ارشيف من :آراء وتحليلات

خطة أنان واختبارات ما بعد وقف إطلاق النار... أية احتمالات؟

خطة أنان واختبارات ما بعد وقف إطلاق النار... أية احتمالات؟
دخلت الأزمة السورية منذ السادسة من صباح يوم الثاني عشر من نيسان مرحلة الاختبار الفعلي لأولى الخطوات الخاصة بتطبيق خطة أنان ذات البنود الستة، والمتمثلة باعلان وقف شامل لاطلاق النار، وعلى أن يعقب ذلك إرسال أول بعثة من المراقبين الدوليين لتوفر الإسناد اللازم لضمان استمرار الالتزام بهذه الخطوة.

إلا أن هذا، لا يعني بالضرورة أن الطريق باتت على نحوٍ حاسم معبدة بالورود أمام إكمال تنفيذ باقي بنود خطة أنان، وذلك لاعتبارات متنوعة تتصل بحسابات ورهانات الأطراف المشتبكة والمتصارعة في وحول سوريا، والمستندة الى مصالح ذات ثقل استراتيجي ومتعدد الأبعاد الجيوبولتيكية اقليمياً ودولياً، أبرز هذه الاعتبارات هي:

أولاً: لا تبدو ـ حتى الآن ـ أن النوايا الخاصة بالتعامل مع خطة أنان متطابقة من حيث الصدق والمصداقية، فبقدر ما يظهر مثلاً الموقفان الروسي والصيني حرصاً أكيداً على ضرورة توفير كل التسهيلات اللازمة لنجاح أنان، بما فيها ممارسة ضغوط واضحة وعلنية على النظام السوري، لا يبدو الموقف العربي عموماً مماثلاً، حيث يصر على التشكيك بنوايا النظام، وإرسال الرسائل التي تؤكد تمسكه باستراتيجيته الخاصة بدفع الأمو الى حد اسقاط النظام، كما ظهر ذلك تماماً في مؤتمر اسطنبول الأخير، وكما ظهر في مواقف وزارة الخارجية الاميركية التي عادت للعزف على مقولة ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد.

خطة أنان واختبارات ما بعد وقف إطلاق النار... أية احتمالات؟

والأمر يبدو أكثر وضوحاً اذا ما عدنا الى المواقف والممارسات الخاصة بالمحور السعودي ـ القطري ـ التركي ـ الذي يحرص ليس فقط على التشكيك بجدوى خطة أنان، وبنوايا النظام، بل الحرص على مصادرة النتائج سلفاً لجهة حسمه بأن الخطة فاشلة، وأن النظام السوري لن يتجاوب معها، مرسلاً في الوقت نفسه مؤشرات قوية على تمسكه بضرورة اسقاط النظام بالقوة من خلال توفير كل سبل دعم المعارضة عسكرياً، ومن خلال اظهار الاستعداد للتدخل عسكرياً لحجز منطقة آمنة بذرائع انسانية، كما بدا في عموم المواقف والتحركات التركية الأخيرة.

ان التباين في النوايا يعود الى أن كلاً من روسيا والصين وايران والنظام يرون في المبادرة الحالية توازناً معقولاً وسلساً للجميع للنزول الى أرض الواقع، والتعاطي مع الأزمة استناداً الى توازناتها القائمة والمستمرة، ولأن أي بديل آخر لن يعني سوى اطالة لعمر الأزمة التي سيدفع ثمنها ليس فقط سوريا والسوريون، وإنما عموماً المنطقة.

لعل التمايز الوحيد بين حسابات ورهانات الولايات المتحدة وحسابات ورهانات المحور السعودي ـ القطري ـ التركي ، تكمن في أن الأولى ترى في خطة أنان ما يجسد استراتيجيتها الخاصة والأفضل بالنسبة لها لجهة تحقيق الهدف عينه، وذلك استناداً لما يمكن أن توفره الخطة من ثغرات مهمة يمكن النفاذ منها لإحداث تعديل في توازنات المشهد السوري لمصلحة الاطاحة بالنظام وتالياً بالرئيس السوري، الأمر الذي يعني بدوره، ان التمايز هنا تكتيكي ولس استراتيجي، كما قد يكون جزءاً من لعبة تقاسم الأدوار، حيث تلعب الولايات المتحدة لعبتها، في حين يتولى حلفاؤها السعوديون والقطريون والأتراك توفير ما يلزم من أوراق ضغط، وتسهيلات لوجستية، وضغوط مطلوبة لجعل المحور الآخر محاصراً بين خيارين: إما القبول بخطة أنان وفق متطلبات الخطة الاميركية، أو المضي قدماً بالخيار السعودي ـ القطري ـ التركي ذي السقف العسكري الى النهاية.

