ارشيف من :آراء وتحليلات
روسيا واجهت الأزمة على حساب الرأسمال وليس الشعب
صوفيا ـ جورج حداد*
في الأيام القليلة الماضية، قدم رئيس الوزراء الروسي (رئيس الجمهورية المنتخب) فلاديمير بوتين تقريره الحكومي السنوي. وعرض التقرير الأعمال التي انجزتها الحكومة. والجدير ذكره أن القليل من الحكومات يمكن أن تفتخر بانجاز مثل ما انجزته الحكومة الروسية. ففي حقل نمو الناتج الوطني القائم تفوقت روسيا على غيرها من البلدان، كما تمت زيادة الاجور، وقوّى الروبل الروسي مواقعه. وأصبح الدين الخارجي ضئيلا، ونما تعداد السكان. وارتفعت المعاشات التقاعدية.
ولكن بالرغم من النجاحات المحققة، فلا تزال الرساميل تخرج بكثافة من البلاد. وخلال السنوات الأربع لحكومة فلاديمير بوتين خرجت من روسيا رساميل تقدر بـ 9،338 مليارات دولار (تبعا للاحصاءات التي قدمها البنك المركزي الروسي عن السنوات 2008 ـ 2011 والربع الاول من سنة 2012). وهو ما يعادل ميزانية الدولة لمدة سنة.
وهذا التسرب الرأسمالي يعود الى الطريقة التي واجهت بها الدولة الروسية، برئاسة حكومة بوتين، مضاعفات وتبعات الازمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في الغرب، وألقت بأعبائها على الدولة الروسية وخصوصا في حقل الاضطراب في اسواق النفط والغاز وميزان المدفوعات المالية. فخلافا للدول الرأسمالية الاوروبية والغربية، عمدت روسيا الى مواجهة مصاعب الازمة ليس عبر تشديد الخناق على الجماهير الشعبية وفرض ما يسمى سياسة التقشف، وتخفيض الاجور وتضخيم البطالة، بل القت ثقل تبعات الازمة على القطاع الرأسمالي بالذات. وقد تعرض رجال الأعمال الروس الى ضغوط شديدة من الدولة الروسية، التي لم تتوان عن استخدام التدابير القانونية الزجرية. وحسب معطيات مركز التحقيقات القانونية والاقتصادية، فإن واحدا من كل ستة رجال اعمال تعرض للملاحقة القانونية. وثلث الشركات التي وقعت تحت رحمة نصية القانون اغلقت ابوابها. وحسب احصاءات بعض الخبراء دخل خلف القضبان في روسيا اكثر من 100 الف رجل اعمال من مختلف الاحجام.
هذا هو السبب الاساسي لهروب الرساميل ونقص التوظيفات في السوق المالية والاقتصادية الحرة. وان ثلثي التوظيفات الرأسمالية يتم تأمينها من خلال المشاريع الانشائية الحكومية الضخمة، ولا سيما مشاريع انابيب النفط والغاز.
وحسب معطيات مركز الدراسات التابع للمعهد العالي للاقتصاد فإن 10 الاف مؤسسة روسية قامت بالتوظيف فقط في استبدال وتجديد المعدات القديمة، بسبب استهلاكها. ولا تجد الشركات امكانية للاستثمارات الجديدة بسبب نمو العبء الضرائبي. فحينما بدأت الحكومة الحالية عملها كان اجمالي الضرائب يبلغ 8،35% من الناتج القومي القائم، اما الان وحسب تقدير مساعد رئيس الجمهورية اركادي دفوركوفيتش فأصبح اجمالي الضرائب يبلغ 40% من الناتج القومي القائم. كما رفعت الدولة اشتراكات التأمين.
ان غالبية الدول الرأسمالية واجهت الازمة عن طريق سياسة شد الاحزمة بالنسبة للانفاق الاجتماعي ومستوى معيشة الجماهير الواسعة، اما حكومة بوتين ففعلت العكس تماما: فبعد انفجار الازمة فإن حصة النفقات الاجتماعية في الميزانية الروسية ازدادت من مقدار الربع الى مقدار ثلث الميزانية. اما عجز الميزانية الذي كان يبلغ 2 ـ 3 بالمائة من الناتج القومي القائم قبل الازمة فبلغ بعد انفجار الازمة (باستثناء مداخيل النفط والغاز) نسبة 10% من الناتج القومي القائم.
ويفتخر بوتين بارتفاع حجم بناء المساكن. وهذا بالرغم من ارتفاع الاسعار عن القيمة الاصلية المقدرة بنسبة 20 ـ 50% بسبب الرشاوى.
ومن اهم الملاحظات في التقرير هو زيادة عدد الشركات الحكومية الضخمة، التي بلغ عددها ثماني في الوقت الراهن. ويجري العمل لتأسيس التاسعة.
وبالرغم من النجاحات التي حققتها الدولة، فلا تزال تخوض معركة شرسة مع الفساد. وحسب اعتراف رئيس الجمهورية الحالي دميتريي ميدفيديف فإنه جري سرقة تريليون روبل من الطلبيات التي تطلبها المؤسسات الرسمية.
