ارشيف من :آراء وتحليلات

هل تحدد الأشهر المقبلة وجهة الأمور: ثلاثة سيناريوهات تتجاذب الأزمة السورية... فشل أنان ـ تجميد حار ـ حل سياسي

هل تحدد الأشهر المقبلة وجهة الأمور: ثلاثة سيناريوهات تتجاذب الأزمة السورية... فشل أنان ـ تجميد حار ـ حل سياسي

مصطف الحاج علي

تلقت خطة أنان دعمين لافتين من مجلس الأمن: الأول، تمثل باحتضانها ببيان رئاسي، والثاني، الموافقة بالاجماع على ارسال بعثة مراقبين دوليين مؤلفة من ثلاثمائة عنصر الى سوريا، وبالرغم من ذلك ما زال الوضع الأمني هشاً، ويتعرض الى خروق جدية يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى المسلحون المدعومون من المحور الغربي ـ السعودي ـ القطري ـ التركي، في ظل مؤشرات على تمايز في الحسابات بين الولايات المتحدة تحديداً وكلٍ من السعودية وقطر وتركيا.

في هذا الإطار، سجلت جملة من الوقائع ذات الدلالات الكاشفة عن واقع الأزمة السورية حالياً، والرهانات الخاصة بها، وذلك وفق التالي:

أولاً: ثمة اجماع دولي على دعم خطة أنان بوصفها الوصفة الوحيدة اليوم المجمع عليها دولياً، والتي لا إمكان للوصول الى ما هو أفضل منها، وبالتالي هي الخطة الوحيدة المطروحة على الطاولة من الآن وحتى اشعار آخر.

ثانياً: اذا اقتضى الوصول الى خطة أنان عبور اشتباكات متنوعة دولياً وإقليمياً وداخل سوريا نفسها، وهي بالتالي عبرت عن السقف الممكن في هذه المرحلة، وعن الحاجة الى وضع الأزمة تحت المظلة الدولية متابعة، فإن هذا لا يعني ان تطبيقها سيكون سلساً، وخصوصاً أن المحور المناوئ لسوريا قبل بخطة أنان مكرهاً، لا عن طيب خاطر، ما يعني أن معركة قاسية تنتظر عملية تنفيذ الخطة اذا ما سلمت نوايا الجميع في التعاطي معها كمخرج للوصول الى حل سياسي متين لهذه الأزمة.

ثالثاً: لا يزال التعاطي الغربي ـ الخليجي ـ التركي تعاطياً مشككاً بامكان نجاح الخطة تارة، وبامكان استجابة النظام كما يريدون، تارة أخرى، هذا التشكيك لا يخضع ـ كما يبدو ـ لاعتبارات ودوافع واحدة، فالخليجيون والأتراك يتمنون سقوط الخطة وفشلها اليوم قبل الغد رهاناً منهم على أن هذا السقوط يعني سقوطاً للتوافق الدولي الممكن، ما سيؤدي الى أحد أمرين: اما فتح اللعبة الدولية مجدداً على وجهات مختلفة بدأ الترويج لها منذ الآن، والمتمثلة بنقل الملف السوري الى الفصل السابع، وإما فتح اللعبة من خارج مجلس الأمن، وهنا يبدو التلويح بعصا الملف الأطلسي، هذا التلويح الذي دأب عليه اردوغان مؤخراً، باعتبار أن تركيا مؤهلة لتوريط هذا الملف في حسابات حربها مع سوريا كونها عضوا فيه، وإما تسييل التشكيك الى ضغوط متعددة الأبعاد لا سيما باتجاه موسكو ودمشق، لحثهما على الاستجابة للشروط الغربية الخاصة والمطلوبة لانجاح خطة أنان، وإما لإبقاء الأزمة مفتوحة ضمن استاتيكو معين.

رابعاً: ان المتابع لمجمل التصريحات الاميركية الخاصة بالأزمة السورية يلحظ بسهولة التالي:

أ ـ ان حسابات الانتخابات الرئاسية معطوفة على واقع الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها الولايات المتحدة تشكل الاعتبار الرئيسي في هذه الحسابات.

ب ـ بالرغم من تكرار واشنطن لازمة أنها تحتفظ بكل الخيارات على الطاولة بما فيها الخيار العسكري، إلا أن هذا الخيار لا يعدو كونه أكثر من تطبيق لاستراتيجية سياسية قوامها أو هدفها عدم تطمين الخصم او العدو ليس إلا.

فالإدارة الاميركية تبدو حاسمة لجهة عدم استخدام القوة العسكرية وعلى الأقل مترددة، واذا كان هناك من يدعو الى استخدام القوة العسكرية في الأزمة السورية فهو لا يتجاوز سقف تقديم الدعم اللوجستي للمعارضة السورية.

ج ـ يبدو أن خيارات واشنطن تتراوح في هذه المرحلة بين حدين: الأول: تجميد الأزمة السورية تجميداً حاراً من الآن وحتى العام المقبل، أي لما بعد الانتخابات الرئاسية. والثاني، الدفع باتجاه ايجاد حل سياسي ولو بتعايش مع النظام، ومن ضمن قاعدة تسوية أشمل، أي قاعدة تسوية تشمل أكثر من ملف في المنطقة وفي طليعتها الملف النووي ـ الايراني والعراق.

