ارشيف من :آراء وتحليلات

السباق الرئاسي في مصر: تشتيت الصوت الإسلامي ودولارات عربية للمرشح عمرو موسى

السباق الرئاسي في مصر: تشتيت الصوت الإسلامي ودولارات عربية للمرشح عمرو موسى
دخلت المعركة بين فلول النظام المصري السابق وأطراف الثورة المصريّة مرحلة شبه نهائية لن تتبلور نتائجها قبل الاسبوع الأخير من شهر ايار/مايو المقبل موعد اجراء الانتخابات الرئاسية، التي ستكون آخر المعارك الدستورية للقبض على مقاليد السلطة في "أم الدنيا". ويمكن القول إن الاسلحة التي زُجت في هذه المعركة تركزت بجانب كبير منها على القانون حيث دارت معركة حامية الوطيس بين التيار الاسلامي وبقايا نظام حسني مبارك الذي يقف خلفه شبح المجلس العسكري الحاكم من أجل فرض معادلات انتخابية حاسمة، ويمكن القول ان النتائج الأولية لهذه المعركة سجلت نقاط ضعف لمصلحة الاسلاميين بشقيهما الاخواني والسلفي.

واذا كان الاسلاميون استخدموا اغلبيتهم البرلمانية لإقرار قانون العزل السياسي الذي أقصى بقايا نظام مبارك والمقربين منه خلال السنوات العشر الماضية من السباق الرئاسي، واستجاب لهم رئيس المجلس العسكري الحاكم المشير محمد حسين طنطاوي، ووقع القانون وبدأ نفاذه على الفور، ليؤدي بالنتيجة الى قوننة عملية منع كل من مدير الاستخبارات المصرية العامة السابق اللواء عمر سليمان ورئيس الوزراء السابق احمد شفيق من خوض الانتخابات الرئاسية، فإن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية كانت هي الأخيرة "الاداة القانونية" التي وجهت ضربة قاسية للتيار الاسلامي ومارست طقوس "النزاهة" في عملها عندما اقصت عمر سليمان، علما انه بموجب قانون العزل بات حق الترشح محجوب عنه وعن احمد شفيق رغم ابقاء اللجنة العليا الاخير على لائحة المرشحين حتى مع سريان مفعول قانون العزل، رغم ما ذكر سبقا عن اسبعاده قبل ان تصدر اللائحة النهائية للمرشحين واسمه بينهم.
السباق الرئاسي في مصر: تشتيت الصوت الإسلامي ودولارات عربية للمرشح عمرو موسى

لكن المفعول الابرز لقرارات لجنة الانتخابات، التي تعتبر نهائية ولا تخضع لرقابة القضاء بموجب نص المادة 28 من الاعلان الدستوري (وهذه ثغرة قانونية خطيرة)، نال من التيار الاسلامي عبر ابطالها ترشيح خيرت الشاطر المرشح الرسمي الأول للاخوان المسلمين، والشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل، المرشح الوحيد عن التيار السلفي. طبعا تم الاقصاء باسم "القانون": الشاطر بسبب حكم قضائي سابق بحقه، وابو إسماعيل بدعوى جنسية والدته الاميركية. وعليه تم اسقاط المرشح الأول والأقوى للاخوان وهو الشاطر، وأقصي السلفيون بالكامل عن السباق الرئاسي لعدم ترشح بديل آخر عن ابو اسماعيل، وهذا سيؤدي كما هو متداول حالياً الى شرذمة الصوت الاسلامي، ذلك ان ثنائية الشاطر ـ ابو اسماعيل ورغم اختلافهما، فإنه كان مرجحا ان تقوم الكتلة الأكبر من اصوات التيار السلفي للتصويت لخيرت الشاطر في حال لم يتابع ابو إسماعيل معركته الرئاسية، ما سيكتل حول المرشح الرسمي للاخوان كماً كبيراً من الاصوات كان من شأنه أن يحسم الانتخابات في دورة واحدة، وكذلك الحال بالنسبة لجزء كبير من مؤيدي الشاطر يرون في أبو اسماعيل مرشحهم الثاني بعده.

ونشرت في الصحافة المصرية نتائج استطلاع للرأي تقول ان 25 في المئة من مؤيدي أبو إسماعيل ينظرون إلى خيرت الشاطر كمرشح ثانٍ بالنسبة لهم، بينما يرى نحو 27 في المئة من مؤيدي الشاطر أن أبو إسماعيل هو الاختيار الأفضل لهم. لكن بعد اقصاء الرجلين بات الاخوان المسلمون في وضع حرج مع مرشحهم الثاني رئيس حزب العدالة والحرية محمد مرسي الذي لا يحظى بالكاريزما نفسها التي لدى الشاطر وليس له حضور بارز في الاوساط الجماهيرية.