ومن جهة ثانية اعلن فلاديمير بوتين ان الاقتصاد الروسي ينبغي ان يأخذ بالاعتبار التحدي الذي يمثله لسوق المحروقات تطور التكنولوجيا من اجل استخراج الغاز الصخري.
"ان مهمتنا الاساسية هي العمل لبناء اقتصاد جديد، مستدام وقادر على تحقيق نمو نوعي في ظروف المزاحمة الشديدة. ينبغي ان نكون مستعدين لمواجهة اي صدمات خارجية. واحتمال ان تتكرر تلك الصدمات هو احتمال كبير. لقد دخلنا في عصر الاضطراب"، هذا ما جاء على لسان بوتين في تقريره السنوي امام مجلس الدوما (البرلمان).
"لقد بدأت موجة جديدة من التغيرات التكنولوجية. وستتغير تكوينات الاسواق العالمية" اعلن بوتين واعطى مثالا على ذلك انه في السنوات الاخيرة عملت الولايات المتحدة الاميركية بجد لتطوير تكنولوجيا استخراج الغاز الصخري. "وهذا من شأنه ان يعيد بجدية تكوين بنية سوق المحروقات، والشركات الروسية عليها منذ الان ان تأخذ هذا الواقع بالحسبان"، قال بوتين.
واشار بوتين إلى انه يضع كهدف له نقل روسيا الى المركز الدولي الخامس في اجمالي الناتج القومي القائم. ولم يوضح رئيس الوزراء كيف سيتم التوصل الى هذا الهدف، ولكنه اشار الى ان هذا ينبغي ان يحصل لا في عشر سنوات، كما كان متوقعا في السابق، بل في غضون سنتين او ثلاث سنوات.
وتعلق الجريدة الالكترونية الروسية "غازيتا.رو" على ذلك بالقول ان روسيا يمكنها نظريا ان تصل الى المرتبة الدولية الخامسة في الناتج القومي القائم اذا بقي مستمرا اتجاه النمو في الاسعار العالمية للبترول والغاز.
ولاحظ بوتين انه في بداية سنة 2012 زاد حجم الناتج القومي القائم الروسي عما كان عليه قبل الازمة، وهذا يعني حسب رأيه ان روسيا تجاوزت الهبوط الذي حدث في سنتي 2008 و 2009. واعلن ان روسيا حققت النسبة الاعلى في زيادة الناتج القومي القائم بين الدول الثماني الكبار، وهي نسبة 3،4%.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
في الأيام القليلة الماضية، قدم رئيس الوزراء الروسي (رئيس الجمهورية المنتخب) فلاديمير بوتين تقريره الحكومي السنوي. وعرض التقرير الأعمال التي انجزتها الحكومة. والجدير ذكره أن القليل من الحكومات يمكن أن تفتخر بانجاز مثل ما انجزته الحكومة الروسية. ففي حقل نمو الناتج الوطني القائم تفوقت روسيا على غيرها من البلدان، كما تمت زيادة الاجور، وقوّى الروبل الروسي مواقعه. وأصبح الدين الخارجي ضئيلا، ونما تعداد السكان. وارتفعت المعاشات التقاعدية.
ولكن بالرغم من النجاحات المحققة، فلا تزال الرساميل تخرج بكثافة من البلاد. وخلال السنوات الأربع لحكومة فلاديمير بوتين خرجت من روسيا رساميل تقدر بـ 9،338 مليارات دولار (تبعا للاحصاءات التي قدمها البنك المركزي الروسي عن السنوات 2008 ـ 2011 والربع الاول من سنة 2012). وهو ما يعادل ميزانية الدولة لمدة سنة.
وهذا التسرب الرأسمالي يعود الى الطريقة التي واجهت بها الدولة الروسية، برئاسة حكومة بوتين، مضاعفات وتبعات الازمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في الغرب، وألقت بأعبائها على الدولة الروسية وخصوصا في حقل الاضطراب في اسواق النفط والغاز وميزان المدفوعات المالية. فخلافا للدول الرأسمالية الاوروبية والغربية، عمدت روسيا الى مواجهة مصاعب الازمة ليس عبر تشديد الخناق على الجماهير الشعبية وفرض ما يسمى سياسة التقشف، وتخفيض الاجور وتضخيم البطالة، بل القت ثقل تبعات الازمة على القطاع الرأسمالي بالذات. وقد تعرض رجال الأعمال الروس الى ضغوط شديدة من الدولة الروسية، التي لم تتوان عن استخدام التدابير القانونية الزجرية. وحسب معطيات مركز التحقيقات القانونية والاقتصادية، فإن واحدا من كل ستة رجال اعمال تعرض للملاحقة القانونية. وثلث الشركات التي وقعت تحت رحمة نصية القانون اغلقت ابوابها. وحسب احصاءات بعض الخبراء دخل خلف القضبان في روسيا اكثر من 100 الف رجل اعمال من مختلف الاحجام.
