ارشيف من :آراء وتحليلات

روسيا تجددت... ولكن؟

روسيا تجددت... ولكن؟
لم تكن العلاقة بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة الاميركية واوروبا من جهة ثانية، كعلاقة الخليل بخليلته. فتميزت هذه العلاقة بالتوتر والتنافس ووصلت الى حد الاقتتال على أرض الغير وبجيوش الغير. ان احداث 11 ايلول/سبتمبر، وبسبب ما تشهده المنطقة العربية من "ثورات"، تبدلت مبادئ السياسة الخارجية،حسب تعبيير هنري كسنجر (عقيدة تدخل اميركية جديدة في الشرق الاوسط ام سياسة انتخابية قصيرة النظر؟. واشنطن بوسط، 31 /3/2012). فأصبحت مكافحة الارهاب، التدخل الانساني والحفاظ على الامن والسلم الدوليين، عناوين المرحلة الجديدة. بسبب هذه العناوين كانت الثورة البرتقالية في اوكرانيا، ونشر الدرع الصاروخية على حدود روسيا، بالاضافة الى خسارة موسكو لحلفاء استراتيجيين كالعراق وليبيا.
كل هذه الأحداث رأت بها موسكو تهديداً لأمنها ومصالحها وبدأت تشعر بضيق النفس من شدة القبضة، لذلك كانت الحاجة الى استراتيجية خارجية جديدة تعيد لروسيا مكانتها الدولية.

ان فوز بوتين في الانتخابات الرئاسية سيشكل بداية مرحلة جديدة في العلاقة مع أميركا والغرب وستكون مبنية على تعديل أسس العلاقات الخارجية بينهما. إن المشروع السياسي الروسي يتمثل بكل وضوح بالعودة الى زمن الأمجاد، الزمن الذي كانت روسيا فيه لاعبا استراتيجيا مهما لا يمكن تجاوزه، وهذا ما عبر عنه فلاديمير بوتين في مقالاته المتعددة خلال حملته الانتخابية. هذا الحلم الروسي سيكون سهل المنال او بالأحرى اصبح بمتناول اليد وذلك بناءً على العناوين التالية:

أولا: احترام القانون الدولي.


ان نجاح السياسة الخارجية الروسية بادارة الازمة السورية انطلاقا من العنوان العريض الذي أطلقه بوتين في مقالته ("روسيا والعالم المتغيير" نشرتها في 27 شباط 2012 صحيفة "موسكو فسكيي نوفوستي")، يؤكد بأن روسيا لن تسمح بعد اليوم بتجاوز مبادئ الشرعية الدولية. فإن عدم احترام مبدأ سيادة الدول والقانون الدولي يؤدي حتما الى اختلال توازن القوى ويؤدي الى تشكيل فراغ في العلاقات الدولية. فروسيا والعائدة بقوة الى الساحة الدولية تسعى الى اعادة تشكيل نظام عالمي يقوم على منع استخدام القوة المبالغ فيها ومراعاة المبادئ الرئيسة للقانون الدولي. من هذا المنطلق كانت الأزمة السورية عاملا لاعلان روسيا وفاة مرحلة القطب الواحد، وكان لسوريا شرف توقيع وثيقة ولادة نظام عالمي جديد متعدد القطبية ولد من "رحمها" حسب تعبير العميد امين حطيط. (سوريا الثابتة بين القمم :حل سلمي ....فما هي التداعيات؟ البناء, 30 ,3 2012)

ثانيا: حلفاء اقوياء.

ان تشكيل النظام العالمي الجديد يفترض ان يتوافر في من يقود هذا التغيير عناصر قوة فعالة، ألا وهي، اقتصاد قوي، قوة عسكرية، موقع استراتيجي. كل هذا متوافر في البيئة الروسية ومتوافر ايضا في من اختارتهم روسيا حلفاء وشركاء لها في هذا التغيير. من الواضح ان روسيا حبكت حلفا هاما مؤلفا من دول تتمتع بعناصر قوة ثابتة ومتغيرة مكملة لبعضها البعض، وسمي هذا الحلف بالـ"بريكس" ويضم الدول الخمس الصاعدة (برازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب افريقيا).

لقد اكد هذا الحلف رفضه لم آلَ اليه الوضع الدولي واثبت في معرض الأزمة السورية من خلال الفيتو الروسي ـ الصيني رفضه لاستمرار الوضع الحالي، ومن ثم جاءت قمة دول "بريكس" في نيودلهي في الايام الاخيرة من اذار الماضي 2012 لتكرس لاءاتها الثلاث.
ـ لا لاستعمال مجلس الامن لخرق سيادة الدول.
ـ لا لإنشاء مستعمرات جديدة عن طريق البنك الدولي.
ـ لا لإرهاب الدول من خلال بوابة حقوق الانسان.

السؤال المثير في هذا الاطار هو التالي: هل الشعوب التي وجدت في روسيا حليفا وسندا لها سيكون لها موعد مع روسيا أكثر قوة ومع رئيس سيساهم في ملء الارض "عدلا وقسطا" كما ملأها القطب الواحد" ظلما وجورا"؟

ان المراقب لتطور الاحداث الدولية، يجد مدى سرعة تبدل العلاقات بين الدول ويجد مدى اهمية الدور الروسي في اعادة الحياة لجولات المبعوثين الدوليين ولقاءات الرؤساء التي تتخللها تنازلات اميركية لمصلحة روسيا. كل هذا يؤكد بأن الحلم الروسي تحقق وأصبح في متناول اليد، فروسيا تجددت وتجدد معها العالم، ولكن تبقى مصالح روسيا هي الدافع لهذا التجدد، اما سر الخلطة يبقى دائما:
x+y+z =100.
حمزة عباس جمول ـ كاتب لبناني ـ باريس
2012-04-26