والخلاصة المتداولة حاليا ان اصوات التيار الاسلامي، سواء من الاخوان او السلفيين، ستتوزع على ثلاثة مرشحين إسلاميين هم اضافة الى محمد مرسي، المرشح عبد المنعم ابو الفتوح، وهو قيادي سابق في الاخوان فصل مؤخراً بسبب اتخاذه قراراً مستقلا بالترشح خلافاً لرأي قيادة الجماعة، ومرشح حزب الوسط محمد سليم العوا، مع ترجيحات بأن اصوات هامة من السلفيين ستصب لمصلحة ابو الفتوح.
لكن المعركة الانتخابية لا تقتصر على الاسلاميين الثلاثة، فهناك مرشحون آخرون، بعضهم مغمور وبعضهم يحظى باهتمام ومتابعة، مثل المرشح حمدين صباحي الذي تؤيده الكتلة الناصرية وعدد كبير من المجموعات الثورية، لكنه يعاني من ثغرة في تمويل حملته الانتخابية.
  اعطى التيار الاسلامي إشارة مبكرة الى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية تشير الى صعوبة التعايش بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في حال كان الفائز لا يمثل الاغلبية الشعبية الاسلامية

الا ان طابع المعركة ينحصر بين كل من مرسي وابو الفتوح من جهة، ووزير الخارجية السابق في عهد مبارك والامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى من جهة ثانية، بعدما فتحت لجنة الانتخابات العليا الطريق امام الأخير لخوض السباق الرئاسي من دون اي مساءلة عن تاريخه، على ان يحاول الرجل الاستفادة من معطيات عدة ابرزها:

1ـ تشتت الصوت الاسلامي بين المرشحين محمد مرسي وعبد المنعم ابو الفتوح وبدرجة اقل محمد سليم العوا؛

2ـ تكتل اصوات مؤيدي عمر سليمان واحمد شفيق لصالح عمرو موسى باعتباره من سلالة العهد القديم، وعلى الارجح ان احدا لن يصوت لشفيق حتى لا تذهب اصواتهم هباءا لاحتمال ابطال رئاسته لاحقاً؛

3ـ افادة موسى مما كان ينسب اليه من موقف سلبي ضد "اسرائيل"، ويعمل لكي يكون هذا الموقف هو بيضة القبان حالياً. اذاً مقابل ما يمكن تسميته بالخطاب "المهادن" للتيار الاسلامي ازاء قضية اتفاقية "كامب دايفيد" ومشتقاتها، فان استحضار "اسرائيل" في المعركة الانتخابية بدا واضحا من خلال عدة وقائع، ابرزها القرار الأخير بوقف تصدير الغاز المصري إلى "إسرائيل"، والذي يجمع المراقبون انه قرار ذو وظيفة سياسية يريد المجلس العسكري استثمارها في الدفع نحو مرشحه المضمر، اي عمرو موسى، وتلميع صورة المجلس قبيل انهاء المرحلة الانتقالية التي تولى فيها ادارة دفة البلاد، وذلك في قضية قومية تستثير احاسيس ورغبات الشارع المصري، الذي لم يلبِّ احد حتى الآن مطلبه بقطع العلاقة مع "اسرائيل" كليا.

هذا مع الاشارة الى ان اسباب قرار وقف تصدير الغاز هي محض تجارية وتتعلق بعدم التزام الطرف الآخر بدفع المستحقات المتوجبة عليه. لكن توقيت القرار رجح وظيفته السياسية، مشفوعة، على سبيل المثال بتصدي المشير طنطاوي نفسه للرد على تصريحات وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان التي دعا فيها حكومته الى "نشر ثلاث او اربع فرق عسكرية على الحدود مع مصر تحسبا لتدهور الاوضاع فيها"، ونقلت صحيفة "الاهرام" عن طنطاوي قوله إن "حدودنا ملتهبة بصفة مستمرة.. وإذا اقترب أحد من حدود مصر فسنكسر قدمه، لذلك يجب على قواتنا أن تكون في حالة جاهزية مستمرة". على ان النبرة التصعيدية شملت ايضا قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد فريد حجازي، على هامش مناورة بالذخيرة الحية تحمل اسم (نصر 7) في سيناء، دعا فيها "الجميع إلى إعادة حساباتهم قبل التفكير بالاعتداء على أية بقعة من أرض مصر". وبالتأكيد فان عمرو موسى سيجهد لكي يستفيد من هذه "النبرة الثورية" المستجدة لكي يجذب اليه اصوات شعبية تحلم بيوم تستفيق فيه على قرار بوقف كل اشكال التعامل مع العدو الاسرائيلي، متكئا على الاغنية التي ألصقت به "بحب عمرو موسى وبكره اسرائيل".