هذا هو السبب الاساسي لهروب الرساميل ونقص التوظيفات في السوق المالية والاقتصادية الحرة. وان ثلثي التوظيفات الرأسمالية يتم تأمينها من خلال المشاريع الانشائية الحكومية الضخمة، ولا سيما مشاريع انابيب النفط والغاز.
وحسب معطيات مركز الدراسات التابع للمعهد العالي للاقتصاد فإن 10 الاف مؤسسة روسية قامت بالتوظيف فقط في استبدال وتجديد المعدات القديمة، بسبب استهلاكها. ولا تجد الشركات امكانية للاستثمارات الجديدة بسبب نمو العبء الضرائبي. فحينما بدأت الحكومة الحالية عملها كان اجمالي الضرائب يبلغ 8،35% من الناتج القومي القائم، اما الان وحسب تقدير مساعد رئيس الجمهورية اركادي دفوركوفيتش فأصبح اجمالي الضرائب يبلغ 40% من الناتج القومي القائم. كما رفعت الدولة اشتراكات التأمين.
ان غالبية الدول الرأسمالية واجهت الازمة عن طريق سياسة شد الاحزمة بالنسبة للانفاق الاجتماعي ومستوى معيشة الجماهير الواسعة، اما حكومة بوتين ففعلت العكس تماما: فبعد انفجار الازمة فإن حصة النفقات الاجتماعية في الميزانية الروسية ازدادت من مقدار الربع الى مقدار ثلث الميزانية. اما عجز الميزانية الذي كان يبلغ 2 ـ 3 بالمائة من الناتج القومي القائم قبل الازمة فبلغ بعد انفجار الازمة (باستثناء مداخيل النفط والغاز) نسبة 10% من الناتج القومي القائم.
ويفتخر بوتين بارتفاع حجم بناء المساكن. وهذا بالرغم من ارتفاع الاسعار عن القيمة الاصلية المقدرة بنسبة 20 ـ 50% بسبب الرشاوى.
ومن اهم الملاحظات في التقرير هو زيادة عدد الشركات الحكومية الضخمة، التي بلغ عددها ثماني في الوقت الراهن. ويجري العمل لتأسيس التاسعة.
وبالرغم من النجاحات التي حققتها الدولة، فلا تزال تخوض معركة شرسة مع الفساد. وحسب اعتراف رئيس الجمهورية الحالي دميتريي ميدفيديف فإنه جري سرقة تريليون روبل من الطلبيات التي تطلبها المؤسسات الرسمية.
ومن جهة ثانية اعلن فلاديمير بوتين ان الاقتصاد الروسي ينبغي ان يأخذ بالاعتبار التحدي الذي يمثله لسوق المحروقات تطور التكنولوجيا من اجل استخراج الغاز الصخري.
"ان مهمتنا الاساسية هي العمل لبناء اقتصاد جديد، مستدام وقادر على تحقيق نمو نوعي في ظروف المزاحمة الشديدة. ينبغي ان نكون مستعدين لمواجهة اي صدمات خارجية. واحتمال ان تتكرر تلك الصدمات هو احتمال كبير. لقد دخلنا في عصر الاضطراب"، هذا ما جاء على لسان بوتين في تقريره السنوي امام مجلس الدوما (البرلمان).
"لقد بدأت موجة جديدة من التغيرات التكنولوجية. وستتغير تكوينات الاسواق العالمية" اعلن بوتين واعطى مثالا على ذلك انه في السنوات الاخيرة عملت الولايات المتحدة الاميركية بجد لتطوير تكنولوجيا استخراج الغاز الصخري. "وهذا من شأنه ان يعيد بجدية تكوين بنية سوق المحروقات، والشركات الروسية عليها منذ الان ان تأخذ هذا الواقع بالحسبان"، قال بوتين.
واشار بوتين إلى انه يضع كهدف له نقل روسيا الى المركز الدولي الخامس في اجمالي الناتج القومي القائم. ولم يوضح رئيس الوزراء كيف سيتم التوصل الى هذا الهدف، ولكنه اشار الى ان هذا ينبغي ان يحصل لا في عشر سنوات، كما كان متوقعا في السابق، بل في غضون سنتين او ثلاث سنوات.
وتعلق الجريدة الالكترونية الروسية "غازيتا.رو" على ذلك بالقول ان روسيا يمكنها نظريا ان تصل الى المرتبة الدولية الخامسة في الناتج القومي القائم اذا بقي مستمرا اتجاه النمو في الاسعار العالمية للبترول والغاز.
ولاحظ بوتين انه في بداية سنة 2012 زاد حجم الناتج القومي القائم الروسي عما كان عليه قبل الازمة، وهذا يعني حسب رأيه ان روسيا تجاوزت الهبوط الذي حدث في سنتي 2008 و 2009. واعلن ان روسيا حققت النسبة الاعلى في زيادة الناتج القومي القائم بين الدول الثماني الكبار، وهي نسبة 3،4%.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل