ارشيف من :آراء وتحليلات

الغضب الإسرائيلي على غونتر غراس: الصهيونية لا تقبل ولاءً منقوصاً

الغضب الإسرائيلي على غونتر غراس: الصهيونية لا تقبل ولاءً منقوصاً
عقيل الشيخ حسين
الغضب الإسرائيلي على غونتر غراس: الصهيونية لا تقبل ولاءً منقوصاًالتهمة معروفة وجاهزة وتطال ـ فيما يتجاوز من يعترضون بلا هوادة على السياسات الإسرائيلية ـ أية هيئة أو شخص يتردد في محض "إسرائيل" ولاءه المطلق: معاداة السامية وقسوة القلب التي تحول دون التعاطف مع آلام الشعب اليهودي.

هذه التهمة ألصقت بمئات الأشخاص من سياسيين ومفكرين وأدباء وفنانين تجرأوا على توجيه انتقادات حادة أو خجولة للممارسات الإجرامية التي يرتكبها الإسرائيليون بحق الفلسطينيين والعرب.

نافي بيلاي، الأمينة العامة لمجلس حقوق الإنسان، تعرضت قبل أيام لهجوم إسرائيلي عنيف لم يصل إلى حد توجيه التهم الجاهزة إليها. لكنها خسرت اعتراف الكيان الصهيوني بها وبمجلسها بسبب قرار اتخذه المجلس بإرسال بعثة مراقبين إلى الضفة والقدس للنظر فيما لو كانت للاستيطان تداعيات على مستوى حقوق الفلسطينيين المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الضفة الغربية والقدس.

والواضح، رغم عدم خطورة القرار المذكور، أن بيلاي ما كانت لتفعل ما من شأنه إغضاب الكيان الصهيوني لولا ضرورات "التوازن الشكلي" بعد أن لمع نجمها مؤخراً من خلال شراستها المميزة جداً في التهجم على سوريا.
والواضح أيضاً أن تهجمها على سوريا يثلج صدور الإسرائيليين ويفسر، إضافة إلى نظافة سجلها من السوابق، فوزها بعقوبة مخففة بالمقارنة مع غيرها ممن يثيرون غضب "إسرائيل".

لكن الاديب الالماني الحائز جائزة نوبل في الأدب، غونتر غراس، لا يتمتع في الأوساط الصهيونية بمثل الحظوة التي تتمتع بها نافي بيلاي. فالرجل يصرح بأنه ليس معادياً لما يسمى بـ "دولة إسرائيل". والانتقادات التي وجهها إلى السياسات الإسرائيلية اقتصرت على حكومة نتنياهو التي جعلت من "إسرائيل" تهديداً للسلام العالمي. علماً بأن نتنياهو وحكومته ليسا أسوأ ممن قادوا الحكومات الإسرائيلية السابقة بدءاً بدافيد بن غوريون وغولدا مائير وانتهاءً بتسيفي ليفني وإيهود أولمرت وقبلهما أريئيل شارون وأمثاله.

وعلماً أيضاً بأن هنالك أكثر من سبب يدعو إلى الاعتقاد بأن الكاتب الألماني الحائز جائزة نوبل ـ التي سبق لبعض الشرفاء أن رفضوا قبولها لكثرة ما منحت لمجرمي حرب وأشخاص يخدمون مشاريع الهيمنة ـ لم يهاجم نتنياهو وحكومته، حصرياً، بسبب السياسات الإجرامية بحد ذاتها، بل لأن تلك السياسات تجلب المزيد من الأعداء وترفع مستوى عزلة "إسرائيل".

ما يعني أن الرجل هو أكثر حرصاً على "إسرائيل" مما هو معادٍ لها. وهو يقول في قصيدته بأنه يتضامن مع " إسرائيل" ويريد أن يبقى كذلك. ومع هذا، قامت الدنيا ولم تقعد على غونتر غراس في "إسرائيل" وبلدان الغرب على مستوى الإعلام وتصريحات الرسميين. وبوجه عام، وصفت القصيدة بأنها فضيحة ومخجلة ومثيرة للدهشة والاستغراب والسخرية وبأنها تسعى إلى إشعال الفتنة والكراهية ضد "إسرائيل" وشعبها.

أما غونتر غراس فقد وصف بأنه معادٍ للسامية ونازي سابق ونازي أبدي... والأكيد أن هذه التهم تفعل فعل الضربة القاضية لمن يتم توجيهها إليه بالنظر إلى نفاق السياسيين، وعمليات غسل الأدمغة وبؤس الوعي على مستوى شرائح عديدة في الشارع الغربي.

فهذه الآفات، والنفاق خصوصاً، هي ما يفسر إجماع الجميع على إدانة هتلر والنازية، في حين أن أشخاصاً كنابليون بونابرت في فرنسا، وونستون تشرشل في بريطانيا وهاري ترومان ودوايت أيزنهاور والبوشين، الأب والابن، في الولايات المتحدة قد اقترفوا من الجرائم أضعاف أضعاف ما اقترفته النازية.

أما نظرية غونتر غراس القائلة بأن "إسرائيل" وليست إيران هي ما يشكل تهديداً للسلام العالمي، فقد سبقته إليها استطلاعات رأي أجريت في أوروبا قبل سنوات. وإذا كان قد تأخر عن تلك الاستطلاعات فلأنه ـ على حد قوله في قصيدته ـ لم يكن قد عاش بعد صحوة الضمير أو الشجاعة التي ساعدته في الخروج عن الصمت إزاء النفاق الغربي.

والحقيقة أن ما عبر عنه غونتر غراس من خلال مقارنته بين العدد غير المحدود من الرؤوس النووية غير الشرعية التي تمتلكها "إسرائيل" وبين عدم وجود دليل على امتلاك إيران لرأس نووي واحد، هو من الشواهد الساطعة على ارتفاع منسوب النفاق الدولي.

إذ كيف يمكن لبلدان تمتلك أسلحة نووية قادرة على تدمير الكوكب لمئات وألوف المرات أن تتذرع بالأمن والأخلاق في إنكارها على بلد حقه في السعي لامتلاك برنامج نووي سلمي؟

لكن الإسرائيليين وحماتهم الغربيين وأتباعهم من العرب يعتمدون التهويش بدلاً من الواقعية والحياء والمنطق في طرحهم لقضايا من نوع البرنامج النووي الإيراني، أو القضية الفلسطينية، أو أي قضية محقة أخرى من قضايا الشعوب. وذلك ليس مستغرباً في عالم تحكمه الميكيافلية السمجة والازدهاء بالإثم والعدوان. المستغرب هو بطء الكثيرين في التحرر من آفة الوعي البائس.
2012-04-11