ثانياً: ان خطة أنان عامة ويحتاج كل بند من بنودها الى توضيحات وتفاصيل، لا سيما لجهة اقفال الثغرات او النوافد التي يمكن لخصوم النظام استغلالها. فعلى سبيل المثال، تتحدث الخطة عن سحب الجيش وأسلحته الثقيلة من دون أن تعطي ضمانات فعلية بأن لا يستغل المسلحون هذه العملية لمصلحتهم. كما تتحدث الخطة أيضاً عن مراقبة فعالة عبر ارسال مراقبين، الا أنها لا تتحدث عن عددهم، وعن المرجعية التي يعود اليها حمايتهم. فلنتصور مثلاً أن يكون قرار الحماية دولي أيضاً، وأن يكون عدد المراقبين كبير، حينئذٍ سنكون أمام إدخال جيش دولي بطريقة مواربة وخادعة، الأمر عينه يمكن سحبه على الشق الانساني والسياسي، فبقدر ما يبدو النظام جهة واضحة ومشخصة، لا يبو الأمر عينه بالنسبة للمعارضة، ولا لرؤيتها للحل.

خطة أنان واختبارات ما بعد وقف إطلاق النار... أية احتمالات؟

ثالثاً: لا يمكن الفصل بين البعد الأمني والبعد السياسي في الأزمة السورية، إذ أن الأول هو من يحدد التوازنات الخاصة بالحل السياسي، وأي خلل فيه سينعكس على توازنات القوة الخاصة بالحل السياسي، واذا عدنا الى خطة أنان، فهي تقدم الحل الأمني على الحل السياسي وبصورة تتيح امكانية التلاعب بالتوازنات الحالية مجدداً، انطلاقاً من:

أ ـ ا ستغلال انسحابات الجيش من قبل المعارضة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء عسكرياً وأمنياً، وهذا ما تنبه له النظام، لذا سارع الى طلب ضمانات ولو كلامية من أنان، مع الاحتفاظ بحق التدخل.
ب ـ العمل على اعادة تحريك الشارع المعارض بالاستفادة من الرقابة الدولية، ومحاولة دفعه الى الحد الأقصى للقول ان المعارضة تملك حيثية واسعة، على خلاف ما ظهر مع تجربة المراقبين العرب.
حقيقة الأمر هنا، أن النظام سيكون أمام تحديين أساسيين سبق أن خاضهما بنجاح، لكن مكتوب عليه أن يخوض غمارها مجدداً في ظروف مختلفة، وشروط جديدة، ما يجعل هذا الخوض أكثر دقة، لأن على حصيلته النهائية سترسوا معادلة الحل السياسي، وبالنظر الى كل مسار الأزمة السورية، فإن النظام أظهر قدرة فائقة على مواجهة الكثير من التحديات والنجاح فيها.

خلاصة القول هنا، أن الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة، وهي مرحلة ستتحدد معها مؤشرات جديدة حول الوجهة التي ستتخذها: حل يكرس المعادلة الحالية، أم أن الأزمة ستبقى مفتوحة على المجهول، ومن الواضح، أنه حتى مع تصور انطلاق مشوار الحل الساسي، فهذا بدوره سيبقى الأوضاع الأخرى هشة ومفتوحة على التوتر لا سيما كلما لامس سقوف الحل المفترض ونوع التنازلات مطلوبة ما عدا ذلك، قد نكون أمام نوع من الستاتيكو المطلوب لتمرير الكثير من الاستحقاقات في المنطقة ودولياً، أبرزها الانتخابات الفرنسية والاميركية، والكباش الدائر حول السلطة وتوازناتها في مصر المفتوحة بدورها على تحديات خطيرة ومقلقة.
2012-04-16