السباق الرئاسي في مصر: تشتيت الصوت الإسلامي ودولارات عربية للمرشح عمرو موسى

وهكذا باتت دعوة حركة "ثوار سيناء" إلى المشاركة في مسيرة حاشدة لمناسبة عيد تحرير سيناء لطلاء "صخرة ديان"، التي وضعها العدو الإسرائيلي خلال احتلاله لسيناء، بألوان العلم المصري، باتت تشكل فرصة للمتسابقين الى القصر الجمهوري لكي يدلي كل بدلوه فيما يتعلق بالموقف من "اسرائيل".

لكن بالتأكيد ليس عمرو موسى هو المؤهل لقيادة عملية تغيير كهذه، فخلف ترشيح الرجل تقف دول بذاتها، تضررت من سقوط حسني مبارك وفشلت كل جهودها للحفاظ على حكمه، وهي اليوم تحاول استعادة زمام المبادرة من خلال الوقوف خلف موسى لوضع حد لصعود التيار الاسلامي ومنعه من القبض على السلطة التنفيذية بعدما قبض على السلطة التشريعية، إذ من الخطأ حصر اخبار الانتخابات المصرية بوقائع محلية، فيما هناك خلف الكواليس جهد دولي اميركي واقليمي خليجي محموم لاستيعاب نتائج الثورة وحرف مسارها.

وهكذا لا يكون بريئا توقيت جامعة الدول العربية تقديم مكافأة مالية "قيّمة" لعمرو موسى على خدماته فيها طوال عشر سنوات، بقيمة خمسة ملايين دولار طُلب من الدول الاعضاء في الجامعة المسارعة الى استصدار قرارات سيادية بشأنها، كما هو حال لبنان، الذي ادرج على جدول اعمال جلسته الحكومية بتاريخ 25 نيسان الجاري (2012) الموافقة على دفع حصة لبنان من المكافأة المحددة بمئة الف دولار اميركي، بناءً على كتاب تلقته وزارة الخارجية اللبنانية من الامانة العامة للجامعة يحدد المبلغ، علما انه يجب ان يكون خمسين الف دولار وليس مئة الف لان حصة لبنان هي واحد في المئة وليس 2 في المئة (حتى في هذه القضايا يوجد التباسات؟؟؟).
 ليس بريئا توقيت جامعة الدول العربية تقديم مكافأة مالية "قيمة" لعمرو موسى على خدماته فيها طوال عشر سنوات، بقيمة خمسة ملايين دولار طُلب من الدول الاعضاء المسارعة لتسديدها

ومن الواضح ان موسى بأمسّ الحاجة للملايين الخمسة للمباشرة بحملته الانتخابية، بحيث يحصل على مال لا يخضع لاحقا لأي مساءلة قضائية مصرية في حال فوزه ويمكن ان يتهمه احد بتهمة حصوله على مساعدات خارجية ممنوعة على اي مرشح مصري وفق القانون، حيث بات بامكانه ان يتذرع بملايينه الخمسة كغطاء قانوني لحملته.

ازاء ما تقدم من تلاعبات داخلية وتدخلات خارجية بالمال وغيره، اعطت الغالبية الاسلامية اشارة مبكرة الى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية تشير الى صعوبة في التعايش بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في حال كان الفائز لا يمثل الاغلبية الشعبية الاسلامية التي ترجمت نفسها في مجلس الشعب، وتمثلت الاشارة برفض مجلس الشعب المصري الثلاثاء (24 نيسان) برنامج الحكومة المعينة من قبل المجلس العسكري الحاكم تمهيدا لسحب الثقة منها حيث رفض 347 نائبا من اصل 508 هم مجموع اعضاء المجلس برنامج حكومة كمال الجنزوري، وهذا يكفي للقول ان امام الرئيس المنتخب مهمة صعبة في تشكيل حكومة تنال ثقة الغالبية الاسلامية ما لم تعكس تطلعات الشعب المصري، ما يعني ان مصر مقبلة على ازمة سلطة جديدة قد تفرمل تنفيذ ما تبقى من برنامج الثورة.

عبد الحسين شبيب
2012-04-26