ارشيف من :آراء وتحليلات

الحرب الجديدة على الثورة المصرية: "اجتهادات قضائية" وصناديق عمر سليمان السوداء

الحرب الجديدة على الثورة المصرية: "اجتهادات قضائية" وصناديق عمر سليمان السوداء
ليس مبالغا القول ان الثورة المصرية التي اطاحت حسني مبارك في 11 شباط 2011 تمر في مرحلة مصيرية بعد نحو اربعة عشر شهرا على انتصارها "الجزئي" ان صح التعبير، ربما تستدعي ثورة ثانية من اجل تصحيح ما يمكن اعتباره خللا بدأ يظهر في مسارها. ويشير تحليل بعض الوقائع المتصلة الى ان الصراع بين بقايا النظام السابق ومكونات النظام الجديد لا تزال في اوجها وتستخدم فيها ادوات تارة باسم القانون وتارة تتوسل التهديد باساليب "بلطجية" على نحو ما نقل عن مدير الاستخبارات المصرية العامة السابق اللواء عمر سليمان عن "صندوق اسود" بحوزته، بصفته الاستخباراتية التي يعرف فيها الشوارد والموارد عن الشعب المصري وقادته، وبانه سيفتح هذا الصندوق. وبين هذا الصراع تندلع صراعات اخرى بالحماوة نفسها بين مكونات الثورة، اي جناحيها الاسلامي والاخر الليبرالي. وتتموضع قضايا المواجهة الراهنة بين عنوانين حاسمين لهما تأثير كبير على هوية الدولة الجديدة المزمع استقرارها، وهما الدستور الجديد واكتمال عقد السلطات بانتخابات رئاسة الجمهورية في شهر ايار المقبل كدورة اولى، واذا احتاج الامر في حزيران القادم كدورة ثانية.

في العنوان الاول ثمة تباين حول طبيعة دستور جمهورية الثورة وما اذا كان سيحسم هويتها الاسلامية بنحو كبير وبين من ينادي بابقاءها دولة مدنية متوجسا خيفة من تحكم التيارات الاسلامية "الاخوانية" و"السلفية" بمقاليد الدولة هويةً وسلطات. وبمعزل عن الضوضاء السياسية والاعلامية التي اثارتها القوى والشخصيات الليبرالية المنبثقة عن الثورة من هيمنة الاسلاميين على اللجنة التاسيسية للدستور التي شكلها البرلمان المصري المنتخب بمجلسيه الشعب والشورى، وضمت اغلبية "اخوانية" و"سلفية"، واستدعت انسحابات لممثلي الازهر والكنيسة القبطية والليبراليين احتجاجا على "عدم توازن تشكيلتها وعدم تمثيلها لكل طوائف الشعب المصري" بحسب تعبيرهم، فان استحضار القضاء الاداري ليدلي بدلوه في هذا الموضوع ويبطل عملية انتخاب اعضاء اللجنة باعتبار ان البرلمان خالف منطوق المادة 60 من الدستور المعمول به حاليا عندما لجأت الاغلبية النيابية الاسلامية فيه الى تشكيل اللجنة من مئة شخص نصفهم نواب ونصفهم الاخر غير نواب، وتذرعت محكمة القضاء الاداري بان الاعلان الدستوري الذي اصدره المجلس العسكري الحاكم حول تشكيل اللجنة التاسيسية لم ينص على هذه المناصفة ولم يحدد اي معايير للعضوية ولم يوضح ما اذا كان ينبغي انتخابهم من داخل او خارج البرلمان، مما ادى الى وقف قرار تشكيلها باعتبارها "قرار البرلمان قرار اداري خاطئ يشوبه انحراف في استخدام السلطة".

الفقهاء القانونيون كانوا يتوقعون أن ترفض المحكمة الإدارية قبول الدعوى ضد اللجنة التاسيسية للدستور لان قرار البرلمان ليس قرارا إداري ويخصع للمحاكم الدستورية وليس الادارية

 



واذا كان هذا الالغاء اثار ارتياح المعترضين واعتبروه "ضربة للتيار الاسلامي" يمكن ان تحد من جموحه نحو الامساك بمقاليد البلد، فان اسئلة كثير طرحت حول الاستعانة "غير المشروعة" بهذه المؤسسة القضائية لكي تضع قيودا على عمل السلطة التشريعية، حيث كان قرار القضاء الاداري مفاجئا لان الفقهاء القانونيين كانوا يتوقعون أن ترفض المحكمة الإدارية قبول الدعوى على أساس أن قرار البرلمان ليس قرارا إداريا يخضع لها انما هو من اعمال السلطة التشريعية التي تخضع الرقابة عليها عادة الى المحاكم الدستورية وليس الادارية. لكن المحكمة الادارية قضت بأنها مختصة بالنظر في الدعوى وقررت قبولها شكلا مع إحالة موضوعها إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني النهائي. وثمة ملاحظة اخرى هي انه في القانون هناك نظرية السكوت التي يفسر تارة بانه محل رضا وتارة بانه محل رفض، وليس بالضرورة ان عدم تحديد قرار المجلس العسكري لطبيعة اعضاء اللجنة التاسيسية يعني انه لا يريد ان يكونوا اعضاءا منتخبين في مجلسي الشعب او الشورى. وعليه اتخذ القضاء الاداري نظرية السكوت السلبي ليبدو واضحا المسار السلبي المتخذ من قبله ضد التيار الاسلامي.

