام هذين العنوانين للضغط على الأداة التي تنفذ، ويمكن ان تكون هذه الأداة عبارة عن أشخاص معنويين أو اعتباريين ككيان دولة ما. ولا يمكن حصر هذه العملية في بلد بعين، اذ إنها من المسلّمات التي يعتمدها السياسيون والحكام والأنظمة في كل أنحاء العالم، سواء كانت أنظمة رأسمالية أو اشتراكية أو علمانية، أو سواء كانت دولا متقدمة أو نامية أو متخلفة. ولأن العملية تعتمد على المال بشكل مبدئي فيكون بذلك الاعتماد على الشركات الكبرى والأثرياء من أشخاص ودول في عملية التمويل، وبالمقابل تحصل هذه الشركات على نتائج يمكن أن تكون أضعاف ما قد تحصّله في عمليتها التجارية الربحية المعتادة.
في الغرب وخاصة في أميركا، كل الأحزاب تشتري خدمات من شركات عملاقة لها صفة علاقات عامة لتسويق صورتها عبر الصحافة المرئية والمكتوبة والمسموعة، أو لتسويق فضائح حقيقية أو مفبركة لخصومها، وتقوم بتسويق شخص أو شركة أو حزب أو مرشح. فكيف يحصل ذلك، ومن هي اهم الدول والشركات التي تمول أو تتمول في الانتخابات الخاصة وتصل الى أهدافها السياسية:
1- الولايات المتحدة الأميركية: تعتبر الأعلى نسبة في العالم في التمويل السياسي للانتخابات الرئاسية ومجلس الشيوخ والكونغرس وحتى الانتخابات البلدية على صعيد مصغّر. وفي الوقت نفسه تنادي العالم للسير في التحضر والتمدن والشفافية واعتماد الديمقراطية ومحاربة الفساد السياسي. ويتوقع المراقبون أن تشهد الانتخابات المقبلة عام 2013 أعلى نسبة تمويل انتخابي في العالم يفوق الستة مليارات دولار، وخاصة بعد أن ذلل أوباما بعض العقبات التي كانت تحدد سقفا معينا من التمويل الذي يُلزم المرشح التقيد به في تلقيه للمال أو انفاقه خلال العملية الدعائية لحملته، مع تحديد جهة الممول ووجهة الصرف، وهنا تتحرك الشركات الممولة بحرية وتحت عناوين متعددة منها هبات أو مساهمات أو تبرعات المشتركين في الحزب، بينما هي بالأصل، كما يكشف بعض الخبراء الاستراتيجيين، عبارة عن صفقة تدور بين المرشح والشركات، يعطي المرشح صلاحيات معينة لهذه الشركات في حال فوزه. وبالتالي ومن خلال استثمارها في الانتخابات تؤمن هذه الشركات عملية الربح المستدامة. كما وتقوم الشركات بابتزاز المرشح في حال عدم التزامه بتعهداته من خلال تهديده بدعاية يمكن ان تقضي على مستقبله السياسي والى الأبد. أو أن يقوم لوبي معين كما اللوبي اليهودي عبر شركات عملاقة يملكها معظم اليهود بفرض رئيس للولايات المتحدة الأميركية بعد صفقة سياسية معه تتعلق بالشركات وبأمن "اسرائيل" مثلا، ولذلك نجد أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية هي نفسها في عهد الجمهوريين وفي عهد الديمقراطيين.
