ارشيف من :آراء وتحليلات

خطة أنان: أعداء سوريا يريدونها خطة لإسقاط النظام وحلفاؤها يريدونها خريطة للحل

خطة أنان: أعداء سوريا يريدونها خطة لإسقاط النظام وحلفاؤها يريدونها خريطة للحل
ثلاثة أشهر لاختبار مآلات الأمور

لا يزال وقف اطلاق النار في سوريا غير كامل، ما يجعل الالتزام به هشاً، ويفتح الطريق واسعاً للتشكيك بما اذا كانت خطة أنان ستمضي قدماً، أم أنها ستسقط في أول الطريق بمطرقة تبادل المسؤولية والاتهامات، تماماً كما كان يحدث إبان الحرب الأهلية في لبنان، حيث لم يكن يتم التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار حتى يتم خرقه قاطعاً الطريق على أي امكان للشروع في حل سياسي، وفي هذا الإطار، فإن ثبات وقف اطلاق النار ودقة الالتزام به مؤشران على مدى استعداد الأطراف لولوج مرحلة الحل السياسي من عدمه، من دون أن يلغي ذلك ما قد تفرضه مقتضيات التفاوض من ضغط هنا.. وضغط هناك.
ولا شك، أن توقيع دمشق على وثيقة تفاهم مع الأمم المتحدة حول مهام عمل المراقبين الدوليين يبعث برسالة ذات مضمون مزدوج:
الأول، يقول إن دمشق جدية في تثبيت وقف اطلاق النار، والثاني، ان اجراءات انفاذه خطت خطوة متقدمة الى الأمام، ما يعكس بدوره وجود فرصة جدية للمضي قدماً في خطة أنان.
ومن حق دمشق هنا أن تكون دقيقة وحذرة في تعاملها مع كل بند من بنود خطة أنان، لأن غالباً ما تكمن مخالب الشيطان في التفاصيل. ويمكن القول، إن المرحلة الحالية من صراع الأطراف المعنية بالأزمة السورية هي ليست حول العناوين العامة لخطة أنان، وإنما حول المضمون الذي يراد إكسابه إياها، بحيث يريد التحالف الغربي ـ السعودي ـ القطري ـ التركي النفاذ من التفاصيل الى انتاج توازنات جديدة مغايرة للتوازنات الحالية تفضي الى أحد احتمالين: الأول، الحصول على مكاسب في أي تسوية لا يتيحها التوازن الحالي، والثاني، الدفع في صورة الأوضاع بالاتجاه الذي يخدم أهداف المخطط الأصلي المتمثل باسقاط النظام. في هذا الإطار، يمكن وضع مجموعة من الوقائع الخاصة بهذا المحور، والمتمثلة بالتالي:
أ ـ الإقامة في مربع التشكيك بنوايا النظام السوري لجهة استعداده الفعلي لانجاح خطة أنان، طبعاً المقصود هنا خطة أنان كما يتصورها هذا المحور، أي وفق النسخة الخاصة التي لديهم عن هذه الخطة.
التشكيك هنا يتجاوز مسألة الضغط على النظام الى محاولة حرف الخطة الى مقاصد مفصلة على مقياس هذا المحور.
ب ـ اعطاء أدنى نسبة من احتمالات نجاح خطة أنان لـ 3% وفق أمير قطر الحالي، ما يعني اصدار حكم الاعدام سلفاً على هذه الخطة، بالرغم من أن هذه الخطة موضوعة لمعالجة أزمة بالغة التعقيد والتشابك الداخلي، ما يكشف وجود نوايا مبيتة لا تريد لهذه الخطة النجاح، ولا تتمناه لها.
ج ـ الحض على تسليح المعارضة، وتوفير كل مستلزمات التمويل لها.
د ـ اصدار مواقف تلتزم مواصلة الضغوط المتنوعة على النظام من اقتصادية واعلامية وسياسية وأمنية.
هـ ـ اعلان الدعم المشروط لخطة أنان لا سيما لجهة تحديد مهلة زمنية ضيقة لها.
و ـ انكشاف المزيد عن حقيقة ما يريده هذا المحور من خطة أنان، والمتمثل بالتالي:
ـ ايجاد "ممرات انسانية لضمان استمرار المعارضة".
ـ ايجاد حالة فراغ تسمح بالتلاعب في وضعية الشارع السوري لمصلحة هذا المحور.
باختصار، ما يريده هذا المحور من الخطة هو على العكس تماماً من منطوقها ومفهومها، حيث نصت على الحوار السياسي كآلية وحيدة بين الحكومة السورية والمعارضة لايجاد حل سياسي، وليست الخطة موضوعة كخطة بديلة للخطط السابقة الهادفة الى قلب الأوضاع والمعادلات، بما يسمح بإسقاط أحد طرفي المعادلة، والمقصود هنا تحدداً النظام.
هذا بحد ذاته ما دفع موسكو الى التأكيد باستمرار بأن هدف خطة أنان هو إقامة الحوار لايجاد هذا الحل السياسي، وهذا ما بادرت اليه بالفعل عبر التواصل مع مختلف مكونات المعارضة، واذا كان هناك احتمال قوي لأن تتجاوب أطراف المعارضة الوطنية الداخلية، فإن هذا الاحتمال يبدو أضعف بكثير بالنسبة الى المعارضة الخارجية التي يديرها المحور الغربي ـ السعودي ـ القطري ـ التركي.
ولنفس هذه الاعتبارات، تتعامل دمشق بمنتهى الحذر مع مبادرة أنان، حيث تعمل قدر الإمكان على إقفال المنافذ التي يريد هذا المحور التسلل من خلالها لتحويل خطة أنان من خطة للحل الى خطة للتآمر على النظام، وبما يفتح جراح الأزمة مجدداً، ويدفع سوريا الى حافة المجهول.
ويبدو أن تحديد مهلة المراقبين الدوليين بثلاثة أشهر كمؤشر على أن هذه الفترة ستشكل فرصة اختيار اضافية لكل الأطراف حول المسار الفعلي الذي ستسلكه الأزمة في سوريا: نحو طريق الحل، أم نحو طريق ابقائها جرحاً نازفاً مضبوط الإيقاع على مجمل ملفات المنطقة الاستراتيجية بدءاً من العراق الذي يشهد اليوم محاولات كبيرة لإعادة رسم خريطته السياسية الداخلية وتوازناته الاقليمية انطلاقاً من الدور الذي يلعبه الزعيم الكردي مسعود البرزاني اليوم، مدعوماً من السعودية وقطر وتركيا، ومروراً بالملف النووي ـ الايراني الذي سجل انطلاقة ايجابية، وان كانت غير نهائية نظراً لتباينات المقاربة الأوروبية ـ الاميركية له، وللحضور الثقيل للاسرائيلي في هذا الملف.
وليس انتهاءً بمصر التي تشهد اليوم خلطاً واسعاً في الأوراق، وفي خريطة توازناتها السياسية المضبوطة على مستقبل غير واضح حتى الآن، وكذلك السودان الذي عاد ليستولد الحرب المريرة ما بين شماله وجنوبه في ظل دور اسرائيلي واضح ومعلن.
باختصار إن الأشهر الثلاثة المقبلة ستبدو كحاضنة زمنية لاستيلاد العديد من المؤشرات على ما ستؤول اليه الأمور في المنطقة عموماً، لا سيما لجهة التوازنات العامة التي ستنحكم اليها، والتي ستكون سوريا منطلقها، والتي لن يكون لبنان بمنأى عنها.

2012-04-21