ارشيف من :آراء وتحليلات
الخيارات الحرجة في الازمة العراقية
بغداد ـ عادل الجبوري
خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى الاسبوعين، ادلى رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني أكثر من مرة بتصريحات أشار فيها بوضوح الى وجود توجهات جادة، لإسقاط الحكومة العراقية الحالية برئاسة نوري المالكي، ووجه انتقادات حادة للأخير معتبرا ان منهجه في إدارة شؤون الدولة يكرس سلطة الشخص الواحد وهيمنة الحزب الواحد.
ومن بين ماقاله البارزاني "لو اتفق العالم كله على المالكي، فإننا سنرفضه". و"أن علاقة القوى الكردية مع الشيعة لا يمكن أن تتأثر، كما ان العلاقة بين الكرد وحزب الدعوة هي علاقات وثيقة وتاريخية، وإنه سيبقى يحترم حزب الدعوة بما يمثله من تاريخ نضالي وبما قدمه من تضحيات، لكننا نحمّل المالكي مسؤولية ما يجري، ونحن نخشى من النهج الديكتاتوري الذي يسلكه".
وما هو معروف، فان التجاذبات بين الأكراد والحكومة الاتحادية في بغداد ليست جديدة، وهي تتمحور حول عدد من القضايا، ابرزها، تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي المتلعقة بحسم مصير وعائدية المناطق المتنازع عليها، وكيفية التنقيب عن النفط ضمن حدود اقليم كردستان وانتاجه وتصديره وتوزيع عوائده، وحصة الأكراد من موارد الدولة ودورهم في مفاصل صنع القرار السياسي وتوجيه وإدارة شؤون الدولة.
وفي الواقع ان التجاذبات بين الأكراد والحكومة لاتخرج عن سياق "ازمة الثقة" في المشهد السياسي العراقي العام، وهي ـ اي التجاذبات -غالبا ما تمر بحالات مد وجزر ارتباطا بإيقاع الحراك السياسي وحجم الاختلافات والخلافات وطبيعتها. وفترة الأسابيع القلائل الماضية شهدت حالة مد في التجاذبات بين بغداد وأربيل، لعدة اسباب، منها وجود نائب رئيس الجمهورية المطلوب للقضاء طارق الهاشمي في اقليم كردستان ومن ثم مغادرته من هناك الى عدة دول واحتمال عدم عودته الى العراق اصلا، وارتفاع حدة الجدل بشأن العقود النفطية التي ابرمتها وتبرمها حكومة إقليم كردستان مع شركات عالمية دون موافقة الحكومة الاتحادية، واسقاط التهم الموجهة للنائب السابق في البرلمان العراقي مشعان الجبوري من قبل بغداد، والأكثر من ذلك هو عدم ايفاء المالكي بوعوده التي قطعها للأكراد والتزاماته تجاههم، وخصوصا ما يتعلق بورقة المطالب الكردية التسعة عشر التي قدمها الاكراد للمالكي نهاية عام 2010 وربطوا موافقتهم على توليه منصب رئاسة الحكومة مرة أخرى بقبوله بتلك المطالب، الى جانب التنصل عن تنفيذ بنود اتفاق اربيل.
وهذه المرة بدت القضايا أكثر تشعبا وتعقيداً وتداخلا من المرات السابقة، ونبرة الحدث والخطاب هي الأخرى اختلفت سواء في اربيل او في بغداد، والخطير فيها تأكيد البارزاني غير مرة على التوجه لاسقاط حكومة المالكي، في مقابل قيام ائتلاف دولة القانون وحزب الدعوة بشن حملة اعلامية منظمة على الأكراد عموما، والبارزاني وحزبه على وجه الخصوص.
اجواء التصعيد الحالية، تذكر بأجواء التصعيد التي رافقت ترشيح كتلة الائتلاف العراقي الموحد بعد الانتخابات البرلمانية الثانية آواخر عام 2005 للقيادي السابق في حزب الدعوة الاسلامية ابراهيم الجعفري لمنصب رئيس الوزراء، وهو ما رفضه الأكراد بشدة، وأصروا على رفضهم ليوصدوا الطريق بالكامل أمامه ويرغموه بعد أربعة شهور على اعلان سحب ترشيحه لصالح شخص آخر من حزب الدعوة لينتهي الأمر إلى اختيار المالكي بدلا من الجعفري.
