ارشيف من :آراء وتحليلات

سمير جعجع يعلن سقوط الانعزالية ويبشر بالعروبة الزائفة

سمير جعجع يعلن سقوط الانعزالية ويبشر بالعروبة الزائفة

سركيس ابو زيد

شهد احتفال "البيال" الذي نظمه حزب القوات اللبنانية، أول خطوة عملية على صعيد "الربط  "بين حزب عريق في انعزاليته وحضور  ناشطون وناشطات من مصر وليبيا وتونس وسوريا، شاركوا في المهرجان مما أضاف عليه بعداً عربيا هو الأول من نوعه في احتفالات القوات...
حزب "القوات اللبنانية" يؤكد من خلال هذه المشاركة العربية انه مصمم على الخروج من إطاره "اللبناني المسيحي" الى إطار عربي أوسع وأشمل، وعلى متابعة ما كان بدأه قبل سنوات في اتجاه دول عربية أقام معها علاقات مباشرة وخاصة، وخصوصا دول الخليج، والآن مع دول" الربيع العربي ".
هذه الإطلالة العربية تقع زمنيا بين مرحلة تنظيمية جديدة للقوات تعدها للمرحلة المقبلة... ومرحلة سياسية انتقالية ومصيرية في لبنان والمنطقة .
تميز خطاب رئيس الحزب سمير جعجع، بأن "المضمون العربي" طغى فيه على "المضمون الداخلي"، حيث اقتصر الأمر على حملة عنيفة على "تكتل الإصلاح والتغيير" مع تحييد "الرئيس ميقاتي  و"إغفال"  سلاح حزب الله على غير عادة وتفادي التطرق الى موضوع العلاقة مع بكركي والإشكالية الأخيرة مع البطريرك الراعي ومواقفه...
وأما في الموضوع السوري، فقد اكد جعجع على عدائه التاريخي للنظام ودعى لاسقاطه كحتمية تاريخية، ولكن من دون الالتزام بمهلة زمنية، ولكنه لم يدع الى تنحي الأسد ولم يدعم خطة أنان ...
 
سمير جعجع يعلن سقوط الانعزالية ويبشر بالعروبة الزائفة  
تميز مهرجان "القوات" هذه السنة ، برفع منسوب الاستقطاب السياسي لبنانيا وعربيا وبالرسالة العربية التي ارادت "القوات" من خلالها اخراج مهرجانها من إطاره اللبناني الصرف. وهذا المنطق هو اعلان سقوط العقيدة الانعزالية التي تربت عليها القوات وربيبتها الكتائب والتي تقوم على اساس ان " استقلال لبنان تام وناجز " لذلك تسعى الى ادارة شؤون لبنان بمعزل عن محيطه .
  وعلى نقيض ما كانت تؤمن به القوات والكتائب  وجه جعجع  "تحية من ربيع بيروت الى ربيع دمشق، ومن جبل لبنان الى جبل العرب ومن وادي قنوبين الى وادي النصارى". وقال: "البعض يتكلم عن مسيحيي سوريا وكأنهم هبطوا بالمظلات مع وصول هذا النظام وعليهم تالياً أن يجهزوا أنفسهم للعودة من حيث أتوا في حال سقوطه، متناسين ان المسيحيين سكان أصيلون تاريخيون في سوريا".  هذا الاعتراف بترابط جغرافية لبنان بسوريا هو تاكيد على العلاقات المصيرية وعلى تلازم المسارين الذي كانت ترفضه القوات واخواتها . ان التسليم بشرعية التحالف بين الربيعين والجبلين والواديين هواقرار بشرعية تحالف المقاومة والممانعة بين البلدين.
لقد سبق وقام قائد القوات اللبنانية سمير جعجع بسلسلة زيارات واتصالات ولقاءات عربية امتدت من الكويت إلى مصر، فضلا عن جهات عربيــة أخرى، أردنيــة وفلسطــينية وقطرية وسعودية ، الهدف منها إعطاء بعد عربي للقوات اللبنانية التي عرفت بمواقفها التاريخية المعادية للعروبة والإسلام، مما أثار تساؤلات حول أبعاد هذه التحركات العربية.

فهل هي تعبير عن وعي عروبي متأخر، أم نابعة من منفعة واستقواء بأطراف عربية تخدم الموقف الثابت لمدرسة القوات المعادية لحزب الله وسوريا وإيران؟ هذه القنوات ليست جديدة. سياسة عدو عدوي هو صديقي، اعتمدتها القوات سابقا وما زالت تنتهجها. ومبدأ السيادة والاستقلال المعلن يتم تطبيقه بطريقة استنسابية وعلى قاعدة المنفعة. وعلى هذا الأساس شبكت القوات اللبنانية تحالفات مع صدام حسين والسعودية وبعض الأطراف الفلسطينية والأردن وليبيا وغيرها من الدول والقوى، في لحظات تقاطع المصالح والعداء لسوريا. وعلى هذا الأساس الاستقلالية بالنسبة لها  ليست مبدأً، بقدر ما هي وجهة نظر نفعية في التحالفات العربية.

