ارشيف من :آراء وتحليلات

الحرب الكونية على سوريا... مسلسل فاشل!

الحرب الكونية على سوريا... مسلسل فاشل!
عقيل الشيخ حسين

هنالك حساب يتراكم منذ سنوات وعقود والولايات المتحدة ترتب لتصفيته مع سوريا. السبب مواقفها المشهودة في تعطيل أو عرقلة العديد من المشاريع الصهيو ـ أميركية في المنطقة.

فقد منعت سوريا تفكيك لبنان وتوطين الفلسطينيين: كان من شأن تحققهما أن يقرّب تصفية القضية الفلسطينية من نقطة النهاية، خصوصاً بعد الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة مختلف أنواع العلاقات معه من قبل معظم الأنظمة العربية.

ولم تكتف بذلك. دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين شكّل ضربة قاسية لأداة الهيمنة والقهر الأكثر فعالية في المنطقة: الجيش الإسرائيلي الذي طالما اعتبر جيشاً لا يقهر، قبل دحره من لبنان وعجزه أمام أبواب غزة.

دعمها للمقاومة في العراق أسهم بشكل رئيسي في إذلال الاحتلال وأجبر الجيش الأميركي، أقوى جيش في العالم، على الانسحاب مع جيوش أخرى حليفة بينها جيوش قوى عظمى كبريطانيا. ولا شك أن هزيمة أميركا في العراق قد رسمت معالم هزيمتها الأكيدة في أفغانستان وباكستان.

وقبل ذلك، لعبت سوريا دوراً هاماً في دعم الثورة الإسلامية في إيران يوم فرض عليها الحصار والحرب الكونية عبر بوابة صدام حسين. والمعروف أن ضرب تلك الثورة كان وما يزال بين أعز الأماني التي يتوق معسكر الشر الأميركي إلى تحقيقها، ليس فقط لأنها أطاحت بالنظام الشاهنشاهي بصفته واحداً من أهم مرتكزات الهيمنة الأميركية في المنطقة، بل أيضاً لأنها كانت، منذ لحظاتها الأولى، واضحة في العمل من أجل أن تشكل، في قلب حالة التشتت والاضطراب في العالمين الإسلامي والثالث، نموذجاً يحتذى في التنمية والتحرر على جميع الصعد الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

الحرب الكونية على سوريا... مسلسل فاشل!

والأكيد أن الاستراتيجيين الأميركيين كانوا يدركون أن صمود بلدين كسوريا وإيران لا يمكن إلا أن ينعكس على موازين القوى الدولية لغير مصلحة السياسات الأميركية. وهذا ما تحقق فعلاً من خلال إسهام ذلك الصمود في خلق الشروط التي سمحت لروسيا بأن تعود بقوة إلى المسرح الدولي بعد أن كانت قد تحولت إلى بلد منهوب ومنتهك أشبه ما يكون بجمهورية موز حقيقية في ظل انهيار النظام الشيوعي واستلام زمام الحكم فيها من قبل بوريس يلتسين.

وكذا الأمر مع صعود الصين وبلدان مجموعة بريكس وما يشكله ذلك من دفع باتجاه إنهاء عالم القطبية الأميركية الواحدة وانبثاق عالم متعدد الأقطاب وأكثر قدرة، بالتالي، على امتلاك مصيره بعيداً عن الخضوع لإملاءات أميركا وحلفائها.

وقد جاء الفيتو المزدوج، الروسي الصيني، في مجلس الأمن، كتعبير عن كل هذه التطورات، ومن الطبيعي أن يبلغ الحنق الأميركي تجاه سوريا مداه الأقصى بمقدار ما كانت الرافعة التي مكنت مجلس الأمن، ربما لأول مرة في تاريخه، من أن يلعب دوره كمجلس للأمن لا كمغارة للصوص لا يلعلع فيها غير صوت واشنطن وحلفائها.

مطلب ضرب سوريا هو إذاً أساسي ولا هوادة فيه بالنسبة للولايات المتحدة. ولا شك بأن اغتيال الرئيس الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وما رافق ذلك من انكشاف مدى المؤامرة التي جندت مسؤولين سوريين كباراً كعبد الحليم خدام ... هي أحداث مترابطة وغير منفصلة عن الوضع الحالي الذي تعيشه سوريا.

بكلام آخر، من الممكن أن يكون ما يسمى بـ "الثورة السورية" قد أخذ في البداية شكل تظاهرات سلمية. وقد يكون تعرض التظاهرات للقمع قد دفع باتجاه ظهور السلاح والمسلحين. لكن المريب جداً هو السرعة الفائقة التي تمكن فيها المتظاهرون السلميون من امتشاق السلاح واستخدامه بالكثير من الناجعية في قتل مئات الجنود والضباط السوريين وفي تدمير الكثير من المنشآت والبنى التحتية، وصولاً إلى تكوين معاقل قادرة على الصمود لأسابيع وأشهر أمام دفاعات الجيش السوري.

من الواضح أن السلاح كان موجوداً في سوريا وأعمال التدريب والإعداد والتحشيد وتجنيد المرتزقة كانت جارية على قدم وساق قبل اندلاع الأحداث بفترة طويلة. وأن التظاهرات السلمية لم تكن غير واجهة تحركت من خلفها خيوط المؤامرة.

ومن المرجح أن أجواء الثورات العربية قد دفعت قوى المؤامرة إلى التسرع في الانتقال إلى التنفيذ على أمل أن تتوسع التظاهرات السلمية وأن تفضي سريعاً إلى إسقاط النظام. لكن ذلك لم يحدث بسبب التفاف أكثرية الشعب السوري حول النظام.

عندها تم الانتقال إلى الحلقة الثانية: الإرهاب والتخريب على أمل تحقيق الهدف داخلياً أو خلق ظروف مؤاتية لتدخل الناتو على الطريقة الليبية.

لكن، سرعان ما تبين أن مثل هذا التدخل سيكون وخيم العواقب في ظل الصمود السوري داخلياً وتشكل جبهة رفض دولي خارجياً. من هنا، لم يكن أمام أميركا من خيار غير الموافقة مرغمة على خطة آنان.

لكنها في الوقت نفس تقف وراء أشكال العرقلة والتجييش المتمثلة بالدعوة إلى تمويل وتسليح ما يسمى بالمعارضة، وتحشيد عشرات الدول في مهرجانات ما يسمى بـ "أصدقاء سوريا"، في إطار التعويل على الاستراتيجية الأميركية المتمثلة بالحرب غير المباشرة، السرية أو الناعمة.

لكنها لا تستثمر في هذه الحرب غير بضعة ملايين زهيدة من مالها الخاص، ولا ترسل أبناءها إلى آتون هذه الحرب. فأموال الأعراب طائلة، وقدرتها على تجنيد المرتزقة والتكفيريين والمخدوعين لا شك فيها. المشكوك فيه بكل يقين هو قدرة الأعراب على الفوز بحبة كستناء واحدة فيما لو نجحت المؤامرة. لأن الكستناء كلها ستجد طريقها سرباً نحو واشنطن وتل أبيب.

لكن سوريا أثبتت أنها أقوى من المؤامرة وستخرج منها أكثر قوة. والأكيد أن النتائج لن تقتصر على احتراق أصابع المتآمرين، كبارهم وصغارهم. فهذه المرة ستطّلع النيران على الأفئدة... في الدوحة المزهوة المغرورة، والرياض المرتجفة المنخورة، وتل أبيب المنكسرة المقهورة، وواشنطن اليائسة المدحورة.
2012-04-06