ولعل نفس المبررات والأسباب التي طرحها الأكراد حيال رفضهم الجعفري قبل أكثر من سبعة أعوام يطرحونها اليوم وهم يدعون إلى تنحي أو تنحية المالكي، في ذات الوقت فإن ظروف وملابسات الأزمة السياسية الراهنة تذكر الى حد كبير بظروف وملابسات ازمة 2006، ويبدو ان البارزاني استثمر الخلافات والتقاطعات الحادة بين"العراقية" وائتلاف "دولة القانون"، والانتقادات اللاذعة من قبل التيار الصدري ، وبالتحديد زعيمه السيد مقتدى الصدر للمالكي، الذي وصفه في أكثر من مناسبة في الآونة الأخيرة بالديكتاتور ضمنا أو صراحة، ناهيك عن الملاحظات والتحفظات والاعتراضات الهادئة في بعض الأحيان والحادة في أحيان اخرى التي يبديها المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم لنهج المالكي في ادارة شؤون الدولة، وكيفية تعاطيه مع الشركاء السياسيين، والتدخلات في عمل السلطة القضائية، وغيرها من المسائل.
هذه الأجواء المشحونة بالكثير من التوتر والاحتقان بين الفرقاء السياسيين العراقيين، والتي يبدو فيها المالكي وائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه ومعه حزب الدعوة الاسلامية في جانب، والاخرين في جانب آخر، والتي تضيف إليها بعض المواقف العربية والاقليمية والدولية مزيداً من التوتر والاحتقان، تضع الازمة العراقية المزمنة امام خيارات مقلقة وحرجة احلاها مر، ربما يجد الجميع انفسهم في المربع الاول، اذا بات خيار تنحية المالكي هو نقطة الاتفاق بين عدة قوى سياسية تستطيع ان تتحرك تحت قبة البرلمان وفق السياقات الدستورية، لتنطلق رحلة البحث عن بديل مناسب يحظى – لانقول بالاجماع ولكن-بالقبول النسبي، وهذه مهمة عسيرة وصعبة، لا تقل صعوبتها عن مارثون التسعة اشهر الشاقة التي انتهت في خريف عام 2010 الى تشكيل حكومة ناقصة وغير مكتملة حتى الآن.
مع اقرار مختلف الاطراف السياسية بأن خيار تنحية المالكي ليس بالخيار الجيد، ولكنهم يقولون أنه أحلى الخيارات المرة، في حال بقيت الأمور تدور في حلقة مفرغة، والأزمات والمشاكل تتفاقم وتتزايد يوما بعد آخر، وآكثر من ذلك يضيفون، أن البديل لن يكون في كل الأحوال اسوأ من المالكي حتى وإن جاء من داخل حزب الدعوة، مثل علي الأديب، لأنه سيجد نفسه مرغما على تجنب تكرار أخطاء وتجاوزات سلفه.
الا ان البعض يرى أن بديل المالكي لا ينبغي ان يكون من داخل حزب الدعوة، لأن هذا الأخير أخذ فرصته خلال الأعوام السبعة الماضية، ناهيك عن أن بقاء المنصب التنفيذي الأول بيد لون حزبي معين من شأنه ان يكرس مع مرور الزمن سلطة الحزب الواحد من خلال هيمنة وتغلغل ذلك الحزب في كل مفاصل ومؤسسات الدولة وبشتى المستويات.
لكن في كل الأحوال، ربما كان من المبكر القول بأن المالكي بات خارج اللعبة، فتلويح الأكراد لا يعني بالضرورة رغبتهم الجادة بتغييره، بقدر سعيهم الحصول على تنازلات حقيقية منه، علما أن الرئيس الجديد لحكومة اقليم كردستان نيجرفان البارزاني أعلن قبل عدة ايام عن النية لتشكل مجلس اعلى للتفاوض مع الحكومة الاتحادية بشأن مختلف القضايا العالقة، وكذلك فأنه من غير الواضح فيما اذا كانت القائمة العراقية قادرة وسط حالة التفكك والتشظي التي تمر بها على تبني موقف موحد خارج قبة البرلمان وداخلها حيال المالكي، هذا الى جانب ان التحالف الوطني المؤلف من ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني، الذي يمثل الكتلة البرلمانية الأكبر قد يصطدم بعقبة حقيقية- وهو الذي يفتقر الى الانسجام الحقيقي في توجهات مكوناته - تتمثل في اختيار البديل المناسب عن المالكي وبالتالي تسويقه الى الفضاء الوطني.
قد يكون الاستمرار بقبول المالكي وسياساته بالنسبة للاكراد والسنة وشركائه الشيعة في التحالف الوطني امرا صعبا، بيد ان الاتجاه الى استبداله لايقل صعوبة وتعقيداً، لاسيما وان تجربة السنوات التسع من عمر العملية الديمقراطية العراقية بينت ان مساحات والتفاهم والانسجام قليلة جداً، وان خيارات التوافق غالبا ما تكون هشة لانها محكومة بسياسات الأمر الواقع اكثر مما هي منطلقة من قناعات حقيقية بضرورتها واهميتها استراتيجيا ومرحليا.