2- فرنسا: تأتي فرنسا ثاني أكبر بلد في التمويل الانتخابي واستغلال المال السياسي، على الرغم من أن القانون في فرنسا يحظر قيام الشركات بتمويل الأحزاب السياسية والمرشحين، الا أن الالتفاف على الحظر القانوني يأتي من أعلى سلطة ومن مرشحي أعلى منصب في الدولة. فقد قام ساركوزي بالطلب شخصيا من معمر القذافي بتمويل حملته الانتخابية استنادا الى ما كشفه موقع "ميديابارت" للتحقيقات عن وثيقة تثبت أن ساركوزي استلم 42 مليون جنيه من القذافي لتمويل حملته الانتخابية بعد ان زار ليبيا مرات عدة لهذا الهدف الى أن تم تسليمه المال في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2005 مقابل أن يسمح ساركوزي الذي فاز بانتخابات 2007 للقذافي بنصب خيمته في شوارع باريس. وما زال ساركوزي يحصد التمويل العربي من خلال تمويل أمير قطر السخي لحملته الانتخابية، فانقلب على القذافي بهذا الدعم المالي وكانت الطائرات الفرنسية هي أول من قام بضرب القذافي ومعاقله، كما إن وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه متهم الآن بانقياده الى قطر والسعودية من خلال العلاقة الوثيقة التي تربط بعض رجال الأعمال الفرنسيين المقربين من الان جوبيه بشيوخ قطر الأثرياء الذين دخلوا الى الأسواق الفرنسية ببذخٍ مُبالغٍ فيه هدفه تحقيق نفوذ سياسي من دون حساب الخسائر أو الأرباح المالية، وقد ظهرت قدرة التمويل في الحجم الهائل للحملات الاعلامية المدفوعة على فعل التحول الدراماتيكي في شعبية الرئيس ساركوزي في فرنسا، وخلال اسبوع ارتفعت شعبيته بشكل ملحوظ بعد أن تم نشر بعض المقالات وبعض التقارير الاعلامية التلفزيونية، حتى إن زوجته السابقة دفعوا لها المال لتصرح بأنها سوف تنتخب ساركوزي لأنه الأفضل لفرنسا.
وليس بالمال الليبي والقطري فقط يعوم ساركوزي، بل إن هناك تسريبات حول تمويل الرئيس الجزائري بوتفليقة لحملة ساركوزي ايضا لقاء دعم سياسي ما ربما له علاقة بما يجري في العالم العربي من ثورات.
3- بريطانيا: تكشف بعض التسريبات عن بعض التمويلات غير الشرعية لبعض المرشحين كل فترة من الزمن ولكن فقط عندما لا يكون هذا السياسي في الحكم، الا أن الاعلام البريطاني والوسط الاعلاني هو بمثابة شركات تنافس شركات العلاقات العامة الأوروبية والأميركية بغية الحصول على حسابات وعقود، خاصة القطرية والسعودية، لخدمة ما يقدمونها لمن يدفع المال، وقد رأينا ذلك من خلال الحملة الاعلامية الشرسة على الرئيس السوري وعائلته عبر الاعلام. وقد اختارت الشركة التي وقعت عليها مناقصة الحملة الاعلامية على الرئيس الأسد صحيفة "الغارديان" البريطانية المعروفة لبدء الحملة المعدة جيداً والممولة بسخاء خليجي.
4- السعودية وقطر: على الرغم من ان هاتين الدولتين لا تعرفان النظام الانتخابي، فقد أصبح واضحا كيف أن هاتين الدولتين تمولان الحملات الانتخابية في العالم لقاء دعم عالمي من مرشح يفوز، وتدعمان التنظيمات المحلية في البلدان العربية كما كشف ضابط استخبارات فرنسي سابق عن أن الخليجيين وفي سبيل كسر شوكة المقاومة في لبنان مولوا مجموعات سياسية لبنانية وأيضا مولوا تنظيمات مسلحة في سوريا ضد النظام الحاكم، وقد صرح المسؤولون في هذين البلدين بذلك علناً فيما بعد. كما وكشفت بعض المصادر بأن قطر قد دعمت ومولت الانتخابات النيابية في المغرب بـ3 مليارات دولار لقاء موقف للملك المغربي محايد لأي قرار تتخذه قطر تجاه أي دولة عربية وخاصة سوريا.
مع هذا كله هل يمكن ان نقر بوجود رؤساء ومسؤولين منتخبين بصورة شرعية وديمقراطية، أو أن هناك انتخابات تأتي بالرؤساء في العالم بحسب كفاءاتهم، أو أن الحملات الاعلامية شفافة وبعيدة عن الغرض الخاص للشركة الممولة؟ مع تعدد أساليب الدعاية والاعلان التي لا يمكن رصدها بسهولة، لا يمكن أن يقوم أي نظام قضائي في العالم سواء في ما يسمى العالم المتمدن أو المتخلف برصد هذا الفساد العالمي، ووضع المعايير والضوابط لتقنين الانفاق الدعائي ومعرفة مصادر التمويل، والرُّشى والفساد يبقيان في ظل هذه التشكيلة العالمية كبقاء الأرض الى أن يأتي من يرثها.