خامساً: من الطبيعي أن يعمل الغرب عموماً والمحور السعودي ـ القطري ـ التركي خصوصاً، على ابقاء الضغوط على دمشق كون المواجهة لم تنته، ومسارات الحلول لم تتضح، وكذلك المسارات التي يراد وضع الأزمة فيها، فكل السيناريوهات تستلزم ابقاء الضغط على الطاولة.

سادساً: ثمة تمايز تكتيكي لكن اساسي في نفس الوقت بين الحسابات الاميركية والحسابات السعودية ـ القطرية ـ التركية، وعلى نحو أدق مع الحسابات السعودية ـ القطرية أكثر.

فالسعودية وقطر والى حد ما تركيا لا تريان مصلحة في تجميد الأزمة وبالتالي ابقاء التوازنات على ما هي عليه، فهذا المحور يرى أنه لا يملك نعمة ترف الوقت في ظل الأزمات المفتوحة والمعقدة التي يواجهها، وهو يرى ـ خصوصاً السعودي ـ أن مصيره بات مرهوناً الى حد كبير بما ستؤول اليه نتائج حربه مع النظام في سوريا.

وما يخيف هذا المحور أكثر هو المناخات الايجابية التي صدرت عن الاجتماع الأخير لمجموعة الـ 5 +1 مع طهران والمتعلقة بالملف النووي، والتي قد تشير الى امكانية الوصول أخيراً الى تسوية ما، فهذا المحور ـ كما الكيان الصهيوني ـ يفضل ابقاء الأزمة مفتوحة لإبقاء ايران تحت الضغط الغربي، والحصار الغربي من جهة، وليقطع الطريق على امكانيات تفاهم أوسع قد تشمل سوريا وغير سوريا، من جهة أخرى، ومن الواضح، أن المواجهة مع النظام السوري هي في الدرجة الأولى مواجهة مع ايران والعراق ولبنان وحتى فلسطين، وبالتالي فإن من مصلحة هذا المحور افشال خطة أنان، ومنع أي تسوية، ودفع الأمور الى النهاية، في المقابل لا تبدو واشنطن ممانعة في التوصل الى تسوية مقبولة مع ايران، ومع فكرة التعايش مع ابقاء النظام في سوريا على الأقل خلال المرحلة الحالية، واذا شاءت تركيا ان تأخذ حسابات مصالحها الأساسية بالحسبان، فقد يكون في مصلحتها أيضاً أن تكون واقعية، وأن تقبل بتسوية تشمل كل الأطراف.

سابعاً: بالرغم من الجهود الروسية المكثفة والمتواصلة لايجاد حل سياسي للأزمة السورية من خلال اللقاءات المستمرة مع مختلف أطراف المعارضة، إلا أن هذه الجهود لم تصل الى نتيجة حاسمة حتى الآن، سواء لاعتبارات تخص الراغبين بافشال هذه الجهود، أم لحسابات تتعلق بطبيعة التفاوض نفسه خصوصاً مع أطياف المعارضة الداخلية التي ترى اليوم أنها باتت رقماً مهماً في معادلة التشابك والاشتباك الدولي ـ الاقليمي ـ الداخلي حول سوريا وعليها، وكذلك في معادلة الحل أيضاً، الا أنه، اذا كان لهؤلاء رغبة صادقة في الخروج من المأزق لا بد من ان يتعاطوا بواقعية سياسية مع الحلول المطروحة.

ثامناً: الرئيس السوري لا يبدو في وارد تأجيل الانتخابات النيابية حتى الآن، واذا كان ثمة من نقل عنه مؤخراً انه ما زال يدرس التماسا كهذا، فان التأجيل سيكون مرهوناً ـ كما يبدو ـ بالتقدم المفترض في المسار السياسي.

تاسعاً: الوضع الأمني ما زال هشاً، ومن الواضح أن المسلحين يصرون على الاستفادة من خطة أنان لمصلحة قلب المعادلة مجدداً، ومن الواضح في المقابل أن النظام لا يملك خيار السماح بهذه اللعبة مجدداً، ما سيبقي الوضع الأمني هشاً، وما سيزيده هشاشة هو حرص المحور المناوئ لسوريا على ابقاء الحل السياسي مقفلاً في سياق الأهداف التي سبقت الاشارة اليها.

خلاصة القول هنا، لا يبدو أننا إزاء انفراجات قريبة ونوعية في مسار الأزمة السورية في ظل خضوعها لثلاثة سيناريوهات فعلية:

الأولى: سيناريو افشال خطة أنان.

الثاني: سيناريو تجميد الأزمة تجميداً حاراً.

الثالث: سيناريو البحث عن حل سياسي ـ أمني فعلي للأزمة.

أي سيناريو سيكتب له النجاح؟ هذا يبقى رهناً بالعديد من الاعتبارات، والأشهر القليلة المقبلة هي التي ستحدد فرص كل منها.
2012-04-27