لقاءات «القوات» مع مصر ـ مبارك جاءت في ظروف تراجع مصر عن دورها الناصري والقومي بعد توقيع معاهدة منفردة مع إسرائيل.
كما أن «القوات اللبنانية» أرادت من شبكة العلاقات العربية التي تقيمها إعطاء بعد عربي لتحركها، تستقوي به في مواجهتها مع حزب الله وسوريا وإيران. فهذا الحراك العربي يساعدها في تطبيع تحالفها مع جمهور 14 آذار، خاصة أنها تقدم نفسها المواجه الأساسي لسلاح المقاومة وداعميه، وتطالب بمساعدات للقيام بهذا الدور، خاصة في الوسط المسيحي الذي بات أكثر تعاطفا مع المقاومة وحماتها. 
أمام غياب الرئيس الحريري تقدم «القوات» نفسها عربيا ودوليا الطرف الأكثر تطرفا، القادر على مواجهة تحالف حزب الله وسوريا وإيران والدفاع عن مصالح أنظمة "الاعتدال العربي" ، في لحظة عربية ولبنانية غير مؤاتية للقوى المتبقية من 14 آذار لتلعب هذا الدور.

هل تستطيع «القوات» أن تكون طليعة هذه المواجهة مستفيدة من دعم بعض «أنظمة الاعتدال العربي» بالإضافة إلى الدعم الضمني من قوى في 14 آذار غير قادرة على المجاهرة بمواقف شبيهة بالقوات، أم أن تموضع القوات في الخندق الأكثر تطرفا سيؤدي إلى استفرادها وعزلها بينما هي تتوهم بأنها في الموقع الأكثر استقطابا في الوسط المسيحي خاصة وفي الأوساط المعادية لحزب الله عامة.
لعبة حافة الهاوية التي تغامر بها القوات تضعها في موقعين أحلاهما مر: إما شر لا بد منه لكل من حزب الله وسوريا كي يتصالحا معه لاتقائه، وإما رأس حربة إذا أزفت ساعة المواجهة ضد حزب الله وسوريا، في لحظة مواجهة إقليمية تراهن القوات أنها مقبلة لا محالة، تفتح لجعجع الطريق إلى بعبدا في ظروف شبيهة بالظروف التي أوصلت بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية.
يحاول جعجع صقل صورته وتلميعها من خلال إعطاء خطابه السياسي منحى عربيا وعروبيا، عبر إطلالاته المتكررة حول المسائل العربية ، وعبر إقامة علاقات مباشرة مع عدد من العواصم العربية.

سمير جعجع يتقن لعبة «السولد» إما كل شيء أو لا شيء، إما الحكم والسلطة وإما السجن أو المنفى

سمير جعجع يعلن سقوط الانعزالية ويبشر بالعروبة الزائفة  
سبق وادرك وليد جنبلاط هذه اللعبة الخطيرة فاعتبر ان «اليمين اللبناني غبي» ونعت اصحابه «الجنس العاطل» أي الفريق الانعزالي المغامر الذي يقود نفسه وجماعته والبلد إلى الانتحار. وخوفا من الوصول إلى هذا المأزق تتخوف بعض الأوساط من وصول جعجع إلى حالة العزلة أو العزل التي تدفعه مع الفريق الأكثر تطرفا إلى التحالف مع الشيطان الأكبر وتكرار تجربة بشير الجميل.

قيل: التاريخ لا يتكرر وإذا تكرر يصبح مهزلة. فهل نشهد مهـزلة أم أن سمير جعجع يراهن على معطيات حبلى في المنطقة وهو يستعد لملاقاتها بعروبته الزائفة التي تجد له صدى وامتداد في العالم العربي الضائع؟

من ضمن هذه الظروف الدولية المتوترة التي تشيع أن الحرب آتية لا محالة، يسعى جعجع الى انشاء حلف التطرف و حشد التحالفات العربــية والدولية للاستقواء على خصومه  على الساحة اللبنانية عامة والمسيحية بشكل خاص . كما يتعاطف مع هذا الحلف بقايا «ثورة الأرز» في المحافل الدولية والأوساط العربية والقوى الهامشية اللبنانية التي تعتاش على مائدة التطرف والعداء لحزب الله وسوريا.
لكن هذه الأجواء تواجهها حالة ممانعة على الساحة اللبنانية  والمسيحية خاصة. لذلك شهدنا نقداً علنياً وضمنياً من قبل القوات لرئاسة الجمهورية وقيادة الجيش بسبب التزامهما بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة وهي المعادلة التي حققت التحرير والنصر، لذلك يشن سمير جعجع حملة لتغيير هذا النهج ـ سر قوة لبنان المقاوم .

أما الكتائب وبقايا قرنة شهوان فتعيش حالة تردد بين الالتحاق بحلف التطرف أو التمايز عنه بالصمت أحياناً، أو طرح الحياد الإيجابي، للخروج من مأزق إرضاء الجمهور المتطرف من جهة أو الانخراط بالمغامرة من جهة اخرى. 
التحولات المقبلة هي الكفيلة بحسم توجه لبنان نحو عروبة الهوية والانتماء أو عروبة المنفعة وهي عروبة زائفة وزائلة. 

2012-04-07