يذكر أن هذا الحكم قابل للاستئناف أمام المحكمة الإدارية العليا، لكنه واجب التنفيذ بمجرد صدوره، ما يعني تجميد عمل اللجنة التأسيسية بانتظار أن يجتمع مجلسا الشعب والشورى لإعادة تشكيلها.

لكن السؤال المطروح هو التالي: طالما ان مصر ما بعد الثورة ذهبت الى انتخابات تشريعية انتجت اغلبية اسلامية كاسحة فان التلويح من قبل الاقلية برفض تحويل مصر من دولة مدنية الى دولة اسلامية كما يقولون، يعتبر من الناحية المبدئية مجاف لمفهوم الديمقراطية التي تتيح للاغلبية فيها ان تحدد هوية الدولة وشكل الحكم وكل ما يتعلق بالنطاق الدستوري والذي يعود في النهاية الى صناديق الاقتراع اقراره في استفتاء تقول فيه الاغلبية كلمتها مجدداً.

لكن الاستخدام القانوني غير المبرر الذي يستهدف التيار الاسلامي لم يقف عند هذا الحد بل تجاوزه مبكرا الى موضوع الانتخابات الرئاسية وبدا سيفا يلوح فوق رؤس مرشحي هذا التيار، وابرزهم مرشحا الاخوان المسلمين خيرت الشاطر والتيار السلفي الشيخ حازم ابو اسماعيل: الاول باعتبار انه كان محكوما من قبل القضاء، ولا يجوز له مباشرة حقوقه السياسية الا بعد مرور ست سنوات من تاريخ العفو عنه، مع العلم ان واحدة من ابرز وظائف الثورة هي الغاء كل مفاعيل النظام السابق، سيما ما يتعلق بما كان يمارسه من ظلم واضطهاد للتيارات السياسية المعارضة وفي مقدمهم "الاخوان المسلمين" الذين كانت تلفق لهم على الدوام تهم لادخالهم الى السجن. وهنا يطرح سؤال عما يمكن ان تكون فعلته الثورة المصرية اذا كان نظامها القضائي لا يزال يعمل بمفعول رجعي وكان شيئا لم يكن. لكن وتحسبا لاستخدام سيء جديد للسلطة القضائية كما حصل في قرار اللجنة التاسيسية للدستور، فان الاخوان بادروا الى تقديم مرشح آخر للرئاسة هو محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة (الاسم الجديد للاخوان) تحسبا لاحتمال ابطال محكمة القضاء الاداري ترشيح خيرت الشاطر بناءاً على دعوة مقامة من قبل النائب الاشتراكي ابو العز الحريري.

 احدث النكت السياسية التي اتخذت شكل استطلاع راي جدي وضعت مرشح الاخوان في اسفل نتائج المؤيدين بنسبة واحد فاصل سبعة في المئة فقط


اما السيف القضائي الذي يلوح فوق رأس المرشح السلفي للرئاسة الشيخ حازم ابو اسماعيل فهو بدعوى ان والدته تحمل الجنسية الاميركية بناءا على دعوى مقامة ضده من وزارة الداخلية مما يمكن ان يحرمه من حق الترشح، وهو امر ينكره ابو اسماعيل ويقول ان حمل جواز سفر اميركي لا يعني حكما تمتع والدته بالجنسية مطالبا السلطات بتقديم اثباتاتها القانونية الحسية حول ادعاءاتها.

في المقابل بادر التيار الاسلامي الى استخدام القانون لمواجهة عملية سرقة الثورة التي تجسدت بترشح اللواء عمر سليمان للرئاسة، وبادر الى تقديم اقتراح قانون وافق عليه البرلمان في جلسة عاصفة امس الخميس (12 نيسان 2012) لقطع الطريق على سليمان ورئيس الوزراء السابق احمد شفيق في المضي قدما في ترشحهم. وقضى التعديل بالحرمان من الحقوق السياسية ومنها الانتخاب والترشح لكل من عمل خلال السنوات العشر السابقة على 11 فبراير (شباط) سنة 2011 رئيسا للجمهورية أو نائبا لرئيس الجمهورية أو رئيسا للوزراء أو رئيسا للحزب الوطني الديمقراطي المنحل أو أمينا عاما له أو كان عضوا بمكتبه السياسي أو أمانته العامة وذلك لمدة السنوات العشر ابتداء من التاريخ المشار إليه". واستثني الوزراء من هذا المنع لاسباب عدة بينها وجود وزراء سابقين يمكن ان يترشحوا، وايضا حتى لا تفهم انها تطال وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي الذي يرأس المجلس العسكري الحاكم. ويلزم لنفاذ التعديل الذي ألحق بقانون مباشرة الحقوق السياسية أن يصدق عليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد، وهنا يكمن المفصل الرئيسي بين حقيقة ان يكون عمر سليمان هو فعلا مرشح المجلس العسكري كما يشاع، او انه لا يمت للمجلس هو أو أي مرشح آخر بصلة كما يقول المجلس العسكري في بياناته الرسمية.

وفيما لفت وزير شؤون مجلسي الشعب والشورى محمد أحمد عطية وهو قاض سابق خلال مناقشة التعديل ان "الغرض من هذا التشريع إبعاد شخص معين بالذات أو شخصين معينين بالذات من الترشح للرئاسة"، معتبرا أن "الانحراف التشريعي هو أن يصدر تشريع يقصد شخصا معينا بالذات أو مجموعة معينة بالذات"، ليخلص ان "هذا التشريع مصاب بعوار دستوري"، مما يفتح الباب امام المجلس العسكري ليرفض القانون الجديد تحت هذا العنوان القانوني فيكون القانون مجددا وسيلة، تارة لتقليص تصاعد التيار الاسلامي، وطورا لابقاء بقايا النظام السابق على قيد الحياة السياسية، مما يعني بحسب رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية المستشار محمود الخضيري في كلمته النارية امام البرلمان ان " ترشيح عمر سليمان معناه أن انجلترا وإسرائيل سيحكمونا، فعمر سليمان معناه أن حسني مبارك سيخرج إلى القصر معززا مكرما ونحن كلنا - من يكن حظه طيبا منكم سيدخل السجن - والباقي سيعلق على المشانق." وقال "لتذهب إلى الجحيم جميع المباديء الدستورية التي تمنعنا من أن ندافع عن بلدنا، ونحن سندافع عن مصر بكل الوسائل القانونية المباحة وغير المباحة." واستنتج الخضيري ان المجلس العسكري عندما رفض ان يصدر قانون العزل السياسي فان ذلك كان من اجل عمر سليمان، الذي ذهب ليقدم اوراق ترشحه للرئاسة تحت حماية الشرطة العسكرية، وبعد ذلك يعلنوا (المجلس العسكري) انهم على مسافة واحدة من الجميع"..

 هناك من خرج ليبيض صفحة سليمان ويقول انه كان يعمل لتغيير النظام من داخله، وان الرجل له باع طويل في دعم المقاومة الفلسطينية


وعليه بانتظار قرار المجلس العسكري بشأن منع بقايا النظام من الترشح او اتاحة الفرصة لهم وبين موعد الخامس والعشرين من نيسان موعد لجنة الانتخابات اللائحة النهائية للمرشحين، فان جميع الاسلحة الميدانية والاعلامية دخلت الى معركة حامية الوطيس، ولن تكون تظاهرة الجمعة (13 نيسان) الحاشدة التي دعا اليها الاخوان للاحتجاج على ترشح سليمان وشفيق آخر غيث التحركات، كما لن تكون البيانات والصور التي تعرض وتكشف سيرة مرشحي السلطة السابقين، ومنها نشر الاخوان على موقعهم الرسمي في "الفايسبوك" صور عمر سليمان مع قادة العدو الاسرائيلي الا جزءا يسيرا من حرب ضروس توعد فيها مدير الاستخبارات العامة السابق بفتح ما اسماه "الصندوق الاسود" ليخرج منه ما يرد به على خصومه من اسرار ستكون حكماً محل شك من قبل الرأي العام المصري، الذي يبدو واضحا ان هناك من يتلاعب بالحقائق باسمه وبطريقة اقل ما يقال فيها انها مثيرة للسخرية، او انها من بنات الاستبداد السابق، إذ خرجت صحيفة "الاهرام" بنتائج استطلاع للرأي حول مرشحي الرئاسة، اعطت فيه الاسبقية لـ"عمرو موسى" بحصوله على تأييد 30 في المئة. ، فيما حل حازم أبو اسماعيل في المرتبة الثانية بواقع 28,6 في المئة، وجاء وراءه كل من القيادي السابق في «الإخوان» عبد المنعم أبو الفتوح (8,5 في المئة)، واللواء عمر سليمان (8,2 في المئة)، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق (7,5 في المئة)، بينما حل خيرت الشاطر في المرتبة الأخيرة (1,7 في المئة).

وهنا تكمن المزحة السمجة التي تجعل مرشح الاخوان الرسمي، وهم الاغلبية الاكبر شعبيا كما بينت نتائج الانتخابات النيابية في آخر السلم وبرقم اقل بكثير من شفيق، ليتبن ان معركة الانتخابات الرئاسية في مصر ستكون حافلة بالنكت السياسية وبالحروب الاعلامية والنفسية الضروس التي ستشحذ ما امكنها من اسلحة محرمة تماشيا مع طبيعة المواجهة القاسية، ومنها على سبيل المثال من خرج اليوم ليبيض صفحة سليمان ويقول انه كان يعمل لتغيير النظام من داخله، وان الرجل له باع طويل في دعم المقاومة الفلسطينية داعيا الى سؤال حركة حماس وغيرها عما فعله الرجل لهم..الخ.

عبد الحسين شبيب

2012-04-13