ارشيف من :آراء وتحليلات
من فلسطين إلى بلدان الخليج: هذه هي النجاحات والانتصارات!
على ما يريده الطيب عبد الرحيم، أمين عام الرئاسة الفلسطينية، لندن "واحدة من أعرق عواصم العالم". هذا صحيح. لكن العدل والموضوعية يقتضيان أن يقال، قبل ذلك، خصوصاً عندما يكون المتكلم فلسطينياً، إنها عاصمة البلد الاستعماري العريق والمسؤول عن إراقة أنهار من دماء شعوب العالم المستضعف وفي طليعتها الشعوب العربية وخصوصاً الشعب الفلسطيني.
مناسبة هذه المدحية، والناس يحتفلون بإحياء الكثير من المناسبات المهمة وغير المهمة، هي انطلاق فعاليات المهرجان الاولمبي الفلسطيني الذي جرى، استعداداً لأولمبياد لندن، أمام ضريح الرئيس ياسر عرفات، بحضور عبد الرحيم ممثلاً للرئيس محمود عباس، واللواء جبريل الرجوب رئيس اللجنة الاولمبية، والقنصل البريطاني في القدس السير فينست فين والعديد من الشخصيات الرسمية والشعبية.
والجدير بالذكر أن إحياء أولمبياد لندن قد تم في أريحا، بفرح كبير، قبل 100 يوم من انطلاق الأولمبياد. وهذا الفرح لا يوازيه غير الفرح بإحياء الحدث نفسه، في وقت سابق، في أريحا نفسها، وفي ظروف مشابهة، ولكن قبل 500 يوم من انطلاقه.
الاحتفال السابق الذي استبق الحدث بـ 500 يوم جرى من خلال سباق للدراجات جاب أنحاء الضفة الغربية. والسؤال في ظل كل هذا الفرح، هو بأية نسبة تصاعدية سيعم الفرح أنحاء الضفة الغربية وغزة مع كل يوم يقرب في فلسطين من اليوم الذي ستحتل فيه فلسطين "مكانها اللائق" (العبارة وردت على لسان عبد الرحيم) في أولمبياد لندن القادم.
كما وردت على لسانه عبارات أشادت ببريطانيا التي تقف معنا في... "حل الدولتين"... وبالدور الذي تلعبه الرياضة في إدخال القضايا العامة إلى قلوب العالم... وفي تجسيد فلسطين وعاصمتها القدس الشريف. كما أشارت إلى فلسطين بصفتها قضية عادلة تستحق أن يكون لها مكان تحت الشمس. نعم، تحت تلك الشمس الباردة في عاصمة الضباب. ومن جهته، أعرب القنصل البريطاني السير فنست عن فخره بوجود العلم الفلسطيني، مرة أخرى، بجانب العلم البريطاني بعد مئة يوم في لندن.
وسباق دراجات في أنحاء الضفة الغربية! أي ـ بغض النظر عن الاحتلال والقتل والاغتصاب اليومي للمزيد من الأرض والاعتقالات وما إلى ذلك من تعسفات وإذلالات إسرائيلية ـ في المكان المقطع الأوصال، المنفصلة قراه ومدنه عن بعضها البعض بالأوتوسترادات، وجدران الفصل، والأسلاك الشائكة، والحواجز العسكرية، وقطعان المستوطنين. كيف حدث ولأية أسباب وأغراض سمح الاحتلال للدراجات الفلسطينية أن تتسابق على الطرقات في أنحاء الضفة الغربية؟؟!!
ومع هذا الأولمبياد الرياضي، يتزامن أولمبياد آخر. مسرحي هذه المرة. مسرحه ليس في رام الله بل في بقايا قصر للخليفة الاموي هشام بن عبد الملك يقع على بعد خمسة كيلومترات من أريحا. وفي هذا الإطار، عرض مخرج إيرلندي مسرحية بعنوان "الملك ريتشارد الثاني"، ملك انكلترا. (ريتشارد هذا حكم بعد ريتشارد الأول قلب الأسد الذي اشتهر بما ارتكبه من فظاعات في فلسطين إبان الغزو الصليبي).
ويأتي هذا العرض الذي عرض لمرات في الضفة الغربية والذي استمتع به المشاركون والمشاهدون أيما استمتاع، يأتي كتمهيد لمشاركة فلسطين الممثلة بـ 13 ممثلاً في أولمبياد شكسبير الذي سينطلق في مايو/ أيار المقبل إلى جانب 36 بلداً. وبالطبع يحمل هذا الحدث رسالة سياسية قوية من نوع تلك التي يحملها أولمبياد لندن الرياضي. أو فوز فلسطين بعضوية الأونيسكو.
هذا هو نوع الانتصارات التي تحققها فلسطين في ظل سلطتها الفخورة بحضورها في مثل هذه الأنشطة إلى جانب عشرات الدول. والواضح أن هذه الانتصارات غير مسموح بتحقيقها عن طريق آخر غير طريق الثقافة والرياضة والفن، بمعانيها المبتذلة المعروفة. والمعروف أنها تستخدم كتغطية على ما يجري في فلسطين والقدس من ألوان الاضطهاد الإسرائيلي.
وبالتزامن مع فلسطين، تبرز الرياضة كوسيلة مشابهة في البحرين التي تستقبل سباق السيارات العالمي المعروف باسم الفورمولا 1. وأقل ما يقال في هذا الحدث أن سياراته تأتي لتساعد النظام الحاكم في دهس الشعب البحريني الذي يعاني القتل بالرصاص و"الشوزن" والتجويع والحرمان من الإسعاف الطبي والاختناق بالغازات السامة. وأن البلدان المشاركة في هذا السباق تشارك النظام الحاكم في البحرين بقتل شعبه.
وبالتزامن أيضاً، انطلقت في الدوحة فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية المستدامة (الاونكتاد) في دورته الثالثة عشرة والذي يعقد لاول مرة في منطقة الشرق الاوسط...
منذ سنوات، يلاحظ أن بلدان الخليج تسبق غيرها من بلدان العالم بمسافات شاسعة فيما تشهده من مؤتمرات دولية سياسية واقتصادية واجتماعية وفنية ورياضية. الهدف هو مكافأتها على ما تقوم به من أدوار في تنحية البلدان العربية الكبرى عن مسرح الفعل الإقليمي والدولي. ويبدو ان فلسطين السلطة قد تم اختيارها لدور ريادي مشابه.
عقيل